| مقـالات
حسب علمي ومنذ استقررت بالرياض قبل عشرين عاماً, بعد جولة عملية شملت مناطق عدة استمرت أكثر من عشر سنوات شملت (الدمام فالقصيم فالأحساء فحائل), عدت للرياض وبدأ الأولاد يزدادون ومتطلبات الحياة تصعب وتتنوع، وأصبح الأبناء (بنات وأولاد) يكبرون، وفي الدراسة يتعثرون مما يضطرني ونزولاً عند رغبة أمهم وبحكم تجربتها التربوية حيث قامت بالتدريس لتسديد ضريبة الوطن, وبعد العودة للرياض طلبت التقاعد المبكر عن العمل التدريس؛ لتتفرغ لتربية الأولاد والقيام بأعباء المنزل فعندما يقترب الامتحان تقترح أن نستعين بالمدرس الخصوصي للأبناء وبالمدرسة الخصوصية للبنات, ويبدأ الاستنزاف المادي وتشتيت أفكار الأولاد بين مدرسي الفصل الرسميين وبين تجار الشنطة المدرسين النصابين والمدعين بأنهم سيملؤون أفواه الأولاد وعقولهم بالمعلومات وسيدفعونهم للنجاح دفعاً.
وكنت أقبل على مضض وإذا ناقشت هذا وذاك اعتقد أنني أقصد المبالغ التي تذهب هنا وهناك، وأنني قد أقصد التوفير المادي فقد أوصم بالبخل والعياذ بالله وأتغاضى، ويبدأ المدرسون في مواعيد محددة وتبدأ أم الأولاد في تجهيز الشاي والقهوة وما يتبعهما.
تكرر إخفاق الأبناء ورسوبهم في الدور الأول مؤكد وفي الدور الثاني أحيانا, كنت اقول لأمهم إننا بهذا الشكل نساهم في تأخيرهم لأنهم يعتمدون على المدرس الخصوصي الذي سيأتيهم بالمنزل وكأنه هو الذي سيؤدي الامتحان بدلا منهم, المدرس هذا المستفيد يختلف عن مدرس الفصل الرسمي, هو جاء للمنزل من أجل أن يقبض ما يتفق عليه ويعطي الطالب ما تيسر بلا جهد لأنه مستنزف وللتو خارج من أحد البيوت ويخرج من هنا ليدخل على آخر فليس يهمه أن ينجح أو لا ينجح، بل يساهم في تشتيت جهد الطالب وتركيزه, قد يكون مدرس الفصل لديه خطة ومنهج يختلفان عن هذا الطارىء فلا يعطيه المتلقي الطالب أذناً أو انتباهاً لأنه ينتظر مساء هذا الآخر وبالتالي كما يقول المثل (بين حانا ومانا ضيعنا لحانا).
كنت - والحق يقال - أعاني وكنت أشك أن تعتبرني أم الأولاد بخيلاً أو لا أهتم بأولادي ومستقبلهم فترد علي بعد جدال: إن الجيران يعملون هكذا ولسنا أقل منهم؟!! يا سبحان الله آخر تجربة كانت في العام الماضي فقالت أم الأولاد إنهم يريدون تقوية في الرياضيات واللغة العربية وإن أبناء الجيران لديهم واحد لقطة لا يأخذ كثيراً فكل درس بمائة ريال, قلت وأمري لله الموت مع الجماعة رحمة فاتفقت أم الأولاد مع جارتها أن يضيف اسمنا إلى قائمته ليمر علينا عند خروجه من عندهم, وهكذا قال إنه سيدرسهم اللغة العربية وسيُحضر من يدرسهم الرياضيات, قلنا إن الامتحان قريب وأنه يكفيهم ثلاثة دروس تقوية أو اعتبرها تذكيرا بما سبق أن درسوه في المدرسة وهكذا بعد أن أنهى الدروس الثلاثة جاء على العادة ليقبض فأرسلت له المبلغ فقال إنه يريده مضاعفا، لأنه كان يدرس اثنين, وطلب المضاعفة ورفضت وقفلنا الباب وأخذ يعلق الجرس ويضرب الباب بالحجارة ولم ينقذنا إلا رفيقه الذي أحضره فأخذ المبلغ المعروض عليه وذهب.
