| مقـالات
*تفضل الأخ مساعد الرشيدي بإهدائي نسخة من سيف العشق باكورة منشوراته الشعرية، فعكفت كعادتي على الديوان في محاولة لقراءته ثم استقرائه.
في مقدمته التي كتبها الدكتور سعد الصويان دراسة عن تيار التجديد في شعرنا العامي الذي حمل لواءه الامير عبدالله الفيصل ثم تبعه الأمير خالد الفيصل الذي يقول بأن الشعر ما هو إلا غناء ومالا يغنى فليس بشعر، ثم جاء الأمير بدر بن عبدالمحسن معلنا بجرأة الثورة على موروثات ما تعارف الناس عليه قبلاً في الشعر النبطي، ثم لحق بهؤلاء جيل من بين فرسانه مساعد الرشيدي استكملت التجربة الجديدة في الشعر الغنائي نصوصها على يديه، وهكذا نجد شاعرنا في الصف الأول من الطبقة الثانية المجددة التي لا تزال تخبىء الكثير من المفاجآت في اكمام الزمن القادم, ويؤكد الناقد على ان التجديد الذي يعنيه ليس هو التجديد (المسطح) من حيث الشكل، ولكنه ذلك الذي يدخل على الأدوات والوسائل والمادة الخام التي يشكل منها الشاعر فنه بكل جماليات القصيدة واغراضها الفنية والإنسانية بما يجعلها تجاوز المألوف بشكل عام، وان هذا التجديد في معناه الصحيح لا يتأتى بالموهبة الفطرية وحدها بل لا بد من ثقافة عامة وفنية، وينسب الناقد الى هؤلاء المجددين فضل رواج القصيدة السعودية خارج الحدود، وما أحدثته حركتهم من وحدة فكرية وثقافية بين أرجاء الوطن من مجموع خصوصياته, وقبل ان يخلص من استعراض قضية التجديد والمجددين منتقلا بالحديث الى صاحب الديوان يدلي الناقد برأي هام في قضية الشعر العامي فيقول:
اللغة التي يستخدمها هؤلاء الشعراء لغة عامية لكن المضامين والمواضيع والصور والأخيلة التي يعبر عنها شعرهم ليست عامية، إنهم يلجأون الى العامية لا اضطرارا، فهم ليسوا أميين بل طوعا واختيارا لأنها أداة التوصيل التي تتناسب مع طبيعة الرسالة الشعرية التي يطرحونها والجمهور الذي يتوجهون إليه بهذه الرسالة .
واستطيع ان أدفع بهذا الرأي الىحوار سابق ساخن دار ولا يزال على الساحة حول الشعر الشعبي مضيفا ان جمهور هذا الشعر لا ينحصر في دائرة العامة كما يظن خطأ فكثير من المتعلمين والمثقفين يستهويهم هذا اللون الى جانب الفصيح بالطبع، ذلك ان النفس البشرية إنما يستهويها التقلب بين الفنون تقلبها بين أزهار وورود مختلفة الألوان الباهجة، متباينة الروائح العطرة، أما تلك الأزهار العديمة اللون والرائحة التي تصيب العين بالعشى والأنف بالزكام فلن يُؤبه لشأنها عامية كانت او حتى فصيحة!!
وحين انتقل الاستاذ الناقد الى سيف العشق وشاعره آثرت ان أدخل الى بوابة الديوان بمنظاري الخاص لا من خلال رؤيته، فتسحبت خفية من وراء الصحائف الست التي استهلكها في عرضه المشروع، وقفزت إلى باكورة الديوان فوجدت نفسي أنشد مع الشاعر:
وطن,, يسعد صباح ياوطنّا,, وطن,, يسعد مساك
وربّع العز واعشوشب بجرد السهول ويله اللي يبي ذرة من سهولها |
ومن وطن العمومية الى الوطن الخاص, يأخذنا الشاعر في حديث الوفاء للوالد.
أنا شبابك لا غزا راسك الشيب وأنا عضيدك لو تجور الليالي |
وكما أن البيت يلخص حميمية العلاقة بين الابن (البار) وأبيه,, نجد الابن الشاعر يكرر نداءنا العفوي جميعا صغارا وكبارا لآبائنا يايبه ,, واجتماع الزمانين: زمن الطفولة الناعم الحالم وزمن النضج ومقارعة خطوب الحياة,, هذا الاجتماع المستحيل يأتي في سياق تجاوز المألوف الذي هو معلم التجديد وهوية حركته، ومنه تلوين الهوى وحبس الظل ولثم الصوت وهزيمة المستحيل عند خالد الفيصل.
وانظر الى تلك المسافة التي اخترعها (مساعد) بين المادة الملموسة والمعنى المحسوس.
تقربين لماه!! قالت بيننا فرق ومسافة قلت كم يبعد سواد الرمش عن سود المنايا! |
وليأتوا بأمهر علماء القياس,, زويل مخترع الفيمتو ثانية لعله يخترع لنا قياسا نرصد به البعد بين الرمش والموت عند الشاعر,, تلك اللحظة التي فيها تسلمه الرموش الى عالم الفناء!!
والسؤال من شاعر فدائي لأنه عاشق,, يرى المسافة بين ولعه ومصرعه باهتة لكنه يقدم غير آبه بالمخاطر,, وكيف يأبه من غيب العشق عقله!!
ومرة أخرى يعيدنا الشاعر الى إشكالية التضاد بين المعرفة، وبين الجهل او توهمه من فرط الإعزاز، وبين الشكك المشحون بالغربة والغرابة.
إيه أعرفك واعرف اني من غلاك أجهلك مرات أضمك وأخاف إني مشبه عليك |
ولا يخرج أحدهم علينا بتسطيح المعنى مدعيا كثرة أشباه الحبيب فذلك بعيد بحكم تجربة الشاعر الظاهرة في تيار شعره الناضج، بل لعله يعبر عن فقدانه الوعي عند لقاء الحبيب كمثل قيس الذي لم يعرف كم ركعة صلى العشاء لشدة شغفه وتعلقه بالمحبوب الغائب الحاضر, وإذا قال احدهم إن تعبير العامري أبلغ بحكم انه مشغول بالحبيب حتى وهو بين يدي ربه فإن ذلك مردود عليه بأن الرشيدي يكتب قوة من حميمية اللقاء والضم والعناق وكل قنوات الماء الرقراق بعد طول غربة وعذاب وفراق وهو لا يكاد يصدق نواله الحظوة، وخيال الشاعر بقدر ما هو واسع المدى فهو يترك المساحات والمسافات لخيال الآخر، والنص يحتمل كل اختلاف حوله بما يشبع المعنى ويثريه.
ولأن المقام لا يتسع لطول المقال فإني بما اسلفت الآن اكتفي على أمل معاودة المذاكرة في الديوان من جديد واختم منشدا مع صاحبي:
ما قلت لك,, عمر سيف العشق ما يقتلك ما تشوفني حي قدامك وأنا اموت فيك! |
ولا أملك في النهاية إلا أن اقول:
إن ديوان مساعد الرشيدي سيف العشق وإن كان باكورة ولكنه ولد عملاقا.
* وكيل إمارة منطقة عسير المساعد
|
|
|
|
|