| عزيزتـي الجزيرة
في يوم الأحد 11 محرم 1420ه الموافق 16 أبريل 2000م قام مركز الابحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي بتنظيم محاضرة عن الأخلاقيات والسياسة التي تحكم البحوث السريرية التي تجرى على الانسان ألقاها الدكتور/ محمد الحمامي مدير مكتب شؤون الابحاث في مركز الابحاث وقد قام الدكتور بعرض الموضوع عرضا جيدا، واستشهد بمعايير واخلاقيات مطبقة في أمريكا وكندا، وغيرها من الدول المتقدمة.
ولكوني حديث العهد في العمل بمركز الابحاث انتابني شعور بالفخر والاعتزاز ان مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث هذا الصرح الطبي العظيم لا يقف عند تقديم أرقى الخدمات الطبية المتخصصة فحسب بل يفكر في وضع أسس وتشريعات جوهرية للرعاية الطبية والبحوث السريرية والعلمية وفق نظم وضوابط علمية.
وكواحد من الحاضرين في الندوة تساءلت في نفسي، ولماذا لا يكون لدينا أخلاقيات ومعايير للبحوث الطبية السريرية والعلمية خاصة بالمملكة العربية السعودية في ظل مسيرة التقدم والنهضة الشاملة التي تشهدها بلادنا ولله الحمد في شتى المجالات ومناحي الحياة, والى متى سنبقى نرتدي ثياب غيرنا,, ومتى سنفكر بتغييرها بما يناسبنا، خاصة ولدينا الارضية الصلبة والمناسبة طبيا وبحثيا وعلميا للشروع باعداد مثل هذا التنظيم، وديننا الإسلامي الحنيف هو دين الأخلاقيات والمباديء والقيم والمعايير الإنسانية النقية والنبيلة.
وفي يومي الثلاثاء والاربعاء 26 27/ صفر 1421ه الموافق 3031 مايو 2000م قام الطب الاتصالي بالتعاون مع مركز الابحاث في مسشتفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث بتنظيم ندوة بعنوان اخلاقيات البحوث السريرية والعلمية بطريقة علمية شاملة تم بثها عن طريق الطب الاتصالي الى مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة كما تم نقل 3 محاضرات عبر الأقمار الصناعية من الولايات المتحدة الامريكية وماليزيا, وقد تطرقت الندة الى جوانب وابعاد متعددة للموضوع وشارك فيها اساتذة واطباء وعلماء وباحثون من داخل المملكة وخارجها وقد زادني اعجابا وفخرا هذا الزخم العلمي والاهتمام الكبير الذي يقوم به مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث في دوره الريادي في المجتمع,, ولا يسعني هنا إلا ان اشيد بالجهود التي بذلت بحق في إدارة وتنظيم تلك الندوة وأوجه الشكر الىالدكتور سلطان السديري المدير التنفيذي لمركز الابحاث على اهتمامه بهذه القضية الهامة كما اوجه شكري الى الدكتور عبدالرحمن النعيم المدير التنفيذي المشارك لشؤون التعاون ومدير الطب الاتصالي، ورئيس لجنة اخلاقيات البحوث بالمستشفى ورئيس اللجنة المنظمة للندوة.
كما لا يفوتني شكر تلك النخبة العالية من المشاركين من الاطباء والعلمياء والباحثين وهم الشيخ محمد الشنقيطي، والدكتور محمد البار، والبروفيسور جمال الجارالله والدكتور محمد الحمامي،والدكتور فهد الخضيري والدكتور/ حسن البشري، والدكتور/ محمد سرحان، الذين أثروا الندوة بموضوعات قيّمة ومتعددة وفقهم الله واكثر من أمثالهم كما اشكر جميع الاخوة الآخرين الذين ساهموا في الندوة أو شاركوا في التنظيم والاعداد وتقديم الآراء على جهودهم.
لقد فهمت من الموضوعات والتساؤلات التي طرحت في الندوة انه لا توجد اخلاقيات ومعايير للبحوث موحدة على مستوى المملكة، وان المتوفر منها يغطي بعض الجوانب لكنها غير مكتملة، وقد قامت بوضعها لجان طبية في كليات الطب بالتعاون مع بعض الجهات الطبية، وبجانب تلك المعايير المتوفرة تطبق ايضا الاخلاقيات المطبقة في الدول المتقدمة.