هذا العام رفضت وأقسمت ألا يدخل بيتي أحد منهم ومع ذلك نجح الأولاد، ولله الحمد، دون الاستعانة بالمدرس الخصوصي أو كما أطلق عليهم وزير التعليم بمصر (إيدز التعليم), ففي أحد الأيام وقعت بيدي جريدة الأيام العربية 7/12/1419ه عثرت على مقال بقلم د, سليمان العطار بعنوان (حوار مع مدرس خصوصي)، يذكر فيه أن الدروس الخصوصية بدأت أولا كوجاهة اجتماعية ثم تحولت إلى عادة عند ولي أمر التلميذ وتطورت لتجعل من الدروس الخصوصية إدماناً ومن المدرس كتاجر مخدرات، ويستمر المقال بعد ذلك ليعدد آثار جنائية الدروس الخصوصية من أنها جريمة قتل معنوية؛ فالتلميذ يموت فيه الاعتماد على النفس، والثقة في النفس ثقة في غيره، كما يموت فيه الإبداع ثم الرغبة في المعرفة,, من هنا فنحن نقتل في التلميذ الإنسان والاعتماد على النفس والثقة فيها والإبداع, بجانب دفعه إلى السرقة أحياناً والغش دائماً, إنه نموذج مهيأ للفساد بكل أنواعه,, فهل يوافق الآباء على قتل أبنائهم؟,,, إنها جريمة أخلاقية لا يمكن تجريمها بقانون، فلها أطراف ثلاثة الأب والتلميذ والمدرس كل منهم جانٍ وضحية.
الغريب أن ظاهرة المدرسين الخصوصيين في تكاثر وفي ازدياد في السنوات الأخيرة, وقد لا تفاجأ بكثرة الإعلانات الملصقة بقرب أبواب المدارس أو المكتبات أو المطاعم والأسواق العامة, لقد كنت أمشي مع الأستاذ/ فهد العريفي بالقرب من أسواق السدحان بالربوة ولاحظ كثرة تلك الملصقات فكتب في حدود المحبة بمجلة اليمامة 8/1/1420ه بعنوان (الدروس الخسيسة) أشاد فيها بالدور الذي يلعبه وزير التعليم المصري الدكتور/ حسين كامل بهاء الدين وحملته الشرسة على (إيدز التعليم) كما وصفها بصراحة بجريدة عكاظ 19/12/1419ه، وقال في سياق تلك الكلمة إن بعض المدرسين الخصوصيين يقوم بخداع بعض السذج من أبناء الوطن، فيدمر مستقبلهم ويعلمهم الغش ويهديهم إلى سبل الخداع, ويعلمهم الاعتماد على أموال أهلهم للنجاح بواسطتها، لا بواسطة التفكير السليم والعقل المستنير, مما يدفعهم إلى التشكيك بقدراتهم الفكرية والذهنية والعقلية! ويسوقهم إلى مدارك السقوط والإحباط والتردي.
واختتم أستاذنا العريفي كلمته بصرخة موجهة إلى الدكتور/ محمد أحمد الرشيد وزير المعارف - وفقه الله وأعانه على تحمل المسؤوليات الثقيلة - للقضاء على هذه الظاهرة, وكذا مقال بجريدة الرياض في 28/12/1419ه للأستاذ فهد السلمان بعنوان (إيدز التعليم)، وكثرت، ولله الحمد، المقالات والتحقيقات وحتى الرسوم الكاريكاتورية المتهكمة بهذا المرض أو الطاعون قبل أن يستشري فينا.
|
|
|
|
|