| عزيزتـي الجزيرة
عزيزي ساكن الدنيا!!
قد تكون أنت أطول عمراً مني وقد تكون أكثر خبرة مني وقد تكون ممن تلقى طعنات التجارب المرة في قلبه فذاق طعمها وعرف نوعها، ولكن لا يمنع ذلك من ان أوصل لك أمانة التبليغ فلربما كان (سامع أبلغ من متكلم)، وصغير أعقل من كبير وفقير أغنى من تاجر وطالب احذق من طبيب عفواً أعلم من معلم.
عزيزي ساكن الدنيا!
كم مرة سافرت وتجولت في ربوع الدول؟!
تقول عشرات المرات ربما! ولكن كم مرة سافرت في ربوع النفوس المحيطة بك؟ وكم مرة تعمقت في بواطن النفوس المحبة؟! عادة من يشتغل بِهمِّ نفسه ينشغل عن همِّ غيره هذا عادة، ولكن هذا لا يمنع أن تكون أنت على غير تلك العادة أي أنك كما تتجول في ربوع الدول لا مانع من ان تتجول في ربوع النفوس عندها صدقني ستشعر بسعادة تخالج داخلك ونشوة فرح تنازع أحاسيسك ستجد نفوساً شتى وربوعاً متنوعة منها الأخضر اليانع والواحة الفارهة والدوح الظليل، ومنها اليابس المتقشف والألم الكامن والجراح المستمرة غير أن ذلك لا يمنع من أن تزرع فيها العشب وتسقط عليها شيئاً من مزنك الصافي,, مرة واحدة فقط عندها ستشعر بإحساس غريب يرغمك على إكمال مشوارك لأنك حتماً ستجد من هو في حاجةٍ لخدماتك,, نصائحك,, تجاربك,, أسفارك أو ربما يكون هو في حاجة لك أنت,, لذاتك!!
جرب مرة واحدة فقط وستكون بعدها أنت الحكم ولا تجعل للشيطان عليك سلطاناً فقد يشعرك بأن هذا تطفل,, تدخل في خصوصيات غيرك فبالطبع انت إنسان والإنسان قد أنعم عليه الرحمن بالعقل فهو قادر على التمييز بين التطفل والتدخل وبين الواجب عليه عمله.
تتقافز الحروف في مخيلتي وانا اكتب لك ساكن الدنيا وتراود نفسي هواجس وأفكار في أيها أطرح وبأيها أتحدث ولكن عزيزي ساكن الدنيا!! تخيل معي لو اتاك شخص ما وأنت في حالة صمت وعلى وجهك تبدو علامات الحزن وأنت في أي شهر من شهور السنة ولنقل في شهر رجب وقال لك (كل عام وأنت بخير!!) صِف لي شعورك في تلك اللحظة هل سترد عليه؟! أم تبادر لقياس درجة حرارته؟ أم تدعوله بالشفاء العاجل؟ أم تدير ظهرك عنه؟ أم تصيبك حالة غريبة واستخفاف به وتطلق العنان لضحكاتك؟! أليس هذا غريباً؟! خصوصاً إذا كنت تعرف عن هذا الشخص العقل والحكمة والاتزان!! ربما يكون كذلك وربما يكون رجلاً أعته مجنوناً فتتمنى له الشفاء العاجل ولا تستغرب منه ذلك، وعلى النقيض إذا كان صاحب التهنئة ذا عقل فإنك في البداية تستبعد أنه هو قائلها ولكن يمكن أن تفكر في تلك الكلمة وتراودك الظنون في أنه يقصد شيئاً ما أويرمي لأمر ما لأنه لم يقل لك مبروك حمداً لله على السلامة، وليس الشهر أول أيام السنة حتى يهنىء بحلول سنة جديدة، ولم تكن الأيام أيام عيد فيتمنى لك عيداً سعيداً وعمراً مديداً حافلاً بالخير والعطاء!!
خلاصة ذلك جوانب كثيرة متعددة ولكن عل ابرزها:
عليك اختيار الوقت المناسب للحديث في الشيء أياً كانت أهميته (لكل مقام مقال)، ومن ذلك أيضاً تفهم أن الكلام الموجه إليك ليس يعني كله أمرا واضحا لك فقد يقصد المتحدث إليك شيئاً آخر أي أن عليك فهم الأمور ومغزى الكلام والتروي في الحكم وتحري الإجابة الصحيحة، ومنها تعلم أن الدنيا فيها من العقلاء ما يكفي وليست قاصرة على مجانين الحي الذي تسكن أنت فيه.
تأمل حال السكان,, اتعظ بهم فالسعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره,, إن رأيت ذلك يبكي حاول التخفيف عنه فلربما كان في حاجتك أنت دون سواك، وإن رأيت ذلك يضحك فاسعد له ولا تحسده على حاله، فالمؤمن لايتمنى زوال الخير عن الغير فقد يكون ذلك الشخص علىضحكه في أسوأ حالة ولكنه يا عزيزي هو الهروب من واقع حزين بضحكات علَّها تخفف عنه ما يعانيه,, وإذا رأيت ذلك في حالة صمت فحاول أن تلتزم أنت بالصمت لأنك في النهاية ستكسب مهما كانت النتيجة لا تقل كيف؟ لأنني سأجيبك ولن أدعك تحارب وحدك الحيرة,, إن طال صمته فإنه حتماً سيتحدث معك فتستفيد، وقد يطول حديثه أو من غير أن يشعر فيتحدث معك, عما كان يفكر فيه، وإن طال صمته ولم يتحدث ربما كان ذلك افضل لك فقد يتحدث عن شيء يغضبك أولاً تستفيد منه شيئاً أو قد يجره حديثه إلى الخوض فيما لا يعجبك فتندم وتقول ليتني ما حدثته وإن لم يطل صمته وأحس بوجودك أو نظراتك تجاهه فإنه سيقطع حبل تفكيره ويوجه لك إحدى ابتساماته حتى وإن لم تكن بتلك الطلعة البهية، يكفيك في النهاية أن تحصل على ابتسامة دون مقابل لتخرج بتلك الابتسامة منتصراً ومنها قد تعرف فيما يفكر ذلك الصامت!!
عزيزي ساكن الدنيا,.
أتعلم أن الظنون ما تزاحمت على أمر مستور إلا كشفته؟! إذاً لماذا تجعل نفسك محطاً لشكوك من حولك؟! أظهر لهم حقيقتك، حقيقة أخلاقك,, صفاتك,, وكل ما من شأنه أن يبعد عنك صفة النفاق، فكن أنت في الحرص على تفقد عيوبك كعدوك لتسارع في تغييرها فاجعل بينك وبين تلك العيوب ثأراً قديماً وصفِّ معها عيوبك عفواً حساباتك فأنت تعلم أن العاقل من عقل نفسه عن المحارم وأبعدها عن الشبهات وسعى سعي المجاهد لعله يلامس سماء الفضيلة ولا تكن مثل ذلك الأحمق الذي فقد بحمقه ما يحمله من عقل,, عزيزي,, يا من ستفارق الدنيا!!
أنت الآن على مشارف نهاية,, نهاية عقد إيجارك مع الدنيا,, فماذا أعددت لذلك؟!
هل معك ما يكفي لدفع الإيجار، وقبل ذلك هل معك ما يكفي لتأمين السكن الثاني؟!!
عزيزي ساكن الدنيا,, الآن انتهت رحلتي معك علني ألقاك في رحلة أخرى وبصحبتنا جمع من العقلاء من ساكني الدنيا,.
عزيزة القعيضب
|
|
|
|
|