| مقـالات
شأمَهُم، يشأَمُهم، شَأماً: جر عليهم الشُّؤم، الذي يعني: النحس والشر, قال في اللسان: هو خلاف اليمن، ورجل مشؤوم على قومه (أي سبب شرٍ لهم) والجمع مشائيم، كميمون وميامين، وكان حقهما أن يجمعا جمع مذكر سالماً، فيقال مثلاً: مشؤومون، وميمونون، فجمعهما على مفاعيل من الجموع النادرة, أنشد سيبويه للأحوص اليربوعي:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ولا ناعبٍ إلا بشؤمٍ غرابُها |
وقد تشاءموا به، أي تطيروا منه، والطّيَرة محرمة شرعاً، فالأشياء والأحداث لا تحمل سعداً، أو نحساً في ذاتها، ولا تزيد على كونها أسباباً لنفاذ إرادة الله، فهو الخالق للأسباب والمسببات.
وقد يطلق (الأشأم) ويراد به الشؤم، فهو من باب مجيء أفعل على المصدر، وذلك كقول زهير بن أبي سلمى:
فتُنتج لكم غلمانَ أشأمَ كلُّهم كأحمر عادٍ، ثم تُرضع فتَفطِم |
أي غلمان شؤم، وجمعه حينئذ (أشائم).
ومن الأمثال العربية (دَقَّ القوُم بينهم عطر مَنشِمِ) يقول زهير في المعلقة نفسها:
تداركتما عبساً وذبيان بعد ما تفانوا ودقُّوا بينهم عطر مَنشِم |
والأقاويل في (عطر منشم) كثيرة، كما أشار إلى ذلك الثعالبي في (ثمار القلوب ص 308)، ونقل عن ابن قتيبة أنه قال: أحسنُ ما سمعتُ فيه أن مَنشِم امرأة كانت تبيع العطر الحَنُوط (وهو كل ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة، ومثله: الحِنَاط)، فقيل للقوم إذا تحاربوا وتفانوا: دقوا بينهم عطر مَنشِم.
فعلى هذا الأساس يكون الشؤم ضمن هذا المثل على سبيل المجاز لا الحقيقة, ولكن زهيراً ذكره في معلقته مرتبا عليه حالة شؤم حلت بعبس وذبيان بسبب حرب (داحس والغبراء) التي تذكرنا بشؤم حرب أخرى هي حرب البَسُوس، التي وقعت بين بكر وتقلب، واستمرت أربعين سنة أو تزيد، سميت هذه الحرب باسم امرأة مشؤومة هي: البسوس بنت منقذ التميمية، زارت أختها أمَّ جساس بن مرة، صحبة جار لها من قبيلة (جَرم) اسمه سعد بن شمس، ومعه ناقة له، وجدها (كُليب وائل) ترعى في أحد المراعي التي حماها وخص بها نفسه بصفته رئيس القبيلة، فرماها بسهم أصاب منها موجعا، فأقبلت إلى صاحبها وهي ترغو، وضرعها يشخب لبنا ودماً، وما أشد أن يصاب الأعرابي في ناقته, وما أعظم أن يحس أنه منتهك الجيرة,! فانطلق الجرميُّ إلى (البسوس) وأخبرها بالقصة، فصرخت في القبيلة: (واذلاّه,! واغربتاه,! وأنشأت تقول أبياتا سماها العرب: (أبيات الفناء)،وهي:
لعمريَ لو أصبحتُ في دار (منقذٍ) لما ضيمَ (سعدٌ) وهو جارٌ لأبياتي ولكنني أصبحتُ في دار غربةٍ متى يَعدُ فيها الذئب يَعدُ على شاتي فيا سعدُ، لا تغرُر بنفسك،وارتحل فإنك في قوم عن الجار أموات ودونك أذوادي، فخذها، وآتني براحلةٍ لا تغدِرن ببنيّاتي |
فسمعها ابن اختها (جساس)، فقال لها: أيتها الحرة، اهدئي، فوالله لأقتلن بلِقحة جاركِ (كليبا)، وبرّ بوعده، وخرج إلى (كليب)، وفي غفلة من أمره طعنه طعنةً أثبتته، وأصابت منه مقتلاً، فما لبث أن مات منها وفارق الحياة, فثارت الحرب بين بكر وتغلب، وسُفك بسبب ذلك دماءٌ كثيرة من القبيلتين، وكانت وقائع متتابعة تناقل أخبارها الرواة، وبالغ بعضهم في تهويلها إلى أن غدت بشكل يشبه الأساطير، وضرب العرب المثل بشؤم هذه البسوس، ومن أملح ما قيل فيها قول (المغلّسي) من قصيدة:
وكأن بين يمينهِ وتراثِه: حربُ البسوسِ وكأنه في زُهده وعفافه: (بِشرُ المريسي) |
ومن أشأم المشائيم (طويس المغني)، كان من الموالي الذين ازدحمت بهم المدينة المنورة في عصر بني أمية، وتسكعوا فيها على حلّ شَعرهم، فأغنوا الفن والغناء، وضاق بهم ذرعا العلماء والأتقياء، وكان اسمه أول الأمر طاووساً، ثم صغر تحقيراً لشأنه نظراً لسوء سلوكه، ويكنى بأبي عبدالنعيم، وهو أول من غنى في الإسلام بالمدينة، ونقر فيها بالدف المربّع.
وكان يحس بنحسة وشؤمة على غيره، ولهذا قال موجّهاً الخطاب لأهل المدينة: (يا أهل المدينة، مادمت بين ظهرانيكم فتوقعوا خروج الدجال والدابة، فإن مت فأنتم آمنون، اعلموا أن أمي كانت تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، وأنها ولدتني في الليلة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطمتني يوم مات أبوبكر، وبلغتُ الحلم في اليوم الذي قُتل فيه عمر بن الخطاب، وتزوجت في اليوم الذي قُتل فيه عثمان، ووُلد لي في اليوم الذي قُتل فيه عليٌّ), وذهب أمره مثلاً، فقيل: (أشأم من طويس), قال الثعالبي في (ثمار القلوب ص 145):
ومن أملح ماورد في التمثل بشؤمه قول أبي الفتح البُستي في أبي علي سيمجور:
ألم تر ما ارتآه أبو علي وكنتُ أراه ذا لبٍّ وكَيسٍ عصى السلطانَ فابتدرت إليه جيوشٌ يقلعون أبا قُبيس وصيّر (طُوسَ) معقِله، فأضحت عليه (طوسُ) أشأم من (طويسِ) |
قال: وكان أبو الحسن اللحام يلقب أبا جعفر محمد بن العباس بن الحسن بطويس، حتى شُهر به، وفيه يقول:
عاد إلى الحضرة نفسانِ (طويسُ)، والنذلُ (ابنُ مَطرانِ) اثنان ما إن لهما ثالثٌ إلا عصا موسى بن عمرانِ |
وإلى اللقاء مع مشؤومة من العصر نفسه بالمدينة المنورة، نعتقد أنها مظلومة، وما بيدها حيلة.
|
|
|
|
|