| الاخيــرة
كنت ممن شرُفوا بحضور حفل افتتاح السنة الرابعة من الدورة الثانية لمجلس الشورى، عصر يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الأول لعام 1421ه, وشاهدت بفرح بالغ صورة التلاحم الجميل بين رائد التجربة الشورية الحديثة، خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو نائبه الثاني، أيدهم الله، وبين أبنائهم واخوانهم أعضاء مجلس الشورى التسعين، يتقدمهم رئيسُ المجلس، فضيلة العالم الجليل الشيخ محمد بن جبير.
****
كان خطاب خادم الحرمين الشريفين - الذي افتتح به حفظه الله أعمال السنة الجديدة جامعاً مانعاً، فقد تحدث بلغة رصينة واطناب بليغ عن أحوال الأمة، في مساراتها المختلفة، الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والادارية، ومهّد لذلك باستعراض موجز لمسيرة التجربة الشُّورية في بلادنا، بعد أن أكملت ثلاثة أرباع القرن، منذ صدور اول نظام لمجلس الشورى عام 1346ه في عهد المغفور له المؤسس العظيم، الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه.
****
ثم تحدث الخطابُ السامي عن العروة الوثقى التي تربط هذه البلاد، حكومة وشعباً، بدينها الحنيف، فأكد اننا أمناء على عقيدتنا الاسلامية التي تنزلت لنا من رب العباد,, وان اخلاصنا لهذه العقيدة ظلّ بالنسبة لنا أمراً مصيرياً لا نقبل حوله المساومات، ولا نرضى ان نقدم فيما يتعلق به أي تنازلات !
وتعامل الخطاب السامي مع ما يتردّد في الساحة الدولية الآن عن حقوق الانسان، فأشاد بالجهود التي تبذل لتحقيق طمأنينة الانسان وعزّه ورخائه حيثما كان، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أي محاولة لاكراه المجتمعات على التخلي عن معتقداتها وثقافاتها الخاصة، ارضاءً لأي غاية تبررها أيُّ وسيلة!
****
وأشار الخطاب السامي الى شراكة المملكة مع المجتمع الدولي في مواجهة تحديات النمو، مشددا انها ليست في غفلة عما يدور خارج حدودها، بل تؤيِّد كل خطوة تؤدي الى تطور المجتمعات الانسانية ورفاهيتها، ولذا، فإنها تراقب باهتمام بالغ التطورات التي فرضتها ظروف التغيُّر الحضاري في العالم, وضرَب لذلك مثلاً بالقفزة الهائلة في قطاع الاتصالات، وما تشهده الساحة الاقتصادية من نمو سريع في كل المجالات.
****
من جهة أخرى، أشاد الخطاب السامي بالدور الهام الذي يلعبه المجلس الاقتصادي الأعلى في المملكة، وما صدر عنه من قرارات هامة تصب في خانة التلاحم الاقتصادي مع دول العالم، مؤكدا ان تلك القرارات ليست سوى جزء من منظومة التعامل الايجابي مع التحولات الاقتصادية العالمية، ومحاولة منح الاقتصاد السعودي تنوعا في فرص النمو، وتعدداً في مساراتها!
****
ثم جاءت كلمة معالي رئيس مجلس الشورى، الشيخ محمد بن جبير، لتكون مسك الختام، حيث سلّطت الضوءَ على التجربة الشورية في المملكة، وهي تطوي سنتها الخامسة بعد السبعين منذ ولادتها في عهد الملك المؤسس، طيب الله ثراه، ونوه معاليه بدخول هذه التجربة عامها الثامن من دورتها الثانية بعد تحديثها، آلية ونظاماً في عام 1412ه، في عهد خادم الحرمين الشريفين، وقد دعا معاليه لغة الأرقام للحديث عن انجازاتٍ شهدتها سبعُ سنوات سمان من عمر هذه التجربة، فأشار معاليه الى أن مجلس الشورى عقد خلال تلك المدة 361 جلسة، نجم عنها 322 قراراً، تتقاسمها شؤون متفرقة: دينية وسياسية واقتصادية وثقافية وتربوية واجتماعية وصحية وعسكرية وخدمة مدنية، كما عقدت لجانُه المتخصصة 1443 اجتماعا، واجتمعت هيئته العامة 110 مرات.
