أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 19th June,2000العدد:10126الطبعةالاولـيالأثنين 17 ,ربيع الاول 1421

عزيزتـي الجزيرة

تعقيباً على الغزي
الحوار يساعد على علاقة مثمرة بين الأجيال
الأستاذ الفاضل رئيس تحرير الجزيرة الغراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في العدد رقم 10087 من جريدة الجزيرة الموقرة الصادر بتاريخ 7 صفر 1421ه كتب الدكتور فارس الغزي في زاوية (شدو) وتحت عنوان في الحقيقة مقالا أكد فيه انه (ليس هناك ما يُسمى بصراع الأجيال )، مستنداً في ذلك إلى مقولة لعلي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه وهي (لا ترغموا أبناءكم على عاداتكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم)، ومُعزِّزاً رأيه بأن (الدراسات الانسانية في الغرب لم تتفق على رأي موحد بشأن حقيقة وماهية الصراع الجيلي),!
وفي رأيي ان صراع الاجيال موجود ولكن قد نشعر به بدرجات متفاوتة تختلف من شخص لآخر والإمام علي كرّم الله وجهه ما كان يُحذِّر إلا من شيء له (وجود) ولو بنسبة ضئيلة وما كان ينهى إلا عن أمرٍ رأى ملامحه وشعر ببوادره فرأى ان يُحذِّر منه فتحذير الامام علي كما أرى دليل (إثبات) وليس دليل (نفي) كما يزعم الدكتور.
وهل لابد لكل جيلٍ يا دكتور ان يُجيِّش جيوشه، ويحشد حشوده، ويُدشن أسلحته، لكي ترى ملامح هذا الصراع، وتعترف بوجوده انك من السهل ان تجده في أي بيت، وفي اي موقع عمل، وفي أي تجمع فكري او علمي ولكن كما اوضحت بنسبٍ ودرجاتٍ متفاوتة تختلف من شخص لآخر,, ومن بيئة لأخرى، ومن مجتمع لآخر.
وهو أمر طبيعي ناشىء من اختلاف العادات والتقاليد والمفاهيم وتباين القيم.
هذا وأتفق مع الدكتور فارس في ضرورة البعد عن الكتابات الانفعالية، والآراء المتشنجة حيال هذا الموضوع وأرى أن يكون الاهتمام مُنصباً حول: كيفية بناء علاقة مثمرة ومتزنة بين الأجيال.
فالإنسان يعيش في مجتمع ضمن إطار اجتماعي يحتوي على تقاليد، ونظم، وقيم، ومعايير، وأفكار خاصة به والتربية السليمة القائمة على الاصول التربوية الصحيحة تُكسب الفرد حضارة الماضي، وتمكنه من المشاركة في ممارسة حضارة الحاضر، وتهيئه للتطوير، وإضافة، واختراع وتقدُّم حضارة المستقبل ومن المعلوم ان الجيل الحالي تسلّم الراية من الجيل الماضي وسيسلمها الجيل الحاضر للأجيال القادمة.
من هنا تأتي اهمية بناء علاقة مثمرة ومتزنة بين الاجيال تقوي من بناء المجتمع، وتعضِّد وجوده، وتمنع انهيار قيمه، وضياع اخلاقياته.
وتراثنا العربي الاسلامي يقدم نظريات تربوية اسلامية محافظة بما تقوم عليه من مبادئ سماوية خالدة وتقاليد ثابتة، وقيم اصيلة تمتد بجذورها الى ما يزيد عن اربعة عشر قرنا من الزمان.
فالاسلام ينادي بتوقير الكبار واحترام العلماء وأهل الفضل:
قال تعالى: (قل هي يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) الزمر(9).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سناً، ولا يؤمَّن الرجل الرجل في سلطانه أي محل ولايته ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه رواه مسلم.
وعن أبي موسى رضي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط رواه أبو داود.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُنزل الناس منازلهم رواه مسلم.
ويضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الاعلى والقدوة الحسنة في المواءمة بين الاجيال عندما ولّى قيادة الجيش لأسامة بن زيد، وهو ابن الثامنة عشرة، وكان في جيشه أبو بكر، وعمر، وكبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
* كما كان صلى الله عليه وسلم يقوم بالحوار والمناصحة لبناء علاقة مثمرة بين الاجيال فكان يردف ابن عباس خلفه على بغلته وهو غلام لم يبلغ الحلم، ويلقنه اعظم درس في العقيدة وذلك ما جاء في الحديث: يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله,,,, الحديث رواه الترمذي، ولم يقل هذا غلام صغير كيف سيفهم هذه الامور العقائدية الكبيرة بل مضى في تلقينه إياها ليبني منه شخصية عظيمة بالحوار، واعطاء المفاهيم والقيم منذ نعومة أظفاره وفعلا كان ابن عباس ممن يُشار إليهم بالبنان.
