| مقـالات
تمر الأيام وتمضي الشهور وينتهي العام الدراسي بعد عناء لأبنائنا وبناتنا, جنى ثمرته من صدق الجد واجتهد وحفظ وقته وحافظ عليه ولم يضع منه شيئا الا بمقدار ما يعطيه دفعة تزيد من نشاط يومه وتقويه لغده وتساعده على تهيئة ظروفه الجسدية والنفسية.
رحل العام الدراسي وسجل ابان رحيله صفحات يفرح بها اناس ويندم لها آخرون وقد حصل فتهانينا للناجحين وحظا لاحقا للمتأخرين ان شاء الله, وبنهاية هذا العام وماحمله من تحصيل اوكشفه من تفريط, تقفل المدارس بجميع مراحلها الأبواب معلنة الراحة والاستعداد لعام دراسي قادم ان شاء الله, وقبيل هذه النهاية يحل علينا فصل صيف ينذر بحر شديد يصحبه فراغ كبير، الامر الذي يترك مجالا عند بعض الناس للتفكير في تغيير المكان الى مكان آخر اقل حرارة وألطف هواء ولا غرابة في ذلك, فنحن والحمد لله نعيش امنا ورخاء ورغد عيش لا يسعنا معه الا المزيد من الشكر للمنعم (وبالشكر تدوم: النعم) ولشكر النعمة طرق كثيرة منها في رأيي التمتع بها في حدود ما أحله الله, والتنقل والسفر والترحال والسياحة النقية والترفيه البريء من المتع المحمودة ان شاء الله.
والناس في ذلك أجناس منهم من أشرع للأنانية أبوابا دخل من أوسعها بابا وفضل الاستجمام وحده تاركا وراءه من هم في امس الحاجة الى وجوده معهم خاصة وهم في قمة فراغهم يتمنون أن يشاركهم البقاء أو يشاركونه الرحيل, وهذا لنا معه حديث آخر, ومنهم من كان منصفا وخالفه الرأي وعقد العزم على السفر بصحبة الأهل والأولاد وهنا بيت القصيد فأنا اراه جميلاً جدا أن يقضي الانسان اجازته مع أهل بيته يفرح بهم ويفرحون به يسعدهم ويسعدونه يحسونه أبا مسؤولا عنهم ويحسهم اسرة له يتبعونه ويحبونه, ولكن هل فكر هذا الراعي حين فكر في الاستجمام والراحة مع عائلته اين يذهب بهم ليضمن لهم متعة نقية من الشوائب واجازة سعيدة بعيدة عن المشاكل؟
البلاد متعددة ولا خلاف والأماكن كثيرة ولا جدال ووسائل النقل متوفرة والحمد لله الجوية منها والبحرية والبرية الخاصة منها والعامة, ودول العالم أغلبها تفرح بنا وتستقبلنا ولبلادنا في كل الدول من اقصى الأرض الى اقصى الارض سمعة طيبة واحترام دولي وعالمي, كل هذا ميسر لنا وغيره كثير وكثير ولكن أين المكان المناسب لعاداتنا وتقالدينا, أين الأمان الذي نشأ معنا وتعودنا عليه, اين الطيبة التي استقرت في نفوسنا حين تربينا عليها وكبرت معنا حتى صرنا من غير جهل لا ندرك ألاعيب اللاعبين ولا خداع الماكرين؟
يلاصقنا أحدهم بقصد سيىء فنشكره وآخر يأكل ويشرب معنا ليمكر بنا ويدبر ضدنا فنرغب فيه ونمدحه, نثق بالآخرين فيكيدون لنا ونأنس بصحبتهم فيخططون للإضرار بنا, ما ان ترى علامات الطيبة على جبيننا حتى نكون هدفا للطامعين ومغزى للمحتالين والنصابين وهذا ما أراه تتعرض له عوائلنا كثيرا في أغلب البلدان التي قصدوها للراحة والاستجمام.
نفسك قبل كل شيء أنت مسئول عنها وزوجتك أمانة في عنقك يجب الحفاظ عليها, وأولادك عهدة عندك كلفت برعايتهم وحسن تربيتهم ومالك وديعة معك عليك أن تتحسس مواطن انفاقه فمثل ما أنت مسئول من اين كسبته كذلك ستسأل يوما أين صرفته.
لماذا البعد وبلادنا شبه قارة كاملة, تضم مدنا متعددة ومناطق متباعدة وأجواء مختلفة وتضاريس متباينة, فيها المصيف والمشتى وبين ذلك فيها الاسواق الجيدة والبضائع الراقية والسلع النادرة, وفيها أماكن الترفيه المنتشرة والمطاعم الحديثة المتعددة والمختلفة وفيها الفنادق الفارهة والشقق اللائقة, فيها السواحل النقية والشواطىء النظيفة وفيها الجبال والوديان والرمال والكثبان وكل منطقة في بلادنا تحاول أن تكون الأحسن وان فاتها موسم راهنت على الموسم الذي يليه فما أجملها من مناطق وما افضلها من اماكن وما اروع التنقل بينها وأمتعه خاصة وان الطرق معبدة ووسائل النقل مريحة والخدمات ميسرة وكلها أمن وأمان وراحة واطمئنان فلم لا نكثف التشجيع للوطن ونزيد في الاخلاص له ولنصب سمننا في دقيقنا وتكون ديارنا هي وجهتنا ومبتغانا ولماذا لا نفضلها على غيرها وهي في الواقع تمتلك من الخصائص والميزات ما يمكنها من الرهان مع ما يظن أنها اجمل منها والتطلع الى الفوز.
