| الثقافية
عُمق بعيد للثقافة المسرحية:
تكشف ديالوجات لغة (الفيدا) عن ثقافة هندية قديمة تعود إلى فترة ما بين القرنين الخامس عشر والسادس قبل الميلاد، ترتبط بنهرَي إندوس، جانجس Indus, Ganges وهي نفس الثقافة التي أفرزت الملحمتين الشهيرتين المهابهاراتا ورامايانا ورفعت بهما مستقبلا إلى التمثيل المسرحي, إن أهم خصائص تطور المجتمع الهندي ثقافيا أن مجموعات القرى القديمة قد وقفت في وجه حركات العبودية، وعطلت عبر عصور طويلة ظهور الاقطاع، بل وجمدته حتى لا يمس شرائح المجتمع أو ثقافته, هذه الظواهر الاجتماعية هي هي نفسها التي أثرت على تطور الثقافة المسرحية وأشكالها.
* مشكلات قاعدية أساسية في الدراما, BASICS
يصعُب حتى اليوم الكشف عن أصل التمثيل الهندي نظراً لإهمال التاريخيين والمؤرخين الاهتمام بهذه الحقبة القديمة لكن فترة ما قبل الفن الهندي الكلاسيكي قد تُلقي لنا بشعاع من الضوء, فقديما زمن سيادة العبودية على ايدي البطرياركيين نشأت مسرحيات كوميدية ضاحكة يمثلها شخصان في حوار طقسي, الأول برَهمي Brahman أحد افراد طبقة الكهنوت العليا عند الهندوس يريد شراء سلعة من أحد الباعة، لكنهما يختلفان على الثمن, البرهمي يضرب البائع, صور تمثيلية على هذا النمط تحمل طقوس (المهافراتا) Mahavrata بما يُوضح احتواء الاشكال الدرامية على طقوس سرية وباطنية قديمة، وعلى شخصيات شعبية مثل الفقير، فيدوشاكا Vidushaka وزوجة البرهمي الذكية, وكلها شخصيات لم تبق على المسرح فقط لكنها انتقلت ايضا إلى عروض مسرح العرائس, وظهرت في نفس الحقبة الثقافية المسرحية هذه عروض خيال الظل بالخيوط (الماريونيت) Marionett.
لم يستطع المؤرخون حتى اليوم تحديد اسبقية ظهور مسرح العرائس عن المسرح بالانسان في الثقافة الهندية لكن بتحليل العبارة المسرحية (قائد الحبل) التي كانت تُطلق على مدير المسرح أو المخرج في عروض ملحمة المهابهاراتا، فإنه من المرجح ان يكون مسرح الانسان قد سبق عروض مسرح خيال الظل، والعرائس (بوتاليكا) Puttalika.
ويُقوي هذا الترجيح ان مسرح العرائس وهو خيوط وعرائس خشبية وقطنية كان يستعمل الحوار أحيانا، بما يؤكد انتقال الكلمة إليه من مسرح الإنسان السابق عليه تاريخا وإشعاعا.
تطور مسرح خيال الظل (اتشاياناتاكا) Thajanataka في استعمال الالفاظ اللغوية, كلمة )NAT( تعني إبرة كما تعني (رقص), وفي المسرح خرجت مشتقات أخرى NATA الممثل، Nataka اللعبة المسرحية، Nataya فن المسرح، مع أن الرقص كان هو الاصل في مسرحيات الهند والتعبير فيها يجري بالحركات الصامتة (البانتومايم) Pantomime.
مصادر الدراماتورجيا.
يؤرخ تاريخ المسرح في العالم إلى مسرحية بعنوان (ناتياشاسترا) Natyashastra كتبها العالم باهاراتى موني Bharata Muni وقدمت في مائتي مكان ومنطقة باللغة السنسكريتية، واتبع في دراماتورجيتها القواعد العلمية لفن كتابة الدراما، بما يوحي لنا ان الماضي البعيد للمسرح الهندي كان على مستوى عال من الحرفة.
حققت الدراماتورجيا الكلاسيكية الكثير من اهدافها في فن التمثيل الهندي, الهدف الاول هو الآلة، والمربون القديسون، والملوك.
ثم كان على الدراماتورجيا ان تدفع النص المسرحي إلى رفع درجة الحماس عند الجماهير ناحية الترفيه والاحساس بحلاوة الحياة, وهو ما يكشف لنا انه رغم تحكم الشكل الديني في المسرحيات، فإن التسلية إلى جانب التعليم من المسرح كانت عاملا هاما في تكوين خطوط الدراماتورجيا الهندية.
