| مقـالات
استعرضنا فيما سبق العوامل التي تسبب التصحر وفقدان الأراضي لقدرتها الإنتاجية وأوضحنا أنه يمكن إيقاف حدوث التصحر من خلال جهود المحافظة على الحياة الفطرية والنظم البيئية المنتجة, ومن أجل أن يتحقق ذلك هناك إجراءات علاجية سريعة يجب تنفيذها، وقد ناقشناها، واجراءات وقائية تعمل على المدى الطويل، من هذه الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع التصحر نذكر ما يلي:
أ أن يكون استخدامنا للموارد الطبيعية المتجددة (الموارد الفطرية) بمعدلات تساوي أو تقل عن معدلات تجددها.
ب أن يكون استخدامنا للموارد الطبيعية غير المتجددة بالكفاءة المثلى التي تقوم على مبدأالإحلال المتبادل بين الموارد غير المتجددة وبين التقنيات الحديثة التي تمكن الإنسان من استخدام الموارد المتدفقة مثل الأشعة الشمسية جزئيا على الأقل محل الموارد غير المتجددة كالوقود,,.
ج أن يكون إنتاجنا للنفايات والفضلات بمعدل يساوي قدرة البيئة على التخلص منها أو يقل عنها.
وحتى يمكن التوصل إلى القرارات وعلى مساندة المواطنين اللازمة لدعم جهود المحافظة على الموارد الطبيعية المتجددة فإننا نحتاج إلى إثبات وجود القيمة الاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن أن يجنيها المجتمع من المحافظة على هذه الموارد معبر عنها بوحدات اقتصادية أي تقديرها بثمن معين, ويعني هذا إظهار قيمة الموارد الطبيعية المتجددة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة مُعبراً عنها بوحدات نقدية مما يربطها بشكل مباشر برخاء الإنسان، واستيفائه لمتطلبات معيشته العصرية, وذلك لتسهيل اتخاذ القرار الذي يحدد أولويات استخدام هذه الموارد الاحيائية، ومعدلات استخدامها في المجالات المختلفة حيث إن ذلك يعتمد بشكل مباشر على إيجاد إثبات قوي مقنع مبني على دراسات اقتصاديات الموارد الطبيعية، يوضح ما يمكن أن تساهم به الموارد الفطرية في دعم الاقتصاد الوطني ورفع مستوى معيشة الإنسان.
ومن المهم هنا أن نوضح أن مصطلح المحافظة الذي ندعو إلى تكريسه لا يعني بأي حال من الأحوال منع الاستخدام أو حظره كلية، ولكنه يعني في واقع الأمر وحقيقته، وضع أسس الاستخدام المستدام لهذه الموارد بما يؤدي إلى تحقيق مبدأ التنمية المستدامة المتفق على أنه يمثل الحل الأمثل لمشاكل استنزاف الموارد الطبيعية وتدهور البيئة.
وبمعنى آخر يمكن القول بأن المحافظة على الموارد الفطرية تعني إدارة الاستخدام البشري للنظم البيئية في المحيط الحيوي بحيث تحقق أقصى قدر من المنافع المستدامة للأجيال الحالية بدون أن يؤثر ذلك على قدرة الأجيال المستقبلية في استخدام هذه الموارد بنفس الكفاءة أو بكفاءة أعلى, ويظهر من ذلك أن المحافظة تشمل عمليات وإجراءات مثل: الحماية ومنع الاستخدام لفترة مبدئية محدودة بقدرة الموارد على استعادة عافيتها، إعادة التأهيل للمناطق المتدهورة، الصيانة والاستمرارية، الاستخدام المستدام، تحسين الإنتاجية وتحسين البيئة الطبيعية المنتجة لهذه الموارد.
وبهذا المفهوم يمكن اعتبار أن المحافظة هي شكل من أشكال التنمية الاقتصادية الاساسية، وحيث إن الموارد الطبيعية المتجددة (الموارد أو الحياة الفطرية) لها قيمة اقتصادية يمكن التعبير عنها بوحدات ثمن أو سعر نقدية فإن الاستثمار في المحافظة عليها يجب الحكم عليه بمعايير اقتصادية بحتة تعتمد على وسائل قياس دقيقة موثوق فيها لتقدير المردودات الاقتصادية والمنافع التي يمكن أن تعود على المملكة من المحافظة على الموارد الفطرية فيها, وبعبارة أخرى تقدير المنافع المحتمل الحصول عليها من الموارد الفطرية بسبب الحالة الممتازة التي تصل إليها النظم البيئية المنتجة لها نتيجة لجهود المحافظة.