جنوب المملكة غني عن التعريف فمنذ الاتجاه من الطائف جنوبا وأنت في قمم خضراء لا يفصلها الا ذلك الخط الأسود الذي تسير أنت عليه, مرة يرفعك الى القمة فتناشد السحاب وتمتزج مع الضباب ويهبط بك اخرى لتسير في القاع وتلامس بطن الوادي تستظل بالجبال فتعطرك الروائح الزكية محيطة بك من كل مكان, وتستقر في سطح الأرض فتحس بالامان وترفع رأسك لتلقي نظرة علىموقعك الشاهق قبل النزول فتشكر الذي سخر لك هذا.
ووسط المملكة حيث تقع منطقة القصيم الغنية بالمياه العذبة والخضرة الكثيرة والرمال الذهبية والخدمات الجيدة وتمتاز المنطقة ايضا بمدنها الكثيرة وقراها المتعددة وكون هذه المدن وتلك القرى متقاربة من بعضها البعض والمسافة بينها أغلبها رياض زراعية خضراء تسقى بالري الصناعي مما يساعد على انتشار الرطوبة ويلطف الهواء وكثرة هذه الرقعة الخضراء واتساع مساحتها جعلتك تنظر من الجو الى مدن القصيم وكأنها بيوت تقبع في ساحة خضراء خاصة وأن شوارع هذه المدن لا تقل خضرة عن مزارعها.
ومنطقة القصيم بالاضافة الى جمالها الطبيعي غنية بما حباها الله من خيرات كثيرة تغذي أغلب أسواق المملكة وقد تفيض أحيانا فيمتد خيرها الى الدول المجاورة وللمنطقة مواسم معروفة يقصدها الكثير من الناس للاستفادة منها كموسم التمور وموسم البطيخ وموسم الحصاد بالاضافة الى الانتاج القصيمي الدائم المرغوب من الجميع والأكلات ذات السمعة الجيدة التي يكثر السؤال والاستفسار عنها, ويزيد الطلب عليها.
وكذلك غرب المملكة وشرقها وشمالها أيضا, لكل منطقة من المناطق خصائصها ومميزاتها التي تنفرد بها عن غيرها, والسياحة الداخلية رافد قوي لنمو البلاد وتطورها فمن اجل الممارسين لها تقوم المشاريع وبهم تعمر ولهم تكثف الخدمات وبهم تزدحم ومع تكاثرهم توسع المجالات وهكذا نظل في نمو دائم وبالسياحة الداخلية ومعها يدور رأس المال في الوطن وتزداد حركته وينتعش الاقتصاد وتحصل الفائدة للجميع, اما اذا فضل اهل ارضنا في تنقلاتهم على ارضنا غيرها واختاروا أماكن بعيدة من اراضي الله الواسعة فلمن تقوم المشاريع في بلادنا ومن يغذيها لوقامت ومن نفرح به غير أهلنا ومواطنينا ومن نضمن ولاءه واخلاصه لنا غيرهم, في السابق قد أجد لهم العذر لو تركونا ورحلوا بعيداً وأسامحهم لو انفقوا اموالهم خارج البلاد أو غردت بهم تلك الأموال الى اماكن بعيدة وطارت من جيوبهم هناك, أو خلت منها حقائبهم افتعل لهم بعض العذر لقلة الخدمات اما اليوم فقد توفرت الامكانيات وتزاحمت الخدمات واكتملت البلاد وتزينت المدن واستعدت لاستقبال الزائرين وأصبح العذر غير مقبول فهل نطمع بالأغلبية منهم وأنا على يقين بأن ديارنا قد تهيأت اكثر من قبل بكثير ومن عاد ليقضي اجازته فيها سوف يجد راحته ويخدم بلده ويساعد كثيرا في رقيها وتقدمها وزيادة نموها وتطورها ثم ان التواصل بين المناطق مع بعضها البعض يخلق أجواء رفيعة من التفاهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي, ولو ان الخطوط السعودية ساهمت في الترويج لهذا التواصل باجراء تخفيض وقتي مدة الاجازة مع معاملة خاصة للعوائل لكان له أثر جيد في الترغيب وكان عاملا مشجعا لتنشيط السياحة الداخلية التي ندعو اليها وهي الاكثر امنا وأمانا والأزيد حفظا وحفاظا ولعلنا نجد في الهيئة العليا للسياحة والتي انشئت حديثا في بلادنا لتكون مرجعا لكل ما يخص السياحة ومن يتعامل مع السياحة علنا نجد فيها ضالتنا وتكون هاديا لنا ومنظما لمن يعمل لنا فتنتعش السياحة الداخلية في بلادنا, والله من وراء القصد والسلام.
* بريدة - عضو اللجنة الوطنية للسياحة |
|
|
|
|