يختار الدراميون موضوعات مسرحياتهم عادة من الملاحم الكبرى (المهابهاراتا، رامايانا، البورانا) وتتكون الشخصيات في الدراما من الشخصيات العظامية, الابطال الاساسيون في المسرحية لا يتجاوزون الاربعة أو الخمسة، وبقية الأدوار شخصيات هامشية ويتعين على الدراميين عند كتابتهم للدراما الاخذ بعين الاعتبار المحركات التسع وخدمة كل واحدة منها تأثيرا في الدراما, وهذه المحركات لمشاعر (الحب، السعادة، الغضب، الشجاعة الرعب، الكراهية، الاعجاب، المفاجأة، سلام النفس), أما الموت وهو مُحرك قدري أيضا لم يكن يحدث على خشبة المسرح, ان على الدراما أن تنتهي بختام مطمئن مُهدئ للجماهير في صراحة ووضوح.
فليس هناك تراجيديا أو كوميديا على نمط المسرح الأوروبي لتحدد شكل النهاية بالمأساة والمصائب أو النهاية السعيدة والوئام في ختام الكوميديا, ومع أن المشاعر التي تطلبتها المحركات جيدة في مضامينها، إلا أنها مع ذلك كانت تضع قيدا جامدا على أيدي كُتاب الدراما الهنود.
لغة الدرامات.
بينما تنقسم لغة الدرامات في العالم الى شعرية ونثرية، فإن اللغة في الدراما الهندية تخلط الشعر بالنثر في المسرحية الواحدة (وهو ما نعثر عليه احيانا في بعض مسارح ودرامات الشرق الأقصى).
ولعل ذلك راجع إلى ان اللغة الشعرية قد تعجز احيانا عن تحريك الاحداث المسرحية، بقدر ما تولد ايقاعا جميلا متناسقا للعرض المسرحي, إلا ان اهم ما تتميز به اللغة في الدراما الهندية الواحدة، هو وجود عدة لغات ومستويات لغوية تبعا لذلك, فالشخصيات الرئيسية والشخصيات العالية تنطق باللغة السنسكريتية، وبقية الادوار النسائية والشخصيات الهامشية يتحدثون بعدة لغات ولهجات مختلفة, ففي عصور ما قبل الميلاد ماتت اللغة الاصل السنسكريتية في الدراما، وحلت محلها لغة البابوات Sacral كأداة للتعبير الدرامي, ومع ذلك فإن جماهير المسرح كانت تفهم وتتفهم هذه الفروقات في اللغة، وهي هي نفس الفروق بين اللغتين اللاتينية والايطالية.
وتكشف بحوث اللغة بعد ذلك، ان اللغة الادبية الهندية في المسرح خاصة قد تبعت تاثيرا لغويا إيرانيا، بسبب دخول السنسكريتية إلى المناطق الايرانية في القرن الثاني قبل الميلاد ابان عصر الملك بارثوس Parthus وبخاصة في الدرامات، جنبا الى جنب لغة التعبير البابوي، ووصولا إلى اللغة البراقيطية Prakrit اللغة الهندية الحديثة.
يؤرخ عصر الدراما لجهود الدرامي اشفاجوشا Ashvagosha بثلاث مسرحيات في القرن الثاني الميلادي, الأول مسرحية شاريبو ترابكارانا Shariputra prakarana تعالج ديالوج شخصيتين من البرهميين,, المدرس البوذي والشاعر الغنائي, الثانية مسرحية موضوعها انتهاك حُرمة المقدسات Profane الشخصية الرئيسية فيها امرأة فاسدة, بينما تمتلئ المسرحية الثالثة بالمواعظ الاخلاقية التي تتبارى الشخصيات في التمسك بها, كما تم العثور على (13) مسرحية قصيرة تعود إلى الدرامي (باهاسا) Bhasa في جنوب الهند.
المسرح الهندي:
يعود تاريخ المسرح الكلاسيكي الهندي إلى القرن الخامس الميلادي ومن القصيدة المعروفة (كاليداسا) Kalidasa خرجت الدراما الاولى التي تحمل اسم (اكتشاف شاكونتالا)، دراما في سبعة فصول تبدأ بموقف التضحية, مقدمة للمسرحية يقف فيها المخرج وبعض الممثلين يُقدمون العرض المسرحي, ومن نفس آداب كاليداسا تخرج المسرحية الثانية بعنوان (مالافيكا وأجنيمترا) Malavika and Agnimitra وهما بطلا المسرحية.
