|
| الثقافية
تتفاوت العلاقة بين أديب مبدع وآخر معاصر له حتى اننا نستطيع ان نجعل لهذا التفاوت تشابها مع ألوان الطيف، تلك الألوان التي يبرزها قوس قزح إثر المطر أو يظهره مدرسو مادة الفيزياء بتسليط الضوء ليمر عبر منشور زجاجي, وعلى اقصى طرفي هذا التفاوت قد تنشأ العداوة حتى تكون مضرب الأمثال.
وأسباب العداوة بين الأدباء كثيرة ومن ذلك التحاسد والتنافس على المغنم والشهرة وإعجاب الناس والغرور وعدم التبصر في الأمور واختلاف المبادىء والأفكار, ولو ألقينا نظرة سريعة إلى العداوات بين الأدباء في العصر الأموي وشرَّحنا تلك العداوات على مبضع النقد لوجدنا ان بعضها يتضح بوضوح عامل التنافس كما في العداوة بين جرير والفرزدق وبين جرير والأخطل.
وقد قامت عداوة بين شعراء لاختلاف مذاهبهم, فقد كان عمران بن حطان شاعرا من شعراء الخوارج وكان عبيدالله بن قيس الرقيات من شعراء آل الزبير وكان جرير شاعرا من شعراء الفرع الأموي كما كان الكميت بن زيد الأسدي شاعر آل البيت.
وفي العصر العباسي ساهمت العداوات المذهبية والشخصية في إذكاء نار البغضاء بين كثير من الشعراء, وقد ابقى لنا الأدب وصفحاته هجاء ابن الرومي في منافسه البحتري, ويحفظ لنا سجل الأدب هجاء البحتري في الأديب عبيد الله بن عبدالله بن طاهر.
وقد قامت في العصر الحديث عداوات شديدة وساعد على ذلك وفود مفاهيم من الغرب فالناس بين مرحب ورافض وتكون الردود ثم العدوات.
ورغم هذا السجل الحافل بالضغائن بين الادباء إلا أن هناك سجلا آخر هو سجل المودة والإخاء والمحبة التي تقوم بين أديب وآخر, ومن أهم الصداقات الأدبية تلك الصداقة التي جمعت بين شاعرين كبيرين من شعراء العربية وهما أبوتمام وتلميذه البحتري, ورغم حب الشاعرين المعلوم للشهرة والاتصال بالولاة والحكام في ذلك الزمان إلا ان شيئا من التنافس لم يقع بين الرجلين, بل أن الثابت ان أبا تمام كان سببا في مجيء البحتري إلى العراق, وكان ابوتمام في زيارة للشام فرأى الشاب البحتري وكان الأخير دون العشرين قد نظم شيئا من الشعر الجيد يتغزل فيه بعلوة, فاستدعاه ابوتمام الى العراق, وما ان وصل الشاب البحتري بغداد حتى استقبله أبوتمام وأخذه على التو الى قصر آل حميدحيث عرفه بأبناء القائد حميد الطوسي والذي قتل قبل مجيء البحتري الى بغداد بشهور، واستمر الحب والود بينهما حتى توفي أبوتمام في عهد المعتصم بن الرشيد وقد رثاه البحتري بقصيدة من اواسط شعره.
ومن الصداقات الأدبية تلك الصداقة التي جمعت بين الشاعرين الألمانيين جوته وشلر رغم اختلاف مشاربهما وتفاوت ملكاتهما وتباعد شخصياتهما إلا ان تلك الصداقة استمرت حتى وفاة الأصغر سنا شلر واستمر جوته يذكر شلر بأحسن ما يذكر صديق صديقه, وقد كانت تلك الصداقة بينهما موضوع رسالة أدبية هامة كتبت في القرن العشرين سطرها كاتب التراجم الشهير أميل لودفيج.
وهناك نوع أهم من الصداقة الفردية وأقصد به قيام جمعية أدبية متناسقة متحابة متوادة يجمعها توافق الأفكار أو معظمها, وأعظم مثال لهذا النوع قيام الرابطة القلمية ولو تأملنا كلمة الرابطة القلمية لوجدنا مقدار التكاتف ووجدنا أيضا أساس ذلك الترابط وهو القلم.
والرابطة القلمية رابطة نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية بين مجموعة من شباب الشام الذين رفعوا راية التجديد في المهجر الأمريكي، وقد ولدت فكرة الرابطة القلمية كما ذكر الاستاذ عيسى الناعوري في ليلة العشرين من نيسان عام 1920 في مجلس ضم باقة طيبة من الشبان اللبنانيين والسوريين كانت الغيرة على الأدب العربي تتلهب في نفوسهم ولم يمض أكثر من أسبوع حتى خرجت الرابطة من حيز التفكير الى حقيقة الوجود يرأسها جبران خليل جبران ويعاونه في إدارتها ميخائيل نعيمة ويعمل تحت لوائها أدباء منهم إيليا أبو ماضي ونسيب عريضة ورشيد ايوب, يقول الاستاذ عيسى الناعوري وهو باحث متخصص في الأدب المهجري: وكان لا بد لهذه الجماعة الصغيرة الخالصة من حديقة ينثرون في أديمها أغراسهم فكانت جريدة السائح التي يمتلكها أحدهم، تلك التربة الخصبة التي حملت للعالم العربي ثمار قرائحهم اليانعة فأدهشته بذلك المحصول الطيب وقبلها كانت مجلة الفنون التي يملكها نسيب عريضة , وقد ظلت الرابطة القلمية حية باعضائها نحو إحدى عشرة سنة من سنة 19201931 ثم تبعثرت حباتها وذهب الموت ببعض أعضاء تلك الدوحة مبتدئا بعميدها جبران خليل جبران وعاد ميخائيل نعيمة الى لبنان ومثله إيليا أبوماضي.
ونختم هذه الكلمة بأبيات شعرية من وحي الصداقة والمحبة التي جمعت بين الشاعر محمد مصطفى الماحي وصديقه كاتب قصص الأطفال الاستاذ كامل كيلاني, يقول الاستاذ كامل كيلاني رحمه الله.
أخي,, لم تزل تولي الجميل محببا وتشدو بألحان الوفاء فتطربا تفضلت بالمدح الذي أنت أهله وأسديت فضلا مبدئا ومعقبا وفي الحق والإنصاف إنك واهب صفاتك تسديها إليَّ تحببا |
|
|
|
|
|
