| مقـالات
{ في ليلة السبت الماضي وقفنا نهيل التراب على ثلاثة أقمار من شبابنا استوفاهم الله في حوادث سيارات وأخذنا ننظر إلى أحدهم محمولاً على النعش ثم هو بين أيدي الرجال، وهو يوضع في لحده وتصف عليه لبنات الطين ثم يهال التراب! الله أكبر إنها نهاية الدنيا، وحقيقة الحياة، ومصيبة الموت التي لا تقدم الشيوخ على الشباب، ولا تقدم الشباب على الشيوخ بل من جاءه يومه رحل! وتركنا نحن أبناء الدنيا وفي عيوننا عبرة، وفي قلوبنا ألم، وفي فكرنا تأمل ومراجعة وبحث! ونخرج من المقبرة وكأننا نولد من جديد! وكأننا إلى خلود! ثم ننشغل بالدنيا وحاجاتها فلا يطرأ علينا طارىء الموت، ولا ذكرى الراحلين، ولا مشهد هذه القبور التي تملأ الرحب!
إيه,, أيتها النفس المغرورة بدنياها، المفتونة بمباهجها، المشغولة بتكاثرها! أهؤلاء الذين يرحلون فجأة دون وداع! أهم من جنس غير جنسك؟! أمن ملأ غير ملئك؟! أمن أهل غير أهلك؟! بل هم والله منك وبك، وهم والله بعضك، وهم والله أصلك وفرعك، هم أساسك وهم رأسك! بل أنت نفس غافلة ساهية، يعظك القرآن كل حين، ويزجرك الموت كل يوم،وتظلين أيتها النفس تعيشين بقلب الغفلة!
ورأيت ساحة المقبرة في تلك الليلة فإذا كل أهل ميت من الأموات الثلاثة مشغول بدفن فلذة كبده! فقلت في نفسي سبحان الله، إن بعضنا عزاء لبعض، لست وحدك يا أخي المصاب، فلا تكن وحدك الجازع من مصيبتك!
ورأيت أكثر الذين حضروا من الشباب فالأموات الثلاثة هم من زملائهم وأصدقائهم! ورأيت أحد الشباب وقد شمر عن ساعديه يناول اللبنات وهو يقول بصوت قطعه البكاء (حللوه)! فبكى وأبكى الواقفين على القبر! وتذكرت لحظتها قصيدة (الحسن التهامي) في رثاء ابنه الصغير، وهو يوصي الشباب بالاستفادة من الأعمار واستباق الصالحات قبل الرحيل المفاجىء من دار الغرور والنكبات:
العيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار فاقضوا مآربكم عجالا إنما أعماركم سفر من الأسفار وتراكضوا خيل الشباب وحاذروا أن تسترد فإنهن عوار يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار |
فعزاء للآباء الذين فقدوا أبناءهم، لقد كانوا أمثلة لنا في الصبر والإيمان والاحتساب! تعلمنا منهم كيف نصبر على أقدار الله، كيف نحتسبها، كيف نستقبلها بنفس مطمئنة راضية مستسلمة حامدة مسترجعة!, وقال أحدهم ونحن نعزيه: (منه وإليه)! فاختصر لنا في كلمتين كل هذا الكلام الطويل الذي كنا نود أن نقوله له تسلية وتعزية! صدق والله (عبدالله) (منه وإليه)! هي حقيقة هذه النعم التي منحنا الله سبحانه، لقد جئنا للدنيا عرايا لا نملك منها شيئاً، فمنحنا كل شيء، المال والزوجة والولد، كل هذا منه، عطية من كرمه، منحة من خزائنه، وإليه هذه النعمة إذا أخذها، وهو سبحانه حكيم قدير بر رحيم إذا أخذ أعطى، وإذا قطع وصل، يمتحن العبد بالنعم، ويمتحنه بالبلاء، ويمتحنه بالعطاء والأخذ، لقد تلقينا في تلك الليلة التي ودعنا فيها الأقمار الثلاثة درساً إيمانياً بليغاً ذكّرنا بضعفنا، وأيقظنا لحقيقتنا، وأشعرنا أننا بشر راحلون إلى دارهم، ولكن بعضنا تقدمنا إلى الدار،والباقون على أثره!
***
{ أحسن الله عزاء وجبر مصاب ابن العم (أبو خالد) عبدالله بن زايد الطويان، الذي فقد ابنه (عبدالكريم بن عبدالله الطويان) ذا التسعة عشر ربيعاً، منحه الله الصبر والعوض، وجعل ما فقده شفيعا وأجراً عظيما مستودعاً عند من لا تضيع لديه الودائع,والعزاء ايضا لوالد الشاب (سلطان بن عبدالله الحسين أبا الخيل) ولأسرته الكريمة جبر الله مصابهم وعوّضهم عن فقيدهم خير الدنيا والآخرة، وعزاء لمصاب أسرة (الحديثي) بولدهم الشاب ذي الأربعة عشر ربيعاً عوّضهم الله عنه بالثواب والأجر العظيم، وغفر الله للأموات الثلاثة وأسكنهم روضات الجنات ومنازل الأبرار.
|
|
|
|
|