| الثقافية
ليس ثمة شك أن رقي الأمم وتقدمها إنما يقاس بمقدار ما توليه كل أمة من اهتمام بمنجزاتها وثرواتها وحفاظها عليها ومن ثم تطويرها واستمراريتها.
ولا شك أيضا أن جوقة المثقفين والمبدعين هم من أبرز وأخصب مقدرات الأمم، وأن هذه النخبة تقف أعلى الهرم التراكمي لثروات الأمة ومكتسباتها, والمتتبع لمسيرة الأمم ذات الحضارة العريقة الماثلة منها والبائدة يجد أن أهم ما ميز تلك الأمم ووضعها على سدة التسابق الكثيف في ميادين الحضارة والرقي هو احتفاء تلك الشعوب بقاماتها ومبرزيها في جوانب الإبداع المختلفة، حيث كان المبدعون يمثلون الطبقة الراقية في المجتمع والفئة المؤثرة في الرأي العام والكلمة الشعبية والتاريخ مليء بالشواهد والآثار.
وبنظرة سريعة نطل من خلالها على مشهدنا الثقافي العربي بعامة والمحلى بصورة خاصة نجد أنه وفي أحسن حالاته لا يعكس حالة صحية لواقعنا الفكري والمعرفي، فالأدباء يعيشون على الهامش ودور المفكرين والمثقفين مغيب إلا ما رحم ربك وقليل ما هم!!
إن احتفاءنا بمثقفينا وأدبائنا قد ضل طريقه في دهاليز مموهة عديدة ليس هذا هو موطن تقصيها، ولعل أبرزها على الساحة ما يواجهنا عبر اقنية الإعلام المتنوعة من صور الركض والتهالك نحو القطب الغربي الخاوي من كل مقومات الخلود والبقاء، ولهاثنا المحموم شرقا وغربا خلف سراب التجديد وأذيال الحداثة المبطنة وهذا لعمري من أهم أسباب قصورنا الأدبي وتقصيرنا الانتمائي، حتى أضحت الأجيال من شداة الأدب والثقافة لدينا تعرف عن (فرانز كافكا) و(خورخي بورخيس) وأمثالهما من رموز الفكر الغربي أكثر مما تعرفه عن (عبدالله عبدالجبار وحمزة شحاتة ومحمد علي السنوسي)!! وما ذلك إلا بسبب تهميش رموزنا الثقافية الوطنية على الساحة الإعلامية وتكريس صعاليك الشارع الغربي المظلم,, اعتقاداً من تلك الأجيال أن البعث والتجديد إنما يكون بشد الرحال نحو الفكر الآخر وتلقف إفرازاته ورجيعه، ولست أريد هنا أن ابخس أو اقلل من قيمة التواصل الحضاري والتلاقح الثقافي وثمراته الناتجة عنه فهذا مما لا يُمارى فيه، ولكن شريطة ان يكون ذلك الاتصال على مستوى المثاقفة والاصطفاء وليس من قبيل التلقي والتقليد فحسب,, كما هو حاصل الآن!! اقول إن حقوق مثقفينا الكبار وروادنا العمالقة قد نسيت أو تنوسيت في غمرة الارتماء في أحضان ثقافة ناتئة ومشهد إبداعي مسيطر قفزت به مرحلة معينة هي إلى الزوال العاجل لا محالة.
إننا نمتلك رصيداً أدبيا وفكريا ضخما، دون تزيد ولا مبالغة، والأدب السعودي بإنتاجه ورموزه يشكل منذ بزغ فجره وحتى يوم الناس هذا رقما صعبا في معادلة الحالة الثقافية في عالمنا العربي من البحر إلى البحر ومع ذلك كله فنحن نقتصر في تأدية واجب التكريم نحوهم أي روادنا ومبدعينا على ملفات صحفية يسيرة، أو مقالات نادرة خجولة، أو أمسية في أحد الصالونات الأدبية (الخاصة) يذكر فيها أولئك العمالقة ونتاجهم الغزير!
وكل تلك الصور تظل جهودا مشكورة ويقدر للقائمين عليها فضل السبق وفضيلة المبادرة، ولكنها وبسبب من محدودية الزمان والمكان والإعداد تكاد لا تقدم إلا نزرا يسيرا وقدرا متواضعا من الواجب الذي يفرضه الانتماء الواعي والاحتفاء المشع بجذورنا الثقافية والأدبية، فأين نحن من تفعيل احتواء المبدع والقيام بحقه من خلال تكريسه إعلاميا؟ وأين هي تلك الدراسات الموضوعية العميقة التي تتناول تلك القمم سيرة ونتاجا بالبحث والنقد؟ بل أين نحن من إعادة طباعة كتبهم ومؤلفاتهم ودواوينهم الشعرية التي اصفرّت من تقادم العهد وهجر الزوار؟! دون ان نكلف أنفسنا إعادة طبعها في صورة حديثة ولائقة، فضلا عن تدريس إبداعهم لناشئتنا في المدارس والجامعات وتقديمهم للأجيال الواعدة!!
ونحن هنا لا نلقي تبعات التقصير على مؤسسة بعينها ولا هيئة بذاتها، ولسنا نرميها على كاهل الافراد ايضا، بل إن الخلل والتقصير في هذا الجانب حالة مشتركة وبلوى عامة تتموضع في صور شتى وعلى اصعدة متعددة، والأمر يحتاج إلى تضافر الجهود ووضع الآليات الجادة وأشدد على كلمة (الجادة)!! لتفعيل هذا الواجب الانتمائي الضروري في حياتنا الثقافية والادبية المحلية حتى نساهم في إرساء هويتنا الثقافية وتشكيل مرجعياتنا المنبثقة من إيديولوجيتنا الخاصة وموروثنا الحي النابض وانتمائنا الصادق لفكرنا الأصيل.
إننا حين نقوم على ذلك ونرسم مبدعينا وروادنا حالة ثقافية مميزة لها خصوصيتها وثقلها، ونبرزهم رموزا اجتماعية حقيقية، لنوفيهم شيئا من حقوقهم علينا بوصفنا جيلا لاحقا بارا، وتلاميذ أوفياء لمعلميهم وأساتذتهم وبخاصة إذا علمنا أننا مقبلون على عصر (رهيب) حقا,, والحديث ذو شجون.
azalah@hotmail. com
|
|
|
|
|