| الاقتصادية
تحقيق أحمد الفهيد
الالفية الثالثة بكل ادواتها التقنية، احد آخر رموز حضارتنا العربية الباقية البداوة نتيجة الاضرار التي ألحقتها هذه التقنية بأمنا البيئية , فقد ادى تأثر المناخ العالمي وارتفاع درجة حرارة الارض، الى تأثر الكثير من المراعي الطبيعية في جميع انحاء العالم بموجة الجفاف.
وانعكس ذلك على مراعينا الطبيعية في المملكة نتيجة لانخفاض المعدل العام لسقوط الامطار بشكل اصبح يهدد العديد من البدو الذين لا يزالون يعيشون حياة البداوة بكل آلياتها وبكل ما فيها من حل وترحال .
إلا انهم حافظوا على عنصر مهم في الحياة واحد رموز نهضتنا السعودية الا وهو العلم ,, فطلبوا العلم ولو في البر ! ان قدوم هؤلاء البدو الرحّل الى المدينة يهدد بقاءهم كنموذج اجتماعي متميز كما يهدد الموت ماشيتهم في قلب الصحراء.
تعتبر الابل من اقدم الاستثمارات الاقتصادية للعربي قديما، اما اليوم فهي حقل استثماري مالي بكر, فالجمل حيوان اقتصادي اكثر من غيره حيث يمكن ان يكون قاعدة لمشروع ألبان او حتى لتوفير اللحوم الحمراء بشكل ارخص واكثر امناً وسلامة واكثر حتى شعبية من آلاف الاطنان من لحوم الابقار المستوردة, كما يمكن الاستفادة من وبره لتمويل سوق الغزل والنسيج ومصانع الخيام.
ويبلغ حجم هذا السوق حوالي 700 مليون ريال تقريباً كما تشير آخر الاحصائيات التقديرية الصادرة عن وزارة الزراعة والمياة الى ان عدد رؤوس الابل 424 الف رأس لعام 96م كما لم تسجل مشاريع متخصصة في تربية هذا النوع من الماشية.
كما لا تشير هذه الاحصائيات الى عدد الابل الموجودة في البادية نظراً لتعذر حصرها والتي قد تضيف رقماً مشابهاً لتلك الارقام مما يؤكد على اهمية النظر في هذه القضية من جميع النواحي والاخذ لجميع الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
الجزيرة ومن هذا المنطلق توجهت الى تلك المجموعات النازحة من البادية الى بعض المزارع القريبة من محافظة الخرج وكانت لنا هذه الرحلة.
في البداية انطلقت مع زميلي المصور الى منطقة خفس دغره الذي يقع في منطقة بين الخرج والحوطة ويبعد عن الرياض حوالي 150 كلم وتوجهنا الى المواطن محمد صبيان الدوسري الذي قادنا الى تلك المنطقة.
وكنا في طريقنا الى احد المشاريع الزراعية التي تجمعت بها قطعان الماشية المنتشرة حول مجموعة متفرقة من خيام البدو وصهاريجهم.
عند وصولنا الى احدى الخيام سلمنا ودخلنا الى الخيمة حيث كان يجلس شيخ كبير ومجموعة من الشياب والشبب.
بعد ان تبادلنا السلام وتلبية لنظراتهم المتسائلة، عرّفناهم بأنفسنا وهدفنا في الجزيرة وهو اعطاؤهم فرصة لعرض الظروف التي يعايشونه ا,لم يكن إقناعهم سهلاً، الا انهم رحبوا بكل مساعدة يستطيعونها بعد ان دعوا لنا, وهكذا كان حوارنا التالي:
ماهي المشكلة؟
* تساءلنا في البداية ماهي مشكلتكم التي اتت بكم من البر؟ ولماذا انتم هنا بالذات؟
تحدث الشيخ اولاً عن محل جفاف الارض اصاب الصحراء منذ 5 سنوات ولكنه اشتد في السنتين الاخيرتين فأكل الاخضر واليابس: وجينا الى هنا زابنين بعيالنا وحلالنا من المحل وهادين حلالنا في المزرعة الى سبلها راعيها الله يوسع في رزقه,, آمين .
يتحدث احد الرجال الحاضرين عن جانب اقتصادي آخر متعلق بعملية التسويق وارتفاع حسابات تكاليف الانتاج، حيث اضاف:لنا سنتين حنا يالبدو وحنا ندوج في براري المملكة من شمال لجنوب لغرب لشرق ومالقينا محل مكان الين جينا للمزارع!
والمشكلة انه حتى لو بغينا نبيع مالقينا من يسوم؟ وصرنا ندخل السوق ولا ينباع شيء وصارت الناقة تباع ب 500 ريال، ومصروفها الشهري 600 ريال!؟ واليوم كيس الشعير ب 29 ريال وكيس النخالة ب 28 ومن الصوامع ما يعطونك الا عشرة اكياس بالشهر! والكل يعطي حلاله مثل عياله .
* على انه لم يحدد ايهما مثل الآخر؟!
الصوامع والحقول
* احدهم اخذنا الى جانب اقتصادي آخر اضافة الى جانب اداري ايضاً,, وذلك عندما تحدث عن الشعير الذي يعتبر طوق النجاة للبادية من الجفاف وكيفية حصولهم عليه او حتى عند حديثه عن استئجار المزارع والذي يزيد من ضررهم الاقتصادي الذي يحدث نتيجة ارتفاع تكليف الانتاج ومعدلات النفوق مقابل التدني الشديد في الاسعار، حيث يضيف:
اكثرنا حنا يالبدو,, لا معاش ولا وظيفة ومن اول وحنا عايشين على هالحلول الي يكد علينا وعلى عيالنا يوم انه غالي ويباع والحلال ياكل من البر وحلال ربي ويومها ولاعلف مناسب، لكن اليوم رحنا بها: ولا سمّيت! .
وحتى اذا بغينا نبيع بعضها,, عساه يعلف بعضها مالقينا من يشتريها! وان بغينا نعلفها على كيسنا لين العلف غالي والصوامع ما تعطيك على البروة الا 20 كيس؟! ما تعشيها ليلتين، والبدو فيهم اللي حلاله شوي وفيهم اللي كثير ولاهم بسواء!
وفيه ناسٍ تشيل كل يوم بلا حاجة وبعضهم يطلع بروة ويبيعها وبعضهم يبيعها اكياس ونعود نشتري من السوق مجبورين والا ندور مثل هالارض الي فتحها لنا راعيها جزاه الله خير وحفر لنا فيها شيب ماء وسبّله لوجه الله,,
ولو كنت جيت قبل اسبوع ما تلقى ممر لسيارتك بعضهم راح استأجر مزارع واخذوا مساحة المحور الرشاش اليابسة ب 7 آلاف في الشهر وبعضهم اشتروا مزارع ب 60 80 الف! وبعضهم هدها في بعض المزارع وانطردوا منها وحرق اصحاب المزارع مزارعهم ورفضوا تأجير المزارع! وحنا في هالمزرعة الي يمكن ما تكفينا اسبوعين وعقبها تحت الله وفي رجاه.
* جدير بالذكر ان أصحاب المزارع يقومون بحرق بقايا التبن المتبقية بعد حصاد القمح في الرشاشات المحورية لكيلا تدخل لها قطعان الماشية من ابل وضأن وماعز بسبب خوفهم من كسر الماشية للمعدات الزراعية وانابيب الرش, اضافة الى ما قد يسببه تواجد هذه القطعان من نشر بذور اعشاب برية وشعير يكون عالقاً في صوف الماشية او روثها والذي يلحق اضراراً بالغة بالمحاصيل الزراعية نتيجة كثافة الاعشاب في تلك الحقول.
هل نبحث عن الحل؟
* بعد كل ما لمسناه فيهم من معاناة في كلامهم لنا تساءلنا معهم كيف حاولوا حل هذه المشكلة وهل رفعوا معاناتهم الى اي من المسؤولين في هذا الوطن والذين يفتحون صدورهم قبل ابوابهم للتعامل مع هذه الطوارىء؟ وكيف يرون الحل يا ترى؟
تحدث شيخ التحق بمجلسنا لتوه والله يا وليد ما رحنا لاحد وحنا صايبنا قحط من الله وراضينا وشيوخنا والمسلمين ما قصروا، صلوا خمس مرات يستقونه ولا نزل مطر!
وحنا، ما حنا بأقوى من الله سبحانه، ولقنا ضرر وكسافة في حالنا وعيالنا وحلالنا وكلن مشتغل في حلاله ما يدري وين يسرح والا وين يُمرح يمسي .
وذا الساع العلم عندكم وانتوا بلغوا عنا اللي شفتوا واللي سمعتوا وبيّض الله وجيهكم.
من ناحية اخرى تحدث احد الحاضرين عن حلول اكثر تحديداً حيث قال:
حنّا نبي اول شيء نحل مشكلة الشعير لو يخفض على البادية لانهم المتضررين اكثر من اصحاب المزارع والا اصحاب الحلال القليل.
ثم يشاف حل لاهل المزارع اللي ما يستفيدون من مزارعهم ولا يتركوننا نرعى فيها.
والمسؤولين ابخص بحاجاتنا وهما أدرى باللي اصلح للجميع.
والا حنا في هالمزرعة الين نلقى غيرها لو بفلوس! وشوفة عينك,, هذي رشاشات محاور وفيها 200 وايت وكل وايت عليه اربع حمايل وكل حمولة عندها ما يقل عن 100 راس من الابل ويشربون من شيب الماء!
و 80,000 راس لو تشرب من البحر ينقص! وبعض الابل مالقت شيء تأكله وصارت تأكل القرطاس اذا لقت قرطاس تأكله؟!
احدهم داخلنا بهذه الملاحظة: المشكلة فوق ذا المحل والجوع للحلال، صار يظهر فيها امراض من تخالطها وشربها جميع في مشرب واحد وغدا بعض الحلال يرغّي .
الزراعة,, والجوازات
* سألتهم ما اذا كانت فرق من العيادة البيطرية التابعة لمكتب الزراعة قد قامت لزيارة لهذه القطعان من اجل تحصينها للمحافظة على سلامتها اولاً وحجر ما قد يكون مريضاً من هذه القطعان وخصوصاً ان المنطقة تحتضن العديد من المشاريع الزراعية الانتاجية الكبرى والتي قد تتضرر بنسبة كبيرة فيما لو كانت هناك امراض!؟ اضافة الى انه يمكن استثمار هذا الظرف للحصول على مؤشرات؟ احصائية ولو تقريبية عن اعداد رؤوس الابل في البادية لو قامت كل منطقة بحصر عدد الابل الموجودة بها ولا سيما ان هذا الرقم غير متوفر في الاحصائيات الرسمية.
اجابوني: والله ما عيّينا احد جانا، الا اللهم حقين الجوازات ورعياننا معهم اقامات ونظاميين يالله لك الحمد!
الحياة في البادية
ان حياة مثل هذه الفئة من المجتمع حياة حرية بالتوقف امام يومياتها، وتجربة حضارية تستحق الاحترام لاناس اختاروا ربما بلا وعي حياة الصحراء بعيداً عن المدينة بكل فرصها وبكل ضرائبها ايضاً.
* انه خيار جريء اذا توفر التعليم والصحة، فكيف تعامل سكان الصحراء مع احتياج التعليم والصحة الموجودة في التجمعات المدنية؟
اليوم البدوي في مشقة لا يعلمها الا الله حنا نجيب لعيالنا مدرسين خاصين يدرسون عيال الحمولة كلهم ويتجمعون يومياً في هذي الخيام ويدرسون جميع.
واقرب مدرسة لنا على بعد 120 كلم نروح ونسجلهم فيها وندرسهم هنيا واذا جات الاختبارات دخلنا بهم جميع الى الهجرة واختبروا مع الطلاب.
وابشرك عيال البادية اجود من عيال الهجر وحتى المدرسين يقولونه.
واما من ناحية المرض، فاللي عنده موتر وقوي، يفزع للمستشفى واللي ما عنده امره على الله!
يتدخل الشيخ: من اول وحنا نكوي الين اليوم وما شفنا الا العافية.
دار عندها حديث باسم عن بعض قصص الكي ومواقف اليوم في المستشفيات مع الإبر حيث اكد احدهم على ان الكي احب له من الابرة!
عند ذلك تساءلت ان كانوا يودون ان يضيفون شيئاً؟ حنا طال عمرك بدو من كل محل من الدهناء ومن الربع الخالي ومن الصمان ومن كل قبيلة وهدفنا للبلاد وتوزعنا من وادي الدواسر الين الشمال، وحاجتنا لله ثم لمعازبينا في حالنا ومالنا وعيالنا وعلاجنا وعيشتنا، والرجا من الله ثم منك توصل اللي شفت واللي سمعت وبيض الله وجهك.
نهاية الرحلة
* عدنا الى مقر الجزيرة ,, ونحن نفكر في هذا الكم الهائل من الابل التي تقدر بثروة اقتصادية وغذائية كبيرة كيف يمكن ان نحافظ عليها وكيف يمكن ان يؤدي لجوءها الفجائي الى مخازن الصوامع الى ارباك في تصور الانتاج او الاستهلاك المتوقع؟ ويقودنا تصورنا لحجم هذه القطعان في البداية نحسب حساب هذه الطوارىء ضمن استعداداتنا السنوية؟ كيف يمكن ان نرفع سعر الماشية لنحافظ عليه بشكل يخفف من حدة الازمة حتى ولو كان ذلك عن طريق شراء احد المستثمرين لكميات كبيرة واستثمارها في مشروع انتاجي كبير!
|
|
|
|
|