| مقـالات
قد يستغرب الكثيرون تصورا مستقبلياً لإيقاف التصحر عن طريق تفعيل جهود المحافظة على الموارد الطبيعية وتنميتها في المملكة العربية السعودية، وذلك على أساس ان هذا التصور يحتاج ليس فقط الى كثير من التفاؤل والنظرة الوردية الى مستقبل يتحمل فيه كل المواطنين، على مختلف مستوياتهم، مسئولياتهم التاريخية تجاه المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، ليس ذلك فقط بل أنه يحتاج أن يتخلص المرء كلية من تأثير واقع المحافظة الذي نعيشه بكل سلبياته وأوزاره التي ادت الى تدهور البيئة والموارد الطبيعية بشكل لا يتيح للتفاؤل كبير فرصة أو اتساع فسحة من مكان.
وقبل ان نتحدث عن التصور المستقبلي للمحافظة على الحياة الفطرية والموارد الطبيعية وتنميتها في الوطن الغالي كوسيلة لإيقاف التصحر، فإننا نحتاج الى ان نسترجع معاً أسباب تدهور البيئة والموارد الطبيعية في المنطقة لأن التوصل الى العلاج الشافي لا يتحقق الا بعد تشخيص الداء والاسباب التي ادت الى إحداثه، وذلك حتى يمكن وصف الدواء الناجع له بإذن الله.
لقد ساد لوقت طويل الاعتقاد، غير المصيب، بأن الجفاف الذي تتعرض له المنطقة هو العامل الاول المسئول عن تدهور البيئة وتصحر الأراضي, والحقيقة التي لا تقبل الشك هي ان الجفاف ما هو الا عامل مساعد يؤدي الى تفاقم التأثيرات السلبية للضغوط الإنسانية المتزايدة الواقعة على البيئة الهشة الفقيرة في المنطقة, ذلك أن زيادة معدل الاستهلاك عن معدل انتاجية هذه الاراضي يؤدي الى استنزاف قدراتها والى تدهورها وفقدانها لبنيتها الاساسية وتصحرها, ويساعد الجفاف على سرعة حدوث هذا التصحر, والدليل القاطع على ذلك ان مناطق الحمى القديمة التي كانت منتشرة في المملكة منذ قبل الإسلام ظلت منتجة متوازنة فعالة حافظة لقوامها وبنيتها عاما بعد عام رغم تكرار تعرضها للجفاف الدوري.
وقد كان لمؤتمر الأمم المتحدة عن التصحر الذي عقد في مدينة نيروبي بكينيا عام 1977م الفضل في تأكيد هذه الحقيقة التي توصل اليها علماء البيئة (الإيكولوجيا) قبل ذلك بنحو ثلاثين عاما فأثبت المؤتمر في وثيقته الصادرة عنه ما يلي:
إن السبب الرئيسي للتصحر هو التفاعل المتبادل بين الإنسان والبيئة الهشة الفقيرة التي تسود في المناطق الجافة, والإنسان هو الذي يبدأ عملية التصحر ليصبح في النهاية ضحية لها، لأن استخداماته للارض بشكل لا يلائمها كيفا أو كماً هي التي تؤدي الى إحداث التصحر في كثير من الأراضي الهامشية.
والمقصود بالاستخدام الكيفي غير الملائم هو تحويل هذه الاراضي الهامشية الى اراض زراعية تمارس فيها طرق الزراعة المروية الحديثة التي تمارس عادة في الاراضي الغنية التي تسود في المناطق المعتدلة الرطبة, كما يعني الاستخدام الكمي غير الملائم زيادة معدلات الاستهلاك عن الطاقة الانتاجية لهذه الاراضي الفقيرة مما يؤدي الى ازالة معدلات الاستهلاك عن الطاقة الانتاجية لهذه الاراضي الفقيرة مما يؤدي الى ازالة الغطاء النباتي الفطري وفقدان التربة لخصوبتها وعدم قدرتها على الإمساك بمياه الامطار المحدودة التي تسقط عليها وسهولة انجرافها مع السيول او تعريتها بواسطة الرياح, وينتج هذا كما هو معروف عن ممارسة الرعي الجائر وقلع الاشجار الخضراء الحية لاستخدامها حطبا للوقود والصيد الجائر الذي يؤدي الى انقراض الأنواع واختلال التوازن البيئي, ولاشك انه من المؤسف حقا ان نعلم ان حوالي 80% من أراضي المراعي في المملكة قد تدهورت وهي بالتالي في طريقها الى التصحر اذا استمر الوضع على ما هو عليه لا سمح الله.
