| مقـالات
السعودة تعني توطين الوظائف، وذلك بإحلال أبناء الوطن على مختلف مستوياتهم وتخصصاتهم محل العمالة الوافدة والتي تمثل نسبة كبيرة تزيد على خمسة ملايين عامل وذلك وفق الاحصائيات الأخيرة والتي تترسم الأعمال على اختلاف أنواعها وتباين درجاتها وخصوصا الفنية منها والمهنية.
والدولة أيدها الله ممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رئيس مجلس القوى العاملة حفظه الله الذي اطلقها مدوية في سماء المملكة العربية السعودية فلامست شغاف عقل كل شاب واختلجت في صدورهم ووصلت الى سويداء قلوبهم مورثة لديهم السعادة والفرحة والمبادرة الى البحث عن العمل مع الصبر والمصابرة منمية لديهم الشعور بالوطن والمواطنة مفرزة الحب والمحبة له مع الدعاء الخالص لولاة الأمر, (السعودة خيار ضروري) بذلت جهودا جبارة مادية ومعنوية وعبر خطط محكمة، وبرامج دقيقة ودراسات عميقة جاءت نتيجة نظرات صائبة وآراء حكيمة، وعمل دؤوب مخلص، ممتزج بالمحبة الصادقة لكل فرد من أفراد هذا المجتمع، وحسن الولاء لهذه البلاد، والرعاية الفائقة لمصالحها كبيرة كانت او صغيرة، مع التذرع بالصبر المحمود، والتسلح بثبات الخطا ورسوخ الأقدام، والاستعانة بالكوادر المدربة والمؤهلة لمواجهة هذا العمل الجليل، والوصول به الى الأهداف المنشودة، والغايات السامية، والتي تصب في النهاية في صالح الدين والوطن والمواطن, ولقد عمل سموه دون كلل، وواصل العمل دون ملل، ووصل النهار بالليل، فرأس الاجتماعات، ورعى المناسبات العامة والخاصة وجاب البلاد شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا من أجل تحقيق الأمل، فالتقى بأبنائه الذين ضربوا أروع الأمثلة في المواطنة الحقة، سواء من العاملين أو من رجال الأعمال الذين ادركوا الحقيقة فسعوا بكل إخلاص ونصح من أجل نفع أنفسهم أولا ثم مجتمعهم وخدمة عقيدتهم، والحفاظ على أمن بلدهم وأمانه، ومكتسباته ومقدراته، وها نحن اليوم وبكل فخر واعتزاز نرى النتائج الطيبة والثمار المباركة لهذه الجهود الجبارة التي لا تعرف السأم، ولا تستسلم لعوادي الزمن، ولا تلتفت الى تثبيط مثبط، او قدح قادح او تعير اهتماما لمخذل او مرجف كائنا من كان، فتطالعنا الأخبار ونرى بالعيان ما يثلج الصدر، ويبعث على الأمل والفأل، ويجعلنا نتطلع الى مستقبل مشرق واعد وجيل متميز صاعد.
وسأضرب مثالا واحدا يدل على المقصود، ويضع النقاط على الحروف، ويبين واقع السعودة، والشوط الكبير الذي قطعته، والأثر الذي خلفته، كنت يوما من الأيام جالسا أمام شاشة الرائي أتابع البرنامج الناجح (أمن وأمان) وإذا بمقدمه يلتقي بمواطنين ويتحدث معهم عن السعودة وإذا هم في أحد الميادين الشاهدة على ما وصل اليه هذا العمل الوطني النبيل ألا وهو سوق الشمال لبيع الفواكه والخضروات وغريها، يقابل هؤلاء الشباب الذين واجهوا الحياة بكل عزم وحزم وشجاعة، بعيدا عن التهاون والكسل والخمول، والتسويف، والأحلام والآمال الخاوية يتحدثون بعزة ونشوة واثقين بأنفسهم، متطلعين الى الأفضل والأكمل، معترفين لأهل الفضل بفضلهم داعين لمن كان سببا في وصولهم الى ما وصلوا إليه مبينين وبكل فرح وسرور وغبطة ما وصلوا إليه وما حققوه في ميدان العمل، وما يسر الله لهم من الرزق الحلال المبارك، والكسب الطيب الناتج عن عمل أيديهم، وتعب اجسامهم، وسعيهم الحثيث لدخول ميدان السباق والمنافسة مع من سبقوهم بمراحل عديدة.
