| العالم اليوم
أثار مصرع البريغادير البريطاني ستيفين سوندورز قلق البريطانيين, وانتقدت صحفهم الصادرة هذا اليوم ما دعته هشاشة اجراءات الحماية المخصصة للدبلوماسيين البريطانيين في الخارج .
وفي الواقع كان البريغادير المغدور به، بلا حماية شخصية رغم أن مثيله الامريكي، وطبقاً لما تعتبره الولايات المتحدة الامريكية من كون اثينا ثاني منطقة من حيث الخطورة بعد كولومبيا، كان يعرف كيف يحصن نفسه سواء بحراسة، أو في سيارة مدرعة في وقت كان البريغادير سوندورز يتنقل بسيارة روفر عادية.
غير ان تنفيذ عملية الاغتيال وبالذات من منظمة 17 نوفمبر اليونانية يفتح ابواب النقاش واسعةً على عدة مسائل؛ أهمها دور بريطانيا الجديد في الخارج والآخر على الرجل نفسه, فمن هو البريغادير ستيفن سوندورز وماذا يحمل تاريخ حياته وتجربة عمله كملحق عسكري بريطاني، حتى الليلة التي سبقت عملية اغتياله,,؟!
بدأ الضابط ستيفن سوندورز عمله كأي ضابط تقليدي من طراز العسكريين الجدد الملتزمين بقواعد الانضباط العسكري والمهام اليومية العادية.
لكنه وفي بداية التسعينيات، أُعير لخدمة الجيش الوطني في زيمبابوي حيث شارك في مهمات ذلك الجيش في موزامبيق للمساعدة في مواجهة عصابات رينامو، وكشفت تلك التجربة في مشاركته عن ضابط صارم ودقيق في تنفيذ مهماته مع مواصفات عالية في الصبر والتحمل وقدرة في إقناع المقابل لوجهات نظره.
كذلك أدى مهمة اخرى في هونج كونج حيث ساعد في عمليات السيطرة على المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الحدود الصينية مع فيتنام، كذلك عمل في غويانا الجديدة على تجهيز الجيش هناك بالاسلحة البريطانية.
وفي عام 1997م عمل مساعداً لرئيس قوات المراقبة بين الكويت والعراق وهي المهمة التي سهلت له الذهاب للعراق ومناقشة النظام هناك بشأن مهمات المراقبة والانتهاكات.
وفضلا عن مهماته العسكرية فقد درس الجغرافيا والاقتصاد وحين رقي الى رتبة بريغادير في العام الماضي، عين ملحقاً عسكرياً في السفارة البريطانية باليونان في وقت كانت فيه قوات الناتو تنفذ ضرباتها على يوغسلافيا ويرتفع فيها، وفي اليونان، تحديداً، مُعامل الاستياء لدور الناتو في شؤون البلقان.
وفي اليونان عمل سوندورز وفقا لنموذج الضابط الدبلوماسي ذي المواصفات الحديثة التي تريدها وزارة الدفاع البريطانية من ملحقيها العسكريين ال116 وهم يقومون بحوالي 70 مهمة عسكرية خارجية.
هذه المهمات، تتطلب من الملحق العسكري الجديد أن يقوم الى جانب دوره التقليدي السابق، بمهمات ذات طابع عسكري دبلوماسي مثل تدريبات مشتركة مع قوات ذلك البلد، وبالاخص في دول شرق اوروبا، ودول الاتحاد السوفيتي السابق، ومهمات ايواء اللاجئين، ومهمات منع الاحتكاكات والصراعات المحلية, لا بل يتعدى دور الملحق الآن الى اجراء مهمات تربوية وتعليم للغة الانجليزية وغيرها.
ولعل أهم مهمة بهذا الصدد كانت على رأس أجندة البريغادير سوندورز عشية اغتياله هي ذلك العشاء الذي حضره السفير البريطاني في اليونان، ووزير التجهيزات الحربية البريطاني، ونائب وزير الدفاع اليوناني، وذلك لإنضاج موضوع صفقة ال60 طائرة من طراز Euro Pighters التي ما زالت اليونان تناقش موضوع شرائها، ويعمل البريغادير سوندورز على انضاجها منذ زمن، ويكرس لها وقتاً لجمع المعلومات والظروف التي تحيط باليونان ابتداءً من الاضطرابات في يوغسلافيا وقرب حلول الذكرى الاولى لذلك القصف، الى ما يستجد في موضوع تقسيم قبرص بين تركيا واليونان, وهي مهمات لا تحتاج الى كثير تفكير لمعرفة ان جهاز M16 (المخابرات البريطانية الخارجية) ومخابرات وزارة الدفاع البريطانية وراءها، كل ذلك جعل من مهمة الرجل هناك تضعه بمواصفات الشخصيات التي استهدفتها منظمة 17 نوفمبر المتطرفة والتي صفّت حتى الآن 22 هدفاً مماثلاً بينهم ريتشارد ويلش مدير محطة الCIA في اليونان، وضباط آخرين من البحرية والجوية الامريكية، اضافة الى ضباط ودبلوماسيين أتراك وتجار يونانيين, بما يلتقي مع اهداف تلك المنظمة ولاءاتها المشهورة، لا للأتراك، لا للناتو، للأمريكان، وبالطبع لا للبريطانيين منذ تنفيذ بريطانيا لدورها الخارجي الرديف لدور الولايات المتحدة وبالاخص في البلقان.
ورغم اعلان منظمة 17 نوفمبر عن مسؤوليتها، فإن احداً من اعضائها لم يقع حتى الآن في قبضة السلطات اليونانية ومنذ تأسيسها في عام 1973م في اعقاب قمع الجيش اليوناني للتظاهرة الطلابية في مبنى جامعة البولتكنيك في اثينا.
والسؤال الآن على الاقل فيما تطرحه الصحافة البريطانية هو، هل ان البريغادير ستيفن سوندورز ذي الاثنين وخمسين عاما سيكون مقدمة لقائمة طويلة من تصفية الحسابات مع دور بريطانيا الخارجي، وهل آن الأوان للاصغاء لرأي المواطن البريطاني والعديد من نواب البرلمان، من ان الالتقاء مع الولايات المتحدة الامريكية لا يفترض بالضرورة اتباع ذات السياسة الخارجية لأمريكا, ذلك لأن المصالح البريطانية هي ليست المصالح الامريكية كما ان تاريخ بريطانيا هو ليس بتاريخ امريكا.
|
|
|
|
|