****
وبعد
أود ان أختم هذه المداخلة بالملاحظات التالية:
أولا: ان المرء المتأمل لتجربة الشورى في المملكة عبر مسارها الطويل ليشعرُ بقدر من الزهو حيالها، وخاصة ما تم انجازه خلال سبع سنين سمان تلت اعادة تحديث المجلس، آلية ونظاماً في عام 1412ه، وقد أثبت هذا المجلس عبر السنين قدرة فائقة في التعامل مع هموم البلاد وقضاياها، محلية ودولية، وما كان ذلك ليتحقق لولا عون الله أولا، ثم ثقة ودعم القيادة الرشيدة لهذه التجربة، ووجود كفاءات فذّة من أبناء هذه البلاد، ينتمون الى حقول متفرقة من العلم والخبرة وسداد الرأي، فيهم الفقيهُ والعالم المتخصص والطبيب والمهندس والمحامي والأكاديمي والعسكري والاداري.
****
ثانياً: لفت نظري بقدر من الاعجاب طرح هذا العام لتجربة المجلس، لا في أسلوب الطرح فحسب، ولكن بما عبّرت عنه الكلمة السامية، من رؤية متزنة ومتفهمة لأوضاع العالم المعاصر، وما يشهده من تحولات متنوعة الأغراض والأسباب والنتائج، بعضها سارّ، وبعضها ضار، كما عنى الخطاب السامي بتحديد موقف المملكة إزاء العديد من القضايا الراهنة في الساحة الدولية، ثم جاءت كلمة معالي رئيس المجلس الشيخ محمد بن جبير وكانت بليغة في صياغتها، موجزة في نصها، واضحة في طرحها.
****
ثالثاً: كتبت وغيري أكثر من مرة نتمنى المزيد من الشفافية الاعلامية ممثلة في الكشف ما أمكن عما يدور داخل جدران مجلس الشورى، رصداً وتحليلاً، والغاية من ذلك تنميةُ وعيٍ جماهيري ايجابي أوسع وأشمل نحو العملية الشورية، يستقي مادته من واقع الحدث اليومي لها، مستشهدين في ذلك بحق المواطن في معرفة بعض ما يدور داخل أروقة المجلس الموقر بين الحين والآخر، مما يلامس شؤون وشجون حياته!
****
رابعاً: لا ينفي ما ذُكر أعلاه أو يقلل من أهمية الجهد الذي تبذله الأمانة العامة لمجلس الشورى في تعاملها الذكي والمحمود مع وسائل الاعلام المختلفة، تعريفاً بجهود المجلس وقراراته، لكن الناس يطمعون في المزيد على نحوٍ أكثر استمرارية، وأثرى عرضاً، وأدق تنظيما، بما يضاعف آصرةَ التلاحم المنشود بين المجلس الموقر وشرائح متفرقة من المجتمع!
خامساً: هناك العديد من الوسائل، في تقديري المتواضع، لتفعيل ذلك التلاحم ومضاعفته مما لا يغيبُ عن فطنة وادراك الاخوة الكرام أعضاء القيادة الادارية في المجلس، ومن بين تلك الوسائل، تمثيلاً لا حصراً، ما يلي:
أ اقامة لقاءات دورية غير رسمية تجمع بعض أعضاء المجلس بممثلين للفكر والاقتصاد والصحافة والاعلام يتم خلالها ترسيخ التعارف بين المشاركين فيها، وتبادل وجهات النظر وشرح ما غمض فهمه من قضايا تهم الطرفين.
ب الاتفاق مع مطبوعة أو أكثر داخل المملكة لاصدار صفحة اسبوعية أو نصف شهرية تُخصَّص لمجلس الشورى، تُعرضُ من خلالها أبناء المجلس وبعض القضايا المدرجة على جدول أعماله مما يمكن الحديث عنه، والتصريح به، الى جانب اللقاءات المكتوبة مع بعض أعضائه، والمقالات الهادفة في هذا السبيل.
ج النظر في اصدار مجلة دورية ربع سنوية، مثلاً، تهتم بقضايا الشورى، بحثاً وتحليلاً، ويمكن ان يُخصصَ جزء منها لتوثيق بعض ما صدر عن المجلس الموقر، بعد استكمال دورته النظامية.
|
|
|
|
|