| مقـالات
في مثل هذا اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، قبل أربع وسبعين وأربعمائة وألف من السنين، ولد خير البشرية محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي العدناني، فكان مولده إرهاصا لتغيرات عظمى أرادها الله لهذا الكون، ومع أن الأسرة التي ينتسب إليها محمد صلى الله عليه وسلم من أكرم الأسر العربية إلا أن نشأته اقترنت باليتم والرضاعة ونشأ في البادية ولم ينشأ على الترف، ولم يعرف حنو الأب والأم، وقد رعى الغنم، وعرف شظف العيش، وعاش صباه في كنف جده عبدالمطلب، ثم في كنف عمه أبي طالب، فتقلبت به السنون في تحولات مرهقة، من فقد الأب، إلى فقد الأم، ثم فقد الجد، ثم العيش في كنف العم، مع ما يتحمله من عبء معيشة أسرة كبيرة، وقد أراد الله لهذا الفتى الناشئ الوقوف على ما تحويه هذه الدنيا من الآلام التي تصيب بعض البشر، ولا يعرفها البعض الآخر, وعندما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من الصبا إلى الشباب، وامتدت علاقاته بالآخرين، عرف بالأمانة والصدق، فلقب بالأمين، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرغب في المجالس التي يطرح فيها لغو الكلام، ولذلك فقد آثر العزلة، والتعبد في غار حراء، والتفكر في الكون، ومناجاة الله الخالق الوهاب، وعندما بلغ الأربعين من عمره صلى الله عليه وسلم اختاره الله لرسالته، فأوحى إليه في غار حراء، فتحمل رسالة التوحيد، وبلغها للناس في حدود طاقته وقدرته، فقد دعا إلى الإسلام سرا ثلاث سنوات، ثم أعلن الدعوة، فدخل في الإسلام رجال أقوياء، من أمثال حمزة بن عبدالمطلب، وعمر بن الخطاب, وقد سمع أهل يثرب بالدعوة الإسلامية، فقدم منهم ستة رجال وأسلموا، ثم قدم إلى مكة ضعف العدد المتقدم وأسلموا، ثم جاء وفد من المدينة يدعون النبي وأصحابه إلى الانتقال إلى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة، ثم لحق بهم صلى الله عليه وسلم، فانتشر الإسلام، وأصبح له دولة في المدينة، وإذا كانت الأحداث الكبرى التي اعتمدت عليها الرسالة المحمدية هي ولادته صلى الله عليه وسلم، ثم بعثته، ثم هجرته إلى المدينة فإن قدومه إلى هذه الدنيا بشرى خير، أثمرت بما تلاها، من بعثة بدأت بنزول القرآن، وهجرة أسست دولة، وفتحت باب الجهاد على مصراعيه، حيث كانت معركة بدر الكبرى إيذانا بجهاد امتد إلى أبواب القسطنطينية والأندلس، وبلاد الإفرنج، ومشارف الصين، وبلاد الفلجا.
وإذا كان مولده صلى الله عليه وسلم إيذانا بالرسالة، ونزول الوحي، وقيام الدولة الإسلامية، فقد نهض الشعر بإعلان الفرحة بقدوم محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدنيا منذ فجر الدعوة إلى وقتنا الحاضر، إلا أن المدائح النبوية كثرت وطالت منذ القرن السابع الهجري إلى زمن شوقي، الذي شارك في هذا النمط من الشعر مشاركة واسعة، فقصائده الإسلامية تميزت بالطول، والجودة، والعاطفة الإسلامية, ثم إن من هذه القصائد الإسلامية مجموعة المدائح النبوية، ومن مجموعة المدائح النبوية، قصائد ذكر فيها مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك القصائد قصيدته الهمزية التي مطلعها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء |
وهي قصيدة طويلة تفيض بالثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، وتمجده، وتذكر فضائله، ومن أبياتها:
يوم يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضَّاء |
وهذه القصيدة وإن كانت المقدَّمة على غيرها، لما تحويه من معان رائعة، وأسلوب متدفق، وذكر لصفات النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف للقرآن، وذكر الدعوة، وعرض سيرة المصطفى في بسط لا يعرف الاختصار، فإن لشوقي قصائد أخرى، وإن كانت أقل من الهمزية، ومنها ذكرى المولد التي مطلعها:
سلوا قلبي غداة سلاوثابا لعل على الجمال له عتابا |
وهذه القصيدة ليست في طول الهمزية، ولكنها تفيض بالمعاني الإسلامية وتكثر فيها الحكمة، وقد بسط شوقي القول في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في مقطع منها يبدأ بقوله:
تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقصابا |
وهناك قصيدة قصيرة تبدأ بقوله:
فديناه من زائر مُرتقب بدا للوجود بمرأى عجب |
ومن أبياتها قوله:
يجددها آية قد خلت ويذكر ميلاد خير العرب |
|
|
|
|
|