| مقـالات
تتناقل المجالس هذه الأيام ظاهرة لافتة للنظر تلك أن بعض كبار الشعراء والنقاد اتجهوا الى كتابة الرواية مخلفين وراءهم اهتماماتهم المعتادة, ومع أن بعض المحررين سارعوا الى طرح هذا السؤال فلم أجد من يجيب بصراحة مكتفين بالهروب الى أجواء لا علاقة لها بالسؤال المطروح, ولن أكون متعسفا فانساق مع القول بانها ظاهرة التقليد لأن الفئة المثقفة أكثر وعيا بمكانتها الاجتماعية وتدرك بأن رسالتها هي القيادة وليس الانقياد, فإذا استرحنا الى هذا التفسير لن نستغرب ان المثقف يجرب أكثر من وسيلة للتعبير عن رأيه في القضايا والهموم الاجتماعية متى ما تسلح بالمعرفة في شتى فروعها ولكن ليس من المحتم ان ينجح في كافة تلك الوسائل ان انتفت الموهبة فالفشل وارد في التجربة حيث قرأت لأحد المدرسين الجامعيين محاولة روائية لم يكتب لها النجاح حين اخذ أبطاله الى قطر غربي أمريكا لنشر الدين الإسلامي!! بأسلوب غير مقنع, والعمل يفتقر الى الترابط والتشويق وهذا مجرد مثال لأن كتابة الرواية لا تضع تلك القيود لتناولها ويستطيع اي كاتب ان يمسك القلم ليدعي انه ذلك المبرز في كل ميدان بيد ان الادعاء شيء والنجاح شيء آخر لأن من يحترمون أنفسهم من كتاب القصة القصيرة المشهود لهم بالتفوق فيها مازالوا يراجعون أدواتهم المعرفية والفنية قبل اقتحام هذا المجال وانا شخصيا احترم هذا التردد مع رجائي بان لا يطول طالما لا ينقصهم الحس الفني والموهبة في تلمس الهموم الاجتماعية ونبض الشارع التي هي مفتاح السرد الروائي مع الايغال في تفاصيل معاناة شرائح البسطاء في تشابكها اليومي من خلال القيود والاحباط في مواجهة الرفض لكل ما هو جديد يطرق جوانب حياتنا بعنف لا يعرف الكلل.
فالرواية هي فن الريادة الفكرية في العالم اليوم واصبح جمهورها يفوق الألوان الأخرى بدليل الكميات الضخمة من الطبعات المتتالية للأعمال الإبداعية الناجحة ورصد أعظم الجوائز العالمية احتفاء بمكانتها الأدبية رغم المنافسة الشديدة وها أن الجوائز تزداد لمثل هذا الفن الإنساني ذي الفاعلية الاجتماعية رغم ان الوطن العربي لم يلتفت الى تأثير الرواية في حياتنا المعاصرة إذ ما زالت مهمشة مع ان الفنون الأخرى لا تنجح بمعزل عن رفدها مثل المسرحيات والأفلام وحتى المسلسلات فهي في حقيقتها سرديات متنوعة, كما يخطىء من يعتقد بان الرواية هي مجرد سيرة ذاتية وليست قيمة فكرية عالية وكاتب الرواية مطالب بان يقرأ مئات الروايات الناجحة عالميا حتى يتواكب مع التحديث الروائي وأكرر بان الاطلاع الواسع في مختلف العلوم الإنسانية ضرورة لازمة ولن تمتنع المطابع عن استقبال جديده طالما استطاع اجتياز النظام الرقابي ووفر مبالغ لا يستهان بها فسوف يدفع من جيبه تكاليف الطباعة ثم يوزع نسخا من مؤلفه على أصدقائه ويتكدس المطبوع لدى إحدى دور النشر التي سوف تقاسمه اثمان المباع وربما طالبته بتكاليف التخزين ونقل الكمية الى المخازن, وهذه الملاحظات لا اطرحها لتفت في عضد المتحمسين الى التأليف إنما اضعها في حسبانهم لان التجارة اخترقت مؤسسات النشر وكشفت عن توجهها الاستثماري لا الثقافي.
فمرحبا بكتاب الرواية الذين يزيدون من عدد المؤلفين وليس المبدعين والبقاء للأفضل كما يُقال ولكن الآمال ليس في العدد وإنما في التفوق والإضافة المشرقة لمسيرتنا الروائية التي مازالت لا تجد التشجيع المنتظر ولا الانتشار المأمول.
|
|
|
|
|