| محليــات
في ديوان المظالم بجدة كانت بداية حياته الوظيفية، وهي وظيفة قضائية يجري على صاحبها ما يجري على القاضي، فسار فيها مشمراً كأنما يمشي على شوك، يقرأ حديث القضاة ثلاثة ويسأل الله السلامة، ولما أنشئت هيئة الرقابة والتحقيق بالرياض، كان الرجل الثاني فيها بعد الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع، ووجدها لا تبتعد كثيراً عن وظيفته الأولى، ولم يدم فيها طويلاً، وترك العمل الحكومي لعدة سنوات واستقر في مكة المكرمة قرب البيت الحرام، ثم طُلِبَ للعمل في رابطة العالم الإسلامي، فأجاب،واطلع من خلالها على كثير من معاناة المسلمين في العالم، وبذل فيها جهوداً طيبة، ثم ترك العمل مرة أخرى، وجاء السؤال عنه لحمل رسالة رسمية خارج الوطن، فلم يمنع كونه بعيداً عن الوظيفة ان يقوم بالمهمة إنها الثقة وهو أهل لها فحمل الرسالة وأدى المهمة على وجهها، وتمر الأيام والأعوام لا يبحث عن وظيفة ولا يطلبها، ولا يبخل برأي ومشورة، ويتشكل مجلس الشورى، ويتم اختياره في أوائل أعضاء المجلس، ويكمل دورة كاملة، ثم يترك العمل، فلم تعد صحته تسعفه على العطاء، فكان ذلك آخر عمل حكومي قام به، إنه الشيخ محمد بن عبدالله السالم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
كان زاهداً ورعاً يحب الناس ويحبونه، ولم يبتل بنفاق الحياة، ولم يفتن بزهرة الدنيا، ولم يذل لشهوة الترف، ولا وجاهة المظهر، ولا فراهة المركب، ولا رفاهة العيش، ولم يكن ذلك من قلّة فلم يكن بخيلاً بل كان سخياً كريماً، ينفق بيمينه ما لا تعلم شماله.
تشرّب الثقافة الاسلامية علماً وخلقاً وسلوكاً، يصدر في أقواله وأفعاله عن عقيدة صافية، حتى في تسميته أبناءه، لم يكن يخرج عن هذه الروح، أحب الإسلام وأحب أهله ورموزه، رأى الثبات على المبادئ في الرعيل الأول، فرأى صبر آل ياسر على الأذى والعذاب في سبيل دينهم، ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم - لهم بالجنة، فلما رزق ابنه الأول سماه ياسراً ويرزقه الله الابن الثاني وهو يقرأ سيرة حمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء فيسميه حمزة .
وفي فورة المد القومي يُقتل سيد قطب فيعجبه فيه الثبات على المبدأ وان ذهبت عليه الدنيا واريقت في سبيله النفس، وتأخذه الحمية الدينية ويفزع إلى تفسيره في ظلال القرآن يستل منه مختارات ينتقيها بعناية، ويطبعها على نفقته، ويوزعها مجاناً.
وفي الفترة نفسها كان الملك فيصل رحمه الله يحمل راية التضامن الإسلامي، ويقف من اليهود والقضية الفلسطينية موقفاً صلباً جعل الغرب يعيد حساباته، ثم يستشهد الفيصل في مكتبه، ويعم الحزن البلاد.
ويتولى الملك خالد يرحمه الله الأمر من بعده، وكان الحدث جللاً، والأثر في النفس بالغاً, وفي هذه الظروف يرزقه الله توأمين، فأراد أن يعبر عن الفقد والتعويض فسماهما فيصلاً وخالداً .
واليوم يا أبا ياسر وبعد أن فارقت الحياة ها هم أولاء أبناؤك ياسر وحمزة وفيصل وخالد وبعد أن ربيتهم وأحسنت تربيتهم، ورأيتهم رجالاً يملؤون السمع والبصر، يصلون ما انقطع من عملك بالدعاء الصالح لك.
رحمك الله يا أبا ياسر، ورحم والدي، فقد كان أخلص الناس لك، وكنت أخلص الناس له، اجتمعتما على خير، وفارقتما الحياة عليه، وكنتما خليلين في الدنيا، جعل الله الجنة مثواكما، وجمعكما فيها خير جمع.
|
|
|
|
|