أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th June,2000العدد:10117الطبعةالاولـيالسبت 8 ,ربيع الاول 1421

الاخيــرة

بعض الكلام ,, عن الطعام
أنور عبدالمجيد الجبرتي
* لكل أمة مزاجُها الوطني فيما تَطعمُ وتلبس.
* وكل أمة بطبقها,, أو أطباقها الوطنية معجبة.
* والطعام الوطني يرتبط,, في الذاكرة الوطنية,,بأمور أكثر من مكوناته الطبيعية أو طريقة إعداده، وتقديمه.
انه من امتدادات النشأة الأولى,, حيث تختلط روائح الطعام، ومذاقه بالأماكن القديمة,, والزمن البكر,.
ومجالس الأهل والرفاق،
وأحداث اللقاء والفراق,.
وشوق الشباب والكهول والشيوخ، إلى الزمان الأول البريء,.
حيث أب شيخ قضى,, ومضى،
وعجوز,, رؤوم ملت زمانها,, ورحلت،
وإخوة كانوا يوماً صغاراً متجمعين حول قصعة طعام، ثم انتشروا,, لاهثين في كل حدب وصوب، مبهورين مخدوعين بالتوتي فروتي والسكالوب بانييه
والشوكليت سوفلييه .
* ومع ذلك فأنا أعلن تحيزي لمزيج الحنطة، والتمر، والسمن.
ونفثات الجمر عليها وان ثمة ما يميز الطعام العربي الأصيل.
انه ذلك المزيج من العناصر الطبيعية الأصيلة,, بلا احتيال على الطعم والمذاق ببهارات أو صوص ، وبلا خداع للنظر,, بإضافة ألوان,, وديكورات,, تشغل انتباهك بالحواشي والهوامش وتصرفه عن جوهر الموضوع.
انه طعام,, واضح,, وسط,, في أمة,, أراد الله لها أن تكون وسطاً,, في طعامها,, ولباسها,, وشؤون حياتها,.
حتى ولو اشتط المشتطون، وأسرف المترفون، وبالغ المبالغون.
* ان مما يلفت الانتباه ان المطبخ العربي الأصيل القديم، لا يكاد يكون له وجود في خريطة أطباق العالم.
ولعل ذلك لا يثير إشكالية ذات وزن، في غمرة القضايا والمشاكل التي يعيشها عالمنا اليوم.
ولذلك فإنني لا أطالب بعرض هذه القضية على مجلس الأمن أو حتى الجامعة العربية خوفا من حل حاسم,, سريع.
* لقد نظرتُ في دائرة المعارف البريطانية فوجدت,, أننا مصنفون مطبخيا ضمن منطقة الشرق الأوسط التي تتميز حسب رأيهم بزيت الزيتون، والباذنجان الأسود، واللبن الزبادي وبالطبع بابا غنوج ، والتبولة، والحمّص بطحينة، والبقلاوة، ومحشي ورق العنب.
دائرة المعارف البريطانية تستعرض مناطق العالم مطبخيا من أقصى الشرق الى أقصى الغرب,.
من منطقة الرز والكاري شرقا حتى منطقة الذرة، والبقول، والفلفل الحرّاