| منوعـات
قبل سنوات دعت مؤسسة أهلية عدداً قليلا من الناس ممن كانوا يهتمون باستخدام كمبيوتر ماكنتوش لحضور ندوة حول مستقبل الكمبيوتر في العقدين القادمين (الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين) كانت القاعدة التي طرحها المحاضر ان الكمبيوتر يصغر ويقوي ويرخص، لم يكن هذا هو المهم لأننا في تلك الفترة بدأنا نتعود على هذا المسار التطوري للكمبيوتر, ما أثار اهتمامنا كان العرض الخيالي الذي قدمه المحاضر كما لو كان عرضا من عروض أفلام الخيال العلمي, كان المحاضر يقدم عرضه على جهاز محمول (كان مدهشا في حينه), من خلاله اجرى مكالمة تلفونية، في تمثيلية محكمة، مع فندق صغير في البرازيل يطلب حجز غرفة صغيرة في فندق بريودي جانيرو ثم طلب من صاحب الفندق أن يسمح له بالتجول في غرف الفندق ثم بدأ يتصفح مجموعة الصور المتحركة حتى استقر على غرفة من الغرف وطلب من صاحب الفندق حجزها له، ثم أعاد الاتصال مرة اخرى وطلب من خطوط بان امريكان الرحلات المتوجهة الى ريودي جانيرو، فظهرت أمامه مقاعد الطائرة كاملة مبينا فيها المقاعد الخالية والمقاعد المحجوزة والمقاعد المسموح فيها بالتدخين والمقاعد غير المسموح بها التدخين, وحدد المقعد المناسب له ولزوجته، ثم كبس زرا صغيرا فانتقل الى ورقة عبأ فيها رقم الفيزا وسدد على إثرها قيمة التذكرة لا أحتاج أن أسرد كل ما قام به فكل منا الآن يستطيع أن يتم الحكاية, ولكنا لم نستطع في ذلك الحين ان نتصور أن هذا يمكن ان يحدث بهذه السرعة وبهذه الجودة, الآن نعي ذلك الحلم ونستطيع أيضا نمضي قدما في ذلك الحلم,, فمسار الحلم تم تحديده ويمكن بقليل من الخيال ان نضع المستقبل بين أيدينا, ولكن أي مستقبل سيدخل في نطاق خيالاتنا، فبقدر ما نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل سنجد أمامنا كميات كبيرة من الغموض, وربما كان غموضا اشد من غموض المستقبل في الماضي عندما كان المستقبل تحت إدارة وتوجيه المفكرين والفلاسفة, فالتنبؤات المتاحة الآن تتعلق بالتقنية فقط، ولا يوجد من يعمل الآن في حقل الفكر بالقدر الذي كانت توفره العصور الماضية, فالنصر الامريكي الساحق على القوى الأيدلوجية وضع البشرية على مسار التكنولوجيا مبعدا بذلك تأثير المفكرين, فالأجيال الجديدة لا تعرف مفكرا تشعر تجاهه بالامتنان أو بشيء من التقدير, فحياة الجيل الجديد مليئة ببل جيتس وبالمر واليسون,,, الخ, وكل هؤلاء من اصحاب الشركات الذين يصنعون مستقبل العالم دون حاجة لمفكرين، وربما يرون ان العالم بلا مفكرين سيكون افضل, فعلى طول التاريخ الإنساني الذي كان قاده المفكرون كانت الصراعات تتخفى خلف ما يطرحه هؤلاء المفكرون من أفكار وأحلام.
بينما يرى هؤلاء المهندسون ان العالم الذي يحلمون به هو عالم حقيقي ربما يوفر للإنسان الرفاهية التي سرقته منه كل الايدلوجيات ومكنت الطغاة من السيطرة على العالم, الإنسان مازال اسير الرؤيا القديمة، لأن معظم الذين يسيطرون على الحياة ويوجهونها هم ممن عاش حقبة الفلاسفة وتربوا عليها الامر الذي يجعل نظرتهم للمستقبل مشحونة بكثير من قيم الماضي، اما الأجيال الجديدة الذين مازالوا تحت سن العشرين فلن يشعروا في يوم من الأيام بأي أسف على الماضي الذي صنعه الفلاسفة, فالمفكرون اجمعوا تقريبا على مركزية القيم (اموت من اجل افكاري) بينما يثبت التاريخ مرة تلو الاخرى ان الإنسان لا يموت الا من أجل بطنه.
دعونا نحلم مع المهندسين او على الأقل نعطيهم فرصة.
لمراسلة الكاتب: Yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|