| الاخيــرة
فرغت لتوي من قراءة سيرة الزعيم الجنوب افريقي العلاق السيد (نلسون ماندلا) وهي سيرة فذة بكل معاني الكلمة، وتمنيت لو أن كل الزعماء في العالم يقومون بكتابة سيرهم الذاتية، لأن في تلك السير صورا رائعة ومجيدة عن حياتهم وتحركاتهم، وخططهم البارعة في تجنب الوقوع في أيدي خصومهم خلال حياتهم الخصبة المثيرة المشحونة بالدروس والعظات والعبر.
ذكرت هذه الفذلكة في رأس ورقة اليوم لأخلص الحديث عن الشاعرا لشعبي الفارسي المرحوم (عارف القزويني) الذي لعب في حياة إيران الاحتلال الانجليزي لمصر.
كانت سياسة القبضة الحديدية هي اللغة الوحيدة التي عرفها حكام إيران القاجاريون لإخماد صوت المعارضة الإيرانية الوليدة.
في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ إيران المعاصر سطع نجم عارف القزويني في سماء السياسة الإيرانية فأشعاره وكتاباته الملتهبة التي أيقظت الحماس وزرعت النخوة والإباء والكرامة في نفوس الإيرانيين التي كانت تبحث عن قيادات وزرعت توجه خطواتها للتصدي للظلم والطغيان الداخلي ممثلا في حكم القاجاريين، والضغوط الاجنبية متمثلة في الاطماع البريطانية في جنوب إيرانو والتحرشات الروسية في شمال إيران.
لقد صور عارف القزويني قصة كفاح الفرس ونضالهم في شعره وكتاباته تصويرا بارعا، مما يجعل ديوان شعره ومقالاته من أهم أدبيات السياسة الإيرانية المعاصرة ومن ذخائر الأدب الشعبي الفارسي الرفيعة، لا جرم اهتم الفرس بطبع آثار القزويني وإعادة طبعها مرات كثيرةو وقامت حوله شخصه وأدبه دراسات أكاديمية جادة ومثمرة.
الأبطال الشعبيون في كل الأزمان ولدى كل الأمم تكثر الزخارف والمبالغات حول حياتهم وبعد مماتهم أيضا, وهذا ما حدث لشاعرنا عارف القزويني، فقد امتلأت حياته بالطم والرم من الروايات الصحيحة والمدخولة والمخترعة لتسلية البسطاء ورفع معنويات الابطال والمجاهدين في ميادين الكفاح المتعددة في إيران.
عندما تتعرض كرامة أمة للتحدي فإننا نتوقع منها المقاومة والتصدي وهذا بالضبط ما أحس به الشعب الإيراني في فجر القرن العشرين، وتحديدا منذ عام 1905م، فقد قامت في ذلك العام حركة سياسية عارمة تطالب نظام برلماني دستوري، فتصدت لها السلطات القاجارية الحاكمة، وأرادت وأد الحركة في مهدها.
ورغم أن السواد الأعظم من الإيرانيين يومذاك كان يعاني من الأمية والجهل فإن عارف وجابلية من شعراء الشعب الإيراني استطاعوا باستخدام اللغة الفارسية العامية إثارة الاحاسيس القومية في نفوس العامة, وصارت الأغاني الحماسية الشعبية المطالبة بالدستور والنظام البرلماني تتردد على ألسنة الجميع في الشوارع والمقاهي والملاهي، خلال الأعياد الكثيرة التي تكثر في إيران.
ولو قدر لي يوماً أن أتناول في هذه الورقات الفارسية تاريخ الصحافة الإيرانية المعاصرة فسوف أتحدث بشيء من الإشباع عن الدور الريادي الذي لعبه عارف القزويني في جعل الصحافة الإيرانية مدرسة للشعب في عصره، فقد كان عامة الشعب الإيراني يتابع ما ينشره عارف في الصحف، ولم تعد الصحافة وقفا على الخاصة بل صار الجميع يقرأها ويفهم اللغة التي كانت تحرر بها القضايا الإجتماعية التي تمس صميم حياة الناس.
وهل الصحافة شيء غير ذلك؟
كان البيت الشعري الذي دأب عارف على ترديده وهو على سرير الموت هو بيت ميسون بنت بحدل الكلابية زوج الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه).
فما أبغى سوى وطني بديلا
فحسبي ذاك من وطني شريف
وفي سنة (1311ه,ق) أسلم عارف الروح الى بارئها ودفن الى جوار قبر الرئيس أبو علي بن سيناء.
|
|
|
|
|