ومع ان الأخلاقيات والمعايير الدولية تعتبر اساسا علميا جيدا للبحوث الطبية والعلمية إلا انها وكما اشرت لا يمكن الاعتماد عليها كلية نظرا لوجود بعض الاختلافات في النواحي الدينية والثقافية والبيئية وغيرها مما في مجتمعنا من العادات والمفاهيم والقيم الاسلامية والعربية، والتي من المهم جدا اخذها في الاعتبار في وضع مثل هذه الأخلاقيات والمعايير.
وهذا ما دعاني فعلا لطرح تساؤلي واقتراحي في الندوة حول هذا الأمر الهام,, فموضوع الأخلاقيات في المجال الطبي السريري والبحث العلمي غاية في الاهمية والاولوية ويعتبر بالفعل موضوعا حيويا وجوهريا, وفي اعتقادي لقد آن الأوان للبدء بوضع نظام شامل وضوابط محكمة لممارسة مهنة الطب والجراحة والبحث العلمي الذي له صلة بكل ما يتعلق بالانسان المواطن بغرض الارتقاء بمستوى أداء البحث الطبي والعلمي وتشجيعه،و حماية حقوق وحرمات وخصوصيات ومشاعر المرضى والمريضات، وكذلك حماية الطبيب والجراح والباحث اثناء ممارسة العمل.
لقد آن الأوان حقا للشروع بوضع أسس أخلاقيات ومعايير البحوث الطبية السريرية والعلمية كتشريع وطني خاص بالمملكة العربية السعودية يتم إعداده بعناية وبطريقة شاملة وتتفق مع تعاليم شريعتنا الإسلامية دستور البلاد وتتمشى مع ثقافتنا وقيمنا الإسلامية والعربية، حيث لدينا ولله الحمد القاعدة الطبية والبحثية والعلمية، ولدينا البنية التحتية القوية الدينية والاجتماعية والقانونية لتبني مثل هذه المبادرة الرائدة,ونظرا للأهمية القصوى لهذا الموضوع الحيوي كما اشرت كأساس للممارسة الطبية والبحوث السريرية العلمية فإنني على يقين ان المهمة لن تكون سهلة، وستتطلب الكثير من الوقت والجهد والصبر في البحث والدراسة المستفيضة والتحليل والنقاش والخوض في تفاصيل أبعاد وجوانب القضية.
ويشرفني بهذا الصدد ان اتقدم باقتراحي لاتخاذ الاجراءات والخطوات التالية:
* أولا: ان تقوم اللجنة المنظمة للندوة المشار اليها في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث، وبحكم خبرتها واطلاع وإلمام القائمين عليها بأبعاد الموضوع بتبني فكرة المشروع الوطني وهو اعداد نظام واخلاقيات البحوث السريرية والعلمية والدعوة لتنظيم الندوات والمحاضرات حول هذا الموضوع واتخاذ الترتيبيات المناسبة لذلك.
ثانيا: تشكيل لجنة طبية علمية فنية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث صاحب الفكرة بحيث تضم هذه اللجنة الفنية على سبيل المثال لا الحصر اعضاء مختصين من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووزارة الصحة، والجهات الطبية في الحرس الوطني والقوات المسلحة والأمن العام واللجان المختصة في كليات الطب في المملكة وغيرهم من المختصين في المؤسسات الطبية في القطاع الخاص من ذوي الكفاءة والاهتمام وغيرهم.
ومهمة هذه اللجنة الفنية الطبية والبحثية العلمية، وفق مقاييس علمية هادفة ومنظمة، وبالرجوع على الاخلاقيات والمعايير المطبقة في الدول المتقدمة.