تميز المسرح الهندي بمجاورة الرقص التقليدي لكلمات النص المسرحي وتشترك في تقنيات العرض تماثيل تعكس الطابع الديني للدرامات, ولأهمية دور الرقص في المسرح فقد انتشرت عشرات المدارس التي تُلقن اصول الرقص الديني، لاتزال اربع منها تعمل حتى اليوم، لتقدم خريجيها للدرامات الصامتة الراقصة المسماة (كاثاكالي) Kathakali.
استقر الشكل الاخير للكاثاكالي في القرن 17 ميلادي في مدينة مالابار Malabar الريفية, وتعمل على ابراز المسرحية شخصيات الشيطان، العفريت Demon، ,,,,، ,,,,، مستويات مستوحاة من الميثولوجيا الهندية القديمة, لكن جل المسرحيات تقوم على طرفي التناسب Extreme فالمشهد الاخير أو نهاية الاحداث تقود إما إلى قوة او إلى ضعف, إما إلى النور او إلى الظلام، إما إلى الحسن أو إلى السيئ, ومن الطبيعي ان نهاية الاحداث الحسنة تكشف عن الحقائق التي تنتصر عادة في نهاية المسرحية, تظهر إلى جانب الشخصيات المسرحية شخصيات اخرى مُقنّعة بأقنعة وملابس كرنفالية تثير الخوف والرعب أحيانا في قلوب النظارة وفقا لوقائع الاحداث, حملت الكاثاكالي إضافة إلى الرقص التقليدي الهندي خطوطا دينية، حتى تخلصت في العصر الحديث من رقص المعابد والتعبير الديني، مع ذلك فلا تزال الطقوس والشعائر تجد لها مكانا ولو باهتا في العروض المسرحية, فقبل العرض وفي مواجهة الجمهور يستعد الممثل بلبس القناع ثم ينام على المسرح, ثم يبدأ العرض بحوار ديني وابتهالات.
أما الخاصية الثانية في الدراما الراقصة، فانها تقع على عاتق الممثل ذاته، فالممثل الواحد يمثل دور الفيل ثم دور الافعى ودور البعوضة، ودور زهرة اللوتس إن لزم الأمر.
ويجري التمثيل في حركات تعبيرية راقصة، وسط فراغ مسرحي خالٍ من الديكور او المناظر المسرحية، وفي اعتماد شبه كلي على حركة الاطراف (اليدين والرجلين)، هذه الاطراف التي تترجم الحدث المسرحي، وتجسد مكانه (في معركة او تجديف في قارب مثلا).
يجري عرض الكاثاكالي عادة في الهواء الطلق، حتى مع وجود دور مسرحية قديمة في تاريخ معمار المسارح في الهند, وهناك ثلاثة انواع من المعمار المسرحي، صغيرة ومتوسطة وكبيرة.
في المسارح الصغيرة تمثل العروض التي تهتم بابراز حركات وجوه الممثلين وتأثير العينين والفم والايمائيات Gesticulation.
أما المسارح الكبيرة فكانت متعددة الطوابق في الصالة، ومتسعة في خلفية خشبة المسرح لتحتفظ بستار خلفي يتغير دوما تبعا للحالة النفسية للزمان والمكان.
ويظل المسرح الهندي المعاصر مائلا إلى استعمال اللغات اليومية، في اختلاف عن دراماتورجية اللغة السنسكريتية الكلاسيكية, وفي العروض المسرحية الطويلة زمنيا تدخل مشاهد مسرحية ارتجالية يقودها مهرج Clown لاضحاك النظارة بين الحين والحين خوفا من تسرب الملل، كما تحتوي هذه العروض احيانا على شخصية (الراوي) Narrator الذي يقص ويربط الاحداث بعضها ببعض.
ويتضح في النهاية ان مسرح الهند وهو واحد من بين مسارح الشرق الاقصى في القارة الآسيوية يختلف اختلافا كبيرا عن مسارح القارة الاوروبية فنيا ودراماتورجيا، بل وإخراجا مسرحيا ايضا.
المراجع : 1. V.J. Gokak, Literature in Modern Indian Laguages, Delhi, 1957. 2. K. Kripalani, Modern Indian Literature, Bobay, 1968.
|
|
|
|
|