| محليــات
أصبحنا في الآونة الأخيرة نسمع عن لتٍّ وعجنٍ حول موضوع كفالة العمل يتحمس له بعض المنظمات الحقوقية وبعض الكتاب العرب في الصحف والجرائد بالخارج, ولعلّ وجه الاستغراب هو تصويرهم لكفالة العمل التي تحرص على تطبيقها دول الخليج كما لو أنها عمل شائن أو أنها سلاسل واصفاد تكبل أيدي العمال وارجلهم وتجعلهم حبيسي زنزانة من أربعة جدران.
حتىاننا اصبحنا نلحظ اسلوب بعضهم في تناوله موضوع الكفالة وتعبئته نفوس القراء بأخطارها ومضارها انما ينطبق عليهم المثل الشعبي (مع الخيل يا شقرا) يتحدثون ويحللون عنها دونما استيعاب لدواعيها ومراميها ونفعها, وظل البعض يخوض فيها كما لو كان يهرف بما لا يعرف ولا سيما حينما يتناولونها من أحادية الجانب .
وسأنقل لكم أعزائي القراء محتوى حوار أجريته مع احد الكتاب العرب ممن تناول كفالة العمل بالشجب والتحريم بوصفها ويلاً وثبوراً على العامل, والحق ان هذاالرجل الذي سوف اطلق عليه اسم سمير انما هو رجل فاضل ولكنه انجذب مع الغير في مسألة مع الخيل يا شقرا وقد استأذنته في نشر حواري معه ولم يمانع بعدما ابدى لي اسفه على سوء فهمه لمناحي ودواعي كفالة العمل بعدما شرحت له أبعادها وإليكم الحوار:
قلت: الأخ سمير,, لقد قرأت تعليقك على مسألة كفالة العمل المطبقة في دول مجلس التعاون وبالذات بالمملكة العربية السعودية المنشورة في جريدة,,,, الصادرة في لندن, الذي تصف فيه نظام الكفالة بأنه استغلال للعامل وحبس لحريته ومصادرة لحقه وان ذلك يتنافى مع مبادىء حقوق الانسان,, إلخ, فهل تعذرني في سؤالك عن مفهومك لكفالة العمل؟!
قال باندهاش : والله عجيب,, كفالة العمل معروفة وانكشفت مساوئها, وهي ان صاحب العمل عندكم يحضر العامل المسكين من بلاده ويقفل عليه في الورشة او المصنع أو المكتب او في البيت ويحتفظ بجوازه لديه ولا يغادر مقر عمله الا عند تسفيره,, ولاشك ان فيه حبسا لحرية العامل واجحافا في حقه واستغلالا له, ولم أقل ذلك لوحدي، بل سبقني غيري في ذلك.
قلت: عفواً يا سمير، لقد ارحتني بتعريفك هذا لمفهوم الكفالة لانني سوف اجيبك فورا بأن هذا الفهم سواء جاء منك او من غيرك إنما هو خطأ,, خطأ,, خطأ.
قال: باستغراب: كيف؟
قلت: باختصار، كفالة العمل مؤداها ان يكون الآجر صاحب العمل شخصا اعتباريا معلوما لدى السلطة, وهكذا فإنها واقعيا وتطبيقيا إنما تمثل أعلى درجات حماية حقوق العامل في وظيفته وفي أجوره وفي تعويضاته ,, ولعلمك فقد اثبت التاريخ التشريعي السعودي لكفالة العمل نجاحا منقطع النظير فيها, فقد كانت سندا قويا للعامل في سبيل التمتع بجميع حقوقه، بل هي تشكل ضمانا للدولة بالتزام صاحب العمل امام السلطات السعودية بتأدية جميع حقوق العامل.
قال: كيف، وضِّح لي,, فلم اقتنع بعد!؟, قلت لك ان تشريع كفالة العمل يرجع تاريخه الى اكثر من ستين عاما فقد استُنَّ وقت حكم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مؤسس هذه الدولة اذ جاء هذا الشرط من منطلق الرعاية الإنسانية المستمدة من ديننا الحنيف وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم,, يهدف الى تكريس مسؤولية ولي الأمر في سرعة رفع الظلم عن العامل فوراً وإلزام الآجر بدفع أجر الاجير قبل ان يجف عرقه.
فلو افترضنا ان الآجر صاحب العمل لم يكن معلوما لدى السلطة اي ان اسم صاحب العمل غير مذكور في جواز العامل، فإن هذا العامل سيبقى اسابيع بل أشهراً حتى يثبت للسلطة بالدليل من هو آجره (صاحب العمل).
وقتها سيبقى العامل هذه المدة في بلد الغربة ربما بلا مورد ولا أكل ولا شرب وهو بعيد عن اهله.
اما عندما يتقدم العامل بما يسمى بدفترة الكفالة وفيه اسم صاحب العمل الذي تعاقد معه منذ قدومه الى البلاد مذكور في البطاقة فإن السلطة وقتها لن تحتار في اثبات العلاقة القانونية، بل ستباشر فورا في ارغام صاحب العمل الآجر بأن يؤدي فورا حق العامل من اجور وتعويضات وتأمين وسيلة السفر مجانا للعامل الى بلاده, وهذه جميعها تكفلها أنظمة العمل في المملكة العربية السعودية.
أما ما قيل عن تكبيل العامل بالكفالة فإن هذا تجنٍّ على الحقيقة إذ إن العامل غير مرتبط بصاحب العمل الا في حدود ساعات العمل الثماني وما عداها فالعامل يسكن وينام حيثما يشاء, يأكل ويتفسح حيثما يشاء, أي ان حقه في الحرية غير مصادر وليس كما يزعم البعض.
قال: هل تريد ان تقول بأن ما تسميه دفترة الاقامة انما هو بمثابة بطاقة عمل أو بالأحرى عقد عمل يُحدَّد فيها اسم صاحب العمل ومهنة العامل وتاريخ تشغيله منذ وصوله.
قلت: عليك نور ,, أحسنت,, الآن قلت ذلك نفسك, هذا صحيح وليت الآخرين فهموا ذلك, ولعلمك فإن دفترة الاقامة او ما أسميتها بطاقة العمل تعتبر إثباتاً لعلاقة العامل مع رب العمل وتنص على توفرها تعليمات منظمة العمل الدولية واتفاقياتها.
قال: إذن لماذا يضيق بعض العمال بكفالة العمل ما دامت هذه في مصلحتهم؟ قلت: أبشر سأوضح لك ذلك بالتفصيل.
(لعدم اتساع العمود، للحوار بقية في الاسبوع القادم).
والله المستعان.
|
|
|
|
|