| مقـالات
هو في وقتنا ما يوازي الانتقال من الكم إلى الكيف، من أعداد كبيرة وأجيال متلاحقة، تنخرط في سلك التعليم, حيث المناهج التي تقتنص الأدمغة في دائرتها المغلقة لتخرج نسخاً متشابهة متوائمة غير قادرة على تفتيق الغامض والمبهم والاشتباك في مغمرة جريئة مع الكون ومظاهره، أدمغة تدين بالولاء لمنهجها الذي لا يفكر ولا يحفز على التفكير إلى مؤسسات من نوع مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين .
والتاريخ يصنع عادة من قبل أفراد، ومهما حاولنا أن نبرز قدر الجماعة ونرسخه إلا أن هذا لا يمنعنا ان نتابع دور الأفراد المتميزين والموهوبين في تكوين الواجهة التاريخية الأهم لشعب من الشعوب، وما الذي يجعل من لبنان مثلاً وهو بلد صغير مغمور بلداً معروفاً على المستوى العالمي سوى كتابات جبران ، ولو سألت أياً من العامة في الغرب ماذا يعني لك الشرق فقد لا يعرف أين يقع لبنان ولكنه حتماً سيكون قد قرأ كتابي ألف ليلة وليلة وكتاب النبي لجبران ، ويروى أن المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس كان يرتاد سوق الوراقين ليروي شغفه العارم بالقراءة والاطلاع، وبينما هو يطيل النظر في أحد الكتب أصاب الحنق صاحب الدكان فقال له: ما بالك تطيل النظر إليه وكأنك ستحفظه؟، فأجابه المتنبي: وان حفظته هل استطيع اقتناءه، فتهكم الوراق من المتنبي قائلاً: هو لك، وهو يظن استحالة هذا نظراً لطول الكتاب واحتوائه على قصائد بمئات الأبيات بحاجة إلى أوقات طويلة لحفظها، فما كان من المتنبي إلا أن سرد للوراق القصائد كلها ووضع الكتاب في كمه ومضى، ولكنه لم يمض من ذاكرة التاريخ، بل ظل الصوت الأجمل والأقوى في ذاكرتنا الشعرية, ويقال إن الصحابي الجليل ابن عباس كان يمتلك ذاكرة عجيبة كانت تمكنه من الاستشهاد بالقرآن الكريم أو الحديث الشريف في لحظات دون أن تعنته ذاكرة أو يخذله نسيان, وهؤلاء وسواهم هم الذين حفظتهم لنا ذاكرة التاريخ وهم الذين كونوا الملامح الحضارية لتاريخنا، وتماماً هذا هو دور الموهوبين عبر التاريخ وان كنا نحن أبناء حضارة تلقينية سماعية أبرزت المواهب النادرة التي كان يمتلكها البعض من أجدادنا, واليوم التحدي له أدوات مختلفة والفضاء يشتبك فوق رؤوسنا أقماراً ومركبات فضاء.
|
|
|
|
|