* وحرصاً منه صلى الله عليه وسلم على بناء هذه العلاقة بالحوار ومجالسة الاخيار تخبرنا السيرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُشرك اولاد الصحابة في مجلسه وفي اسئلته ومنهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي كان حاضرا عندما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم اصحابه عن الشجرة التي تشبه المؤمن فخاض الصحابة ولم يعرفوا انها النخلة وعرف ابن عمر ذلك ولكنه خجل ان يتكلم في حضرة اشياخ قريش فلما انفض المجلس أخبر عبدالله اباه بأنه كان يعرف الجواب فقال الفاروق: كان أحب إليّ لو قلتها .
ففتح الحوار بين الأجيال، والمناقشة معهم في كافة القضايا والابتعاد عن عبارات التسكيت والتخويف من الامور التي تساعد على وجود العلاقة المثمرة بين الأجيال.
* والشريعة الاسلامية تقوي الروابط بين افراد الاسرة وتُعززها والقصد هو تعزيز تماسك المجتمع، والجماعة، والفرد فمدلول الاسرة في الاسلام أوسع مدى وأبعد أثرا من مدلولها عند غير المسلمين في الغرب الذين يستند الدكتور في رأيه إلى آرائهم ! لان الاسرة في الاسلام تشمل:
الزوجين، والأولاد الذين هم ثمرة الزواج، كما تشمل أولاد الأولاد بالاضافة إلى انها تشمل الاصول من الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا، وفروع الآباء والامهات والجدات كالاخوة والأخوات والعمات والأخوال والخالات وأولاد هؤلاء جميعا.
* ويروى ان الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي صبوح الوجه، نظيف الثياب، وخلفه أربعمائة من العلماء، وأصحاب الجاه، والنفوذ، وإياس يتقدمهم بخطى ثابتة فتعجب المهدي من ذلك وقال معاتباً كبار القوم: ماهذا؟ أما كان فيكم شيخ جليل يتقدمكم غير هذا الحدث؟ ثم التفت إلى إياس وقال له: كم سنك يا فتى؟
فرد إياس في ثبات وبلاغة: سني أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد بن حارثة لمّا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً جراراً فيهم أبو بكر، وعمر، وقادة الصحابة، فأعجب المهدي بفصاحة إياس وربت فوق كتفه وهو يقول: حسناً: تقدم بارك الله فيك يا بني، فإني أراك أهلاً لما أنت فيه .
* والخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يدخل عليه محمد بن علي بن حسين فيقول له الخليفة: أوصني فقال: أوصيك ان تتخذ صغار المسلمين ولداً، وأوسطهم أخاً، وأكبرهم أباً فارحم ولدك، وصل أخاك، وبر أباك .
تلك هي المثاليات المفروضة في العلاقة بين الأجيال هي اللحمة والسدى في البناء الاجتماعي وهي تقرر لكل فرد مكانته، والمطلوبات الاخلاقية منه: اخلاص تنزه عن المصلحية والاستنفاعية والأنا فردية.
- وتتجلى اهمية بناء علاقة مثمرة بين الأجيال في الآتي:
1) الاحتفاظ بالتراث: فالصراع بين الأجيال يجعل كل جيل على استعداد لمحو ما خلَّفه الجيل السابق من تراث بينما العلاقة الطيبة والمواءمة تعمل على حفظ التراث من الضياع ونقله الى الاجيال الناشئة عن طريق التربية والتنشئة.
2) تعزير التراث: تساعد العلاقة المتوازنة بين الاجيال كل جيل على ان يقوم بتنقية تراثه من العيوب التي علقت به وعجز الجيل القديم عن اصلاحها دون ان ينال من هذا الجيل او يحط من قدره أو يُقلل من مكانته.
3) تكسب افراد المجتمع شعورا بالوحدة، وتهيئ لهم سبل العيش والعمل دون اعاقة واضطراب وتُيسر سُبل التفاعل الاجتماعي دون ان يحدث نوع من الصراع او الاضطراب.
وفي الواقع فإن تأثر البعض بالدراسات الانسانية الغربية جعلهم يُقدمون هذه الدراسات على انها النموذج (الامثل)، والطريقة (الأفضل)، والوحدة (القياسية) للقيم رغم ان هناك فوارق لا تُحصى ولا تعد بين المجتمعات الغربية التي نشأ فيها الباحثون الغربيون وبين المجتمعات المسلمة التي تفهم حقيقة الدين، وتجعله منهج حياة، وتدور كل أهدافها في فلك العقيدة الإسلامية.
كرم عبدالفتاح حجاب

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved