| الثقافية
يسجل التاريخ التراثي الكثير من المواقف التي تنصف القصة كفن شعبي وتحقق له جزءاً من هويته ووجوده ليصبح هذا التسجيل ترجمة حقيقية لحياة الإنسان في أي مجتمع.
فالقصة قصيرة كانت أو طويلة هي من صنع الحكاية وهي هيكل تقوم عليه معطيات الحديث الملقى, أو التصوير الدقيق لنماء أي حدث من الأحداث غير العادية,, لكن هذه الصنيعة للحكاية لا تولّد أدباً خالصاً,, أو ثقافة متجلية ومثالية وإنما يتكون في هذا السياق بعد تجذيري لنماء هذا الفن وحيازته على الرضا والقبول لدى المتلقي.
وأعني بالتجذير هنا أخذه من البعد الفطري لجوهر هذه الحكاية التي ترد إلى الذهن بأساليب وأنماط مختلفة لا يبقى منها إلا القوي في فكرته والجزل في معناه وذلك الذي يتحول إلى قيمة فنية تصلح لأن تسجل نتاجا ايجابيا لفكر أمة من الأمم أو تراثاً غنياً لأي شعب من الشعوب.
ويبقى من هذه الفطرية المتوارثة للقصة أنها سرد يعتمد في أساسه على قدرة الراوي على تتبع تفاصيل الأحداث وحركات الأبطال ليخلص إلى نتائج فنية متميزة تحقق للقصة أثرها في الذهن والذائقة.
وإذا ما تجاوزنا هذه النظرة التراثية للقصة إلى نظرة أكثر شمولاً نجد أن هذا الفن قد انقسم إلى قسمين أو لنقل إلى عهدين أو مرحلتين تجسدت التجربة الأولى بخروج القصة المباشرة تلك التي تتكىء تماما على الحكاية ويجتهد الراوي غالباً في وصف أحداثها، وتتبع شخصياتها المحورية والثانوية فيما جاءت المرحلة الأخرى من هذا السرد مغايرة لهذه المفاهيم لتصبح القصة في تكوين فني جديد تتعدد أنماطه، وعلائقه بالفنون الإنسانية الأخرى,, بل إنه يتداخل معها في أحايين كثيرة حتى أصبحنا نرى القصة القصيرة ونقرؤها وكأنها لوحة فنية غرائبية التكوين لتصبح التجربة مزيجا بين الوعي والخيال وبين الفطري والمصنوع فلم نعد نرى القصة الخالصة تلك التي تحكيها ألسن الحكائيين أو كما نسميهم الحكواتية لتخرج لنا صورة الاندهاش والبراعة فيما يقوله لا ما تشيء به تفاصيل الأحداث أو نوازع أبطال أي قصة من هذه القصص.
إلا أن الشيء الذي يجب أن يبقى في مشهد السرد القصصي هو ضرورة المحافظة على فطرية القصة الموروثة بحدود مناسبة لا تسجل تغييبها للحكاية,,, ولا تمعن في تحديثها ونزوعها إلى مجرد تسجيل هذيانات أبطالها الوهميين أحياناً,, ثم إن القصة أصبحت مع هذا التحول الجديد عرضة للتغريب والغموض والتجريب غير المتزن ذلك الذي يعبث أكثر مما يصلح,, ويهدم أكثر مما يبني,, لتقف التجربة في أساسها على شفير الهاوية فإما أن تنطلق إلى عوالم التجديد المدروس أو تنتهي إلى مجرد التجريب غير المثمر.
كما أننا نقف أمام العديد من المقولات التي تبقي القصة في نمطها التراثي الفطري موقف المصدق أحيانا لأنها وحتى الآن لم تنفصل عن تجربة الحكاية ولم تلتحق كلياً بالرواية التي تتجسد كقصة مفرطة في الترهل والاطناب والحشو اللازم وغير اللازم أحياناً.
ربما تكون القصة القصيرة جسراً للكاتب الجميل والمتجلي لأن يعبر إلى عالم الرواية التي تضم في أعطافها الفنون جميعها,, إيجازاً وإطناباً وسردا واقتضابا، شعرية وتقريرية، ليسجل لنا في النهاية عملاً ابداعيا واعياً ينصف السرد ويرد على المشككلين في بقاء القصة كفن إنساني ورثته هذه الأجيال وسيظل مادة حيّة تنتقل من جيل إلى جيل,, فما يقوله الحكاؤون اليوم سيبقى في الذاكرة جزءاً من التراث في المستقبل ثم إننا ومن البدهي جداً سنقول الحكاية تلو الأخرى لكن أملي أن يكون التاريخ والكاتب أمينين فيما يُنقل للأجيال القادمة.
|
|
|
|
|