اضف الى ذلك التوسع العمراني الهائل الذي تشهده المملكة وكثير من دول المنطقة والذي يتضمن في حالات معينة تحويل المناطق الريفية الى حضرية او اتساع المدن عشوائيا دون الاخذ في الاعتبار المحافظة على المناطق الطبيعية او الأودية وشق الطرق السريعة، والانشطة الاقتصادية الصناعية وتراكم مخلفات الصناعة والمدن والصرف الصحي والملوثات الكيماوية بأنواعها وأشكالها مما ادى الى فقدان المواطن الطبيعية وإزالة نظم بيئية متكاملة والى تدهور البيئة فيما تبقى من هذه المواطن والنظم البيئية.
وتدل الدراسات الجيولوجية ودراسات علم الاحافير ان المناطق الصحراوية الحالية، لاسيما في الصحراء الكبرى بأفريقيا، كانت تتمتع بغطاء عشبي وشجري جيد وتنوع حيواني فطري كثيف قبل حوالي سبعة الاف عام من الوقت الحاضر, وقد تحولت تدريجيا ببطء الى صحار خلال تلك الحقبة الزمنية الطويلة, ومن المعروف ان شبه الجزيرة العربية كانت قبل تلك الحقبة الزمنية ايضا مروجا وانهارا تمرح فيها صنوف الحيوانات الفطرية الكبيرة عاشبة ومفترسة على السواء مما لا يوجد له أثر حاليا إلا في بعض النقوش والرسوم المحفورة على الصخور وهي تمثل سجلا تاريخيا موثقا.
وتدل الدراسات ايضا على ان هذا التحول الى صحار لم يحدث فقط بسبب التغيرات المناخية، وطول فترات الجفاف وتعاقبها وانما كان للانسان دور في إحداثها منذ ان استأنس حيواناته الأهلية من ضأن وماعز وبقر ساهمت، برعيها المتكاثف وتفتيت سطح التربة من جراء تحركاتها، في إحداث هذه الظاهرة.
وتمضي الدراسات العلمية فتقول اكثر بأن التغيرات التي حدثت سابقا خلال سبعة آلاف عام، تحدث حاليا بمعدلات متسارعة جدا، تحت تأثير زيادة الضغط البشري الناتج من زيادة اعداد البشر زيادة كبيرة، وزيادة القطعان المرباة من الحيوانات المستأنسة وتبدل طريقة الرعي المتنقل الى الرعي المكثف الذي لا يبقى ولا يذر الى جانب قطع الاشجار للاحتطاب والتفحيم التجاري حتى ان ماحدث خلال سبعين قرنا من الزمان يحدث حاليا خلال قرنين او ثلاثة فقط، ولا تقتصر التغيرات الحديثة على تحول النظم البيئية المعشبة الى صحار وذلك اقل ضررا وإنما يطولها التصحر الذي هو آفة العصر.
وذلك لأن الصحاري في الواقع هي نظم بيئية متوازنة منتجة وإن كانت هامشية فقيرة، أما التصحر فليس هو التحول إلى صحار كما قد يظن البعض او قد يفهم من المصطلح نفسه التصحر وإنما هو في الحقيقة هو أن تفقد الأرض قدراتها الاحيائية على الإنتاج وتتحول إلى أراض ميتة, والصحاري، بحكم هشاشة نظمها البيئية وفقرها، هي أكثر النظم البيئية واسرعها تصحرا متى ما أساء الإنسان استغلالها بطرق لا تتناسب مع قدراتها الإنتاجية المحدودة.
وطبقا لاحصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة المعلنة من سنين فإن أكثر من ثلث مساحة العالم معرضة لخطر التصحر الذي يبتلع سنويا أكثر من عشرين ألف هكتار على مستوى العالم، ولا تكاد تخلو قارة من القارات الخمس من مناطق تعاني من التصحر، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نحافظ على بيئاتنا وتنوعها الطبيعي آخذين في الاعتبار وقوعنا في نطاق الصحاري التي تعتبر أكثر عرضة للتصحر.
* الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها
|
|
|
|
|