وقد دفعني ما رأيت الى ان أذهب الى ذلك المكان الذي كان ميدانا للنقاش والحوار بين مقدم ذلك البرنامج وهؤلاء الفتية المتميزة ولم يفصل بين ما شاهدت وذهابي الى هذا السوق إلا صلاة العشاء، ذهبت وكلي شوق الى ان أرى تلك الوجوه المضيئة، أولئك الرجال العاملين, دخلت الى تلك الساحة وعاينت ما شهدات، وليس الخبر كالعيان، ولا راء كمن سمع، حيث كان كخلية النحل، كل يتسابق الى تقديم أفضل الخدمات للرواد والزبائن، مع ما يصاحب ذلك من الخلق العالي والأدب الجم، والحديث الطيب، والصدق في المعاملة، والواقعية في الأسعار، والعرض والطلب المتوازن اضافة الى ما ظهر من تعاون منقطع النظير بين كل أصحاب تلك المبيعات، وكأنها ملك لشخص واحد، فهذا يعين جاره والآخر يدل على ما لدى صاحبه، والثالث يحافظ على ما يخص رفيقه وهكذا.
وهذا يدفعنا الى ان ندعو كل شاب من شباب هذا الوطن المعطاء الى ان يشمروا عن ساعد الجد، ويستثمروا جهدهم ويستغلوا وقت فراغهم، فيبحثوا عن فرص العمل المتوفرة في كل مكان ويلتحقوا بها دون تردد او خوف او وجل، او تنقص لهذا العمل او ذاك فأنبياء الله منهم من كان نجارا ومنهم من كان حداداً، وخاتمهم وسيدهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان راعيا كما صح عنه ذلك، ولم يؤثر ذلك على مكانتهم، واستجابة الناس لدعوتهم وتصديقهم وتعظيمهم.
ثم إن الله خلق البشر وجعل بينهم التفاوت في العقول والقدرات والإمكانات والتصورات والأفهام والأجسام، والأرزاق، فهذا قوي وذاك ضعيف، وهذا غني والآخر فقير، وهذا ذكي والثاني خلافه,ومن هنا سخر بعضهم لبعض، وجعل كل فئة تخدم الأخرى، فالحاكم له مهمة لا يمكن أن يقوم بها غيره والعالم عليه واجب لا يستطيعه أحد غيره، والتاجر يختص بتجارته، وكذلك النجار والصانع وجميع أصحاب الأعمال, والمهنة معنوية كانت أو مادية، مع العلم أنه لا يمكن أن يستغني أحد عن الآخر الأمر الذي معه يحصل التكامل الاجتماعي، وعمارة الكون, قال تعالى ولقد فضلنا بعضهم على بعض في الرزق وقال: وجعلنا بعضهم لبعض سخريا ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم كل ميسر لما خلق له .
وعلى سبيل المثال شخص يرزقه الله دربة وحبا للعمل اليدوي فيكون ماهرا بإصلاح الأجهزة والعناية بها، ويمتلك الصبر والدقة وحسن التصرف ولا يستعصي عليه في ذلك كبير ولا صغير، بل قد يعرف العطل والخلل من خلال نظرة، او سماع صوت، بصورة تعجب الناظر، وتبهر المتأملين، فهذا يثني عليه ويمدح في تخصصه، ويقصد من كل المحتاجين إليه، لكنه لو طلب منه إلقاء كلمة او كتابة مقالة، او العمل في متجر، او القيام على مزرعة، فإنه لا يستطيع ان يتقدم في ذلك او يقوم به لا من قريب ولا من بعيد، وهذا لا يعد عيبا فيه، ولا تنقصا منه بسببه، فهل الأولى في حق هذا ان ينخرط في مؤسسات تعليمية، او ان يلتحق في المؤسسات المهنية الفنية؟ وعلى هذا فإنه يجب على الشاب ان يعرف ميوله وقدراته قبل ان يقدم على هذه الكلية او القسم أو المعهد العلمي أو العملي، حتى يسير في حياته وفق خطة وضابط سليمين يصل من خلالهما الى نتيجة طيبة ويحقق أهدافه التي يسعى اليها دون تأخر او ضرر او إضرار بنفسه ومستقبله، ويكون عضوا نافعا في مجتمعه، ولنا أسوة في سلفنا من الأجداد والآباء الذين خاضوا غمار الحياة بكل جد وواقعية بعيدا عن المثاليات فحققوا من المجد، وسطروا من التاريخ ما صار مضرب المثل، ومحط الإعجاب والافتخار, نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وان يرزقنا الإخلاص والاحتساب في القول والعمل، وأن يجعلنا من العاملين على خدمة الدين والوطن القائمين بحق ولاة الأمر, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
*وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|