| محليــات
العين تدمع والقلب يفجع للمصاب الجلل والفقد العظيم بانتقال الشيخ الجليل/ محمد عبدالله السالم إلى دار البقاء راضياً ومرضيا عليه بإذن الله بعد عمر مديد أفناه في صالح الأعمال وحب الخير وحب العلم وأهله حتى وهو على فراش المرض يصارع الداء بإيمان المسلم القوي وبشجاعة الفارس المقدام الذي لا يشق له غبار,, رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
لقد وددت لو أتيحت لي الفرصة للكتابة عنه قبل رحيله معدداً لمناقبة ومآثره ومواقفه الإنسانية الرائعة والتحدث عن شخصيته الفريدة المحبة للخير ولكن كانت مشيئة الله قد سبقت فقد وافته المنية قبل أن أحقق أمنيتي بأن اكتب عنه رغم يقيني ومعرفتي بأن نفسه الأبية تأبى أن ينشر عنه وعن مآثره وأعماله,, فقد كان رحمه الله يحب أن يعمل في صمت وفي نكران للذات وعزوف وزهد في الشهرة,, فكان لزاماً عليّ أن أفي هذا الشيخ الجليل نذراً يسيراً من حقه علينا وأن أذكر محاسنه فذلك أقل ما يسدى اليه بعد الدعاء لله تعالى أن يتقبله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا,, نعم ان العين لتذرف الدمع ويملأ النفس الأسى ويعشش الحزن بين الضلوع حسرة على فراقك يا أبا ياسر,.
لقد امتدت معرفتي بالشيخ الجليل/ محمد السالم طيب الله ثراه وجعل الجنة داره ومثواه منذ أن التحقت بالعمل في هيئة الرقابة والتحقيق تحت إدارته وإشرافه, وكانت فترة عمل غنية بالتجربة تعلمنا نحن العاملون معه خلالها حب العمل وعشقه فقد كان العمل معه رحمه الله متعة لا تضاهيها متعة,,, كنا نعمل بقيادته كفريق عمل منسجم يقوده بخبرة وحنكة ودراية كأحسن ما يكون القائد والربان الماهر, وقد كسب رحمه الله حب العاملين معه واخلاصهم للعمل والتفاني في ادائه والإخلاص له للاسلوب الإداري الناجح الذي كان ينتهجه ولرعايته الأبوية وتواضعه الجم وحسن تعامله ونقاء سريرته وسعة صدره وحبه للخير, وكانت علاقتنا به تمتد خارج نطاق العمل إلى داره التي كنا نرتادها ونتزود منه فيها بالحب والكرم والعلم,,, فقد كان رحمه الله يحمل موظفيه على سيارته إلى منزله عندما كان يسكن حينذاك بشقة في عمارة الرصيص بشارع الوزير يلتقي فيها بمحبيه فكانت داره منتدى وصالون ثقافة وعلم وملاذا نجد فيها رحابة الصدر وكرم الضيافة ومجلس العلم والثقافة,, واستمرت تلك اللقاءات بعد انتقاله إلى منزله الحالي بعد ذلك ولم تنقطع حتى بعد تقاعده وتفرغه للقراءة والبحث فكانت داره دائما محط التقاء محبيه للتزود بعلمه وادبه وفكره,, كنت كل ما أزوره بداره أجده ممسكا بكتاب يقرأه ويتصفحه: وكان رحمه الله يقرأ عليّ مما يجد في ذلك الكتاب وكثيرا ما كان يهديني ذلك الكتاب أو ينصحني بشرائه وقراءته، فقد كان حبه للقراءة وولعه بها لا مثيل له: وكنا في بعض الأحيان نشترك في قراءة الكتاب فكان دوره دور المعلم شرحا وتبيانا وتحليلا,,, ولم تفارقه تلك العادة حتى وهو طريح الفراش في المستشفى العسكري بالرياض حيث كان الكتاب دائما رفيقه وجليسه وأنيسه كأعز ما يكون الرفيق والصديق: وخير جليس في الأنام كتاب وقد كنت أقرأ عليه في زيارتي الأخيرة له بالمستشفي من كتاب (الاعتصام) للعلامة المحقق الاصولي الامام أبي إسحاق إبراهيم الموسى بن محمد اللخمي الشاطبي الواط،وعند زيارتي الأخيرة له بالمستشفي وجدت ابنه الصالح البار (خالد) يقرأ عليه من كتاب (تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير) للعلامة الشيخ محمد نسيب الرفاعي وقد كان آخر كتاب قرأه رحمه الله وراجعه ونوه عما وجد بتلك الطبعة من أخطاء مطبعية وسقطات وهفوات ذلك لأنه كان يقرأ بعمق وتركيز, فسألته مداعبا أين وصلتم في القراءة لأنني تأخرت عن الموعد الذي أزوره فيه في المستشفى فكانت إجابته رحمه الله بأن خالدا قرأ له وهو قارىء جيد, ولم يفارقه حبه للقراءة والعلم حتى وهو طريح الفراش بالمستشفى يصارع المرض ويعاني من الآلام, ولقد عرفته محبا للخير والبر فكان جوادا معطاء سخيا محبا للإنفاق على الضعفاء والمساكين ويسهم في الأعمال الخيرية بسخاء, وقد تكفل رحمه الله بطباعة عدد من الكتب والنشرات الإسلامية على نفقته الخاصة، كما أسهم خلال الغزو الشيوعي السوفيتي على أفغانستان وحربهم الشرسة ضد مسلميها بأكثر ما أدخره من مال خلال سني عمله الوظيفي دعما للمسلمين ومناصرة لهم على أعداء الله.
وعندما اشتد به المرض ونقل للمستشفى العسكري بالرياض آثر البقاء ليكون تحت أشراف الطبيب السعودي الدكتور/ عبدالله خضر رغم كثرة الإلحاح عليه لتلقي العلاج بأمريكا مع توفر الإمكانيات لذلك فقد كان حبه لذلك الطبيب وثقته به أقوى من تمسكه بالسفر إلى الخارج وحتى عند الإلحاح عليه بالسفر فكانت اجابته بأنه لن يسافر الا إن كانت تلك هي نصيحة طبيبه له بذلك, وعندما كنت في آخر زيارة له مساء يوم السبت تملكني إحساس قوي بأنني سوف لن أراه بعد تلك الزيارة وودعته وسافرت في مهمة عمل إلى جدة وفي مساء يوم الأحد اتصلت هاتفيا بغرفته فلم يجب ابنه خالد وعلمت بأنه قد نقل إلى غرفة العناية المركزة ثم اتصلت مرة أخرى فعلمت بأن روحه الطاهرة قد فارقت الحياة, حقا (إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع ولا نقول ما يسخط الرب) (إنا بفراقك يا أبا ياسر لمحزونون),,, إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون, اللهم اكتبه عندك من المحسنين واجعل كتابه في العليين واخلفه في أهله في الغابرين ولا تحرمنا أجره ولاتفتنا بعده اللهم اغفر له وارحمه,,.
|
|
|
|
|