* ثالثا: تقوم اللجنة المنظمة للندوة فقرة أولا بالتخطيط والتنظيم لعقد ندوات ومحاضرات وورش عمل بعنوان (مشروع اخلاقيات ومعايير البحوث السريرية والعلمية الوطني) في المملكة العربية السعودية والدعوة لمشاركة الاطباء والعلماء والباحثين من ذوي الكفاءات والخبرة والاطلاع في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث، ووزارة الصحة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والمؤسسات الطبية في الحرس الوطني ووزارة الدفاع والامن العام والجامعات وكليات الطب، ولجان التخصصصات الطبية المختلفة، والمؤسسات الطبية في القطاع الخاص, هذا بالاضافة الى الدعوة لمشاركة علماء الفقه والشريعة والحديث البارزين، والمختصين الرواد في المجالات القانونية والاجتماعية في شتى المؤسسات وغيرهم من رجال الفكر وقادة المجتمع ممن لديهم الكفاءة والخبرة والاطلاع والاهتمام بمثل هذه المسائل.
ويكون الحضور عاما لجميع فئات الجهات المشار اليها وغيرهم من رجال الاعلام والصحافة.
ان يتم في نهاية كل ندوة ومحاضرة وورشة عمل جمع كل ما يطرح من موضوعات وافكار بناءة وتلخيصها في كتيب أو اكثر حتى يمكن الرجوع اليه والاستعانة به في عمليات التخطيط والتنظيم المقترحة من قبل اللجان المعنية المقترحة.
وعلى ان يرافق تلك الندوات والمحاضرات حملة اعلامية مكثفة وهادفة في الصحف والمجلات وورش العمل وذلك بغرض تحقيق أهداف كثيرة أهمها على سبيل المثال لا الحصر: اثارة الوعي العام وتعريف قطاعات المجتمع بأهمية ومتطلبات الموضوع قيد البحث، واتاحة المجال لابداء الآراء وطرق الموضوع من مختلف ابعاده، واستقطاب المشاركين من العلماء المبتكرين ذوي الاطلاع الواسع والمتتبعين للأمور التي تهم الفرد المواطن والمجتمع من ذوي الاختصاصات المتعددة في العلوم الطبية والدينية والاجتماعية والقانونية وغيرها, وفي هذا الصدد ايضا يتم جمع الافكار والآراء والكتابات الصحفية المفيدة والبناءة.
* رابعا: تشكيل لجنة عليا تضم اعضاء اللجنة الفنية المشار اليها سابقا، إضافة الى من يقع عليهم الخيار من ذوي الكفاءة والخبرة وسعة الاطلاع والثقافة في التخصصات غير الطبية من علماء الفقه والشريعة والحديث والمختصين في القانون والاجتماع والعلوم الإنسانية وغيرهم من رجال الفكر وقادة المجتمع من الشخصيات الرائدة في العلم والمعرفة ودقة الملاحظة والاستقصاء والتفكير العلمي المنظم وذوي الآراء الناضجة.
على ان تقوم هذه اللجنة باستعراض ودراسة وتحليل ما جاء في مسودة المشروع الذي أعدته اللجنة الفنية، وما يتم جمعه وتلخيصه من موضوعات وافكار بناءة من الندوات والمحاضرات السابقة وما نشر في الصحافة والاعلام، وتنظيم عقد اجتماعات ولقاءات متعددة لهذا الغرض يتم فيها بحث مناقشة الموضوع من مختلف جوانبه الطبية والعلمية والدينية والقانونية والبيئية,, حيث يؤدي هذا الربط والتفاعل والتكامل والحوار بين هذه التخصصات الى تبادل وجهات النظر والخبرات والمعلومات الى استكمال الدراسة والتوصل الى الصيغة النهائية المتكاملة للمشروع.
* خامسا: اختيار افضل السبل والقنوات النظامية لرفع المشروع للسلطات العليا لاعتماده واقراره من قبل الجهات المختصة كغيره من مشروعات الخير والتشريعات التي تحرص الدولة حفظها الله على وضعها بما يعود بالمنفعة على المواطن وخدمته وحماية مصالحه, وبهذا تكون المملكة العربية السعودية بإذن الله رائدة وسباقة في وضع نظام متكامل وشامل لاخلاقيات ومعايير البحوث الطبية السريرية والعلمية تشجيعا للبحث العلمي وليكون احد المقومات الاساسية للفرد والمجتمع السعودي، ومن أجل مواصلة اللحاق بركب التقدم في الدول المتقدمة والله ولي التوفيق.
د, محمد أبوخميس
|
|
|
|
|