| منوعـات
من الصعب على المرء أن يعرف كيف مال إلى هذه المهنة أو تلك خصوصاً المهن التي لا يقودك إليها الرزق أو الوظيفة, مثل الكتابة أو الصحافة أو الرسم الخ, فأنا لا أتذكر لماذا اخترت الكتابة, ولكني أتذكر أحد الدوافع الأساسية التي دفعتني للكتابة, من أهم هذه الدوافع هي المرأة أو المغازل إذا أردنا الدقة, ففي بداية المراهقة، في الثالثة عشرة على وجه التحديد يبدأ الإنسان بالتطلع إلى الجنس الآخر, وبعد فترة وجيزة تمتلك عليه هذه التطلعات كل حياته، فينظر للوجود من منظور الحبيبة, فيلبس ويأكل ويشرب ويتصرف وفقا لما يظنه يرضيها, سواء كانت بنت الجيران أو إحدى قريباته أو حتى تلك البنت المصنوعة في الخيال, والمشكلة الحقيقية التي قد يواجهها المراهق هي توفر الفرصة لديه للتعرف على العالم المصنوع من الخيال مثل القصص أو أفلام السينماء أو المجلات الفنية.
في أيام مراهقتي كانت تلك الأشياء شبه متوفرة, كانت قصص إحسان عبدالقدوس ورفيق العلايلي وعبدالحليم عبد الله ويوسف السباعي, كما كانت تهرب لنا مجلات الفن مثل مجلة الشبكة في الوقت الذي كانت فيه نوادي الكورة تجود علينا بأجمل الممثلات من خلال عرض الأفلام المصرية.
أعتقد والله اعلم ان الذي دفعني للكتابة هي قصص إحسان عبد القدوس, طبعا هذا الاسم لا يثير كثيرا من المودة في نفوس كثير من القراء, فقد كان في وقت من الأوقات يمثل المجون والحب الفاضح الخ, وبسبب من هذا الاتجاه اكتسب سمعة اكبر من سمعته التي يستحقها فنيا.
على كل حال هذا ليس موضوعنا, فعبد القدوس كان كاتبا عظيما بالنسبة لي في الفترة التي قرأته فيها, لا أتذكر بالضبط أي قصة من قصصه كان لها الأثر الأكبر في تطوير قدراتي المغازلجية ومن ثم توريطي بالكتابة, في إحدى قصصه وطد في داخلي ان الفتيات الجميلات يعشقن الكاتب, حتى لو كان الكاتب ليس وسيما, فقلت في نفسي حينها (على يدك ياولد عبدالقدوس), وما يمكن ان أتذكره من تلك القصة ان الفتاة الجميلة الانيقة، بنت الأغنياء، التي كانت تعيش طفشانة في بيت أهلها، كانت تطارد الكاتب من مكان إلى آخر، وتبعث له بالرسائل وببريق حبها, ولا أتذكر هل كانت تبكي من أجله أم لا؟ ولكن تلك كانت كبيرة على قدراتي العاطفية، لأني لو تخيلت في تلك الأيام وحتى هذه الأيام أن هناك امرأة يمكن ان تبكي من أجل حبي لشققت جيبي من الفرح, على كل حال كان يكفيني انني عرفت سر الولوج في اعماق القلوب الرقيقة للفتيات الجميلات, فقررت ان اكون كاتبا أتعاطى الكتابة, أن تعرف فهذا شيء وأن تنفذ فهذا شيء آخر, بعد أن مسكت الورقة والقلم وقررت أن أكتب صدمت، فقد اكتشفت أن الكتابة تحتاج إلى موضوع يُكتَب عنه, ورأسي لا يوجد فيه ما يمكن ان يُكتَب عنه سوى التأوهات المراهقة, ففكرت هل أصنف تلك التأوهات في قصة؟ أم أن أصيغها شعرا؟ أو أدبجها في مقالة؟ وفي خضم هذه الحيرة العظيمة من أجل الهدف النبيل وقعت على مقالة مفصلة عن بنات الجيشاء,فقررت تعريف القارىء السعودي الكريم بهن، لم أكن أعرف حينها ان المسألة فيها ممنوع وفيها مسموح وفيها رقابة وفيها لعنة خير, الذي أعرفه أن ذلك الموضوع سيضعني على سلم المجد والشهرة, وسأصبح أعظم كاتب سعودي, وربما يأتي اليوم الذي أكون فيه إحسان عبد القدوس السعودية, عندها سأستولي على كل المراهقات من الخليج حتى البحر الأحمر, وربما تفيض خدماتي المغازلجية إلى خارج حدود الوطن كما فاضت خدمات إحسان عبدالقدوس حتى وصلت إلى مدينة الرياض,, فكتبت ما يشبه ملخصا عن ذلك المقال الذي كان يتحدث عن فتيات الجيشاء وأخذته إلى جريدة الجزيرة, وقد اخترت جريدة الجزيرة لأنها أولاً اقرب إلى بيتنا, وثانيا لأن فيها صفحة تعنى بالكتاب الشباب, ما أنساها،، ضربتها رجلية من بيتنا في طرف شارع العطايف الجنوبي إلى شارع الناصرية (شارع الملك سعود الآن) حيث مقر الجزيرة, كان خالد المالك يجلس في غرفة على يدك اليسار وأنت داخل المبنى, فسلمت عليه ومددت له المقال العظيم, كان المقال لا يتجاوز نصف صفحة فقرأه بسرعة ورفع رأسه وقال: الحقيقة أسلوبك ممتاز بس لازم تعرف يا أخ عبدالله أن مثل هذا الكلام لا يمكن نشره في الجرائد, لم يكن كلامه مقنعاً, فكدت أقول له بالعكس أنا لاطشه من جريدة فكيف تقول انه لا يُنشر في جريدة؟ ولكني لم أرغب أن افضح نفسي فقلت: بس يعني هذا كويس وأخذت أتعتع لإقناعه.
كان المقال في الأصل مجرد ريبورتاج عن ظاهرة اجتماعية تقليدية في اليابان ولكني عندما اختصرته انتقيت منه أحلى ما فيه وهو وصف الفتيات ووصف دلعهن مع العملاء, باختصار انتقيت من المقال ما كنت أتمناه وما كنت أتخيله في المرأة التي سوف تحبني, وطعمته بما كان يحشو رأسي من صور لفتيات جميلات أخذتها من الأفلام المصرية التي كانت تعرض في نادي النصر.
بعد تلك الحادثة عملت بجدية لكي أكون كاتبا وأنفذ وصايا إحسان عبد القدوس ومرت أكثر من ثلاثين سنة وأنا أكتب وأنتظر بنت الأغنياء الجميلة أن تبعث لي برسالة تعلن فيها حبها وتأوهاتها, وأظن، والله أعلم، أن زملائي الكتاب الذين يشيرون بين كل مقالة ومقالة إلى الرسائل التي تصلهم من قارئات ليسوا إلا ضحايا إحسان عبدالقدوس, لكن ما أقول إلا حسبي الله عليك يا إحسان عبد القدوس.
لمراسلة الكاتب: Yara4me@ Yahoo. Com
|
|
|
|
|