ومن الإجراءات الوقائية أيضاً منع استنزاف الموارد الطبيعية عن طريق اتخاذ التدابير الاقتصادية اللازمة لتحقيق ذلك وتشمل ما يلي:
أ إعادة النظر في إتاحة الموارد الطبيعية للمستثمرين دون مقابل باعتبارها من الاملاك العامة للدولة المتاحة لجميع المستثمرين وذلك بأن يحسب لها قيمة اقتصادية (ثمنا أو سعرا) مناسبة طبقا لاقتصاديات السوق عند دراسة جدوى المشاريع الاقتصادية والتنموية، ويجب أن نتذكر دوما أن الخسارة الاقتصادية التي تعود على المجتمع من جراء استنزاف الموارد الطبيعية تكون غالبا مخفية غير محسوسة رغم أنها واسعة الانتشار، ولذلك فهي ليست مقدرة لدى البعض لأنها حسب تصورهم لا تبرر النفقات المرتفعة اللازمة للمحافظة على هذه الموارد خاصة عند مقارنتها بالعائد المادي الناتج عن استنزاف هذه الموارد، الذي يعود غالباً على شخص واحد أو أشخاص معدودين، بينما يتحمل تكلفة تدهور النظم البيئية وتدمير الموارد الطبيعية المجتمع كله.
ب ضرورة حساب مردود المحافظة على الموارد الطبيعية حيث إنه لا يحسب لكونه عادة غير محسوس، لأنه يتوزع على جميع المواطنين دون استثناء ولا يحصل عليه فرد واحد أو أفراد معدودون، ولذلك فإن مردود المحافظة لا يدخل عادة في التحليل الاقتصادي أو حساب التكلفة والربح على الرغم من أن مردود استثمار الموارد الفطرية التي تزدهر نتيجة المحافظة يمكن قياسها ماديا بسهولة، متى أعطي لها المقابل المادي، أو السعر الذي تساويه فعلا, وبناءً على ذلك فإن التحليل الاقتصادي أو حساب التكلفة مقابل الربح عادة يغفل قيمة المردود الاقتصادي الصافي للمحافظة مما يؤدي إلى زيادة قيمة مردود استنزاف الموارد الطبيعية ويضخمها.
ولنضرب مثلا لذلك عند المفاضلة بين إقامة منطقة محمية أو استغلال الأرض لنشاط اقتصادي معين كالزراعة مثلا أو المجمعات السكنية أو الترفيهية، فإن التكلفة المخفية التي تتحملها الدولة، وبالتالي يتحملها المواطن عند تحويل هذه النظم البيئية الطبيعية إلى مزارع وكذلك قيمة المردود الاجتماعي أهميتها القصوى، لا تدخل في التحليل الاقتصادي وبالتالي لا تظهر في حساب التكلفة والربح، وفي الحقيقة فإن منح الأرض لاستغلالها في الزراعة يأتي بمردود سريع، يعود على مستثمريها وحدهم دون الآخرين، بينما يهدم نظما بيئية منتجة داعمة للحياة يؤثر ويتأثر بها الجميع, وهذا هو أحد أهم الاسباب الرئيسية في فقدان المواطن الطبيعية لعدد كبير من أنواع الكائنات الفطرية، وضياع كثير من النظم البيئية المنتجة وانقراض عدد كبير من الأنواع.
إن استنزاف الموارد الطبيعية يأخذ في اعتباره المردود العاجل للاستثمار، دون النظر إلى المستقبل، على نقيض المحافظة التي تأخذ في حسبانها استمرارية الاستثمار واستدامته للأجيال الحالية والمستقبلية على السواء، بتطبيق مبدأ التنمية المستدامة وبالتالي يتوزع العائد منها على أزمان طويلة، هذا فضلاً عما تؤدي إليه من تجنب أخطار التصحر وغيرها من مشكلات البيئة.
ج تطبيق قاعدة كفاءة الاستخدام الاقصى على الموارد الطبيعية غير المتجددة وذلك بضمان تدويرها واعادة استخدامها وعدم السماح بتراكمها في شكل نواتج صناعية ثانوية، أو نفايات تلوث البيئة وتخل بتوازنها وتؤدي إلى تدهورها وتدمير نظمها البيئية.
د, المحافظة على كيان النظم البيئية الطبيعية وتكاملها لضمان قيامها بوظائفها الايكولوجية الداعمة للحياة، وتقويم هذه الوظائف والخدمات التي تؤديها بوحدات اقتصادية تجعل حسابها ممكنا عند إجراء التحليل الاقتصادي وحساب التكلفة والربح، ويكفي أن نشير هنا إلى ما توفره تنقية الهواء من الملوثات بواسطة النظم البيئية المتوازنة، المحافظ عليها من التصحر، من نفقات للرعاية الصحية وعلاج المصابين بأزمات صدرية نتيجة تلوث الجو الناتج عن استنزاف الموارد الطبيعية وتراكم الملوثات في الجو ناهيك عن القيمة الاقتصادية غير المحسوبة للموقع كمنتجع وموئل للجميع.
*الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
|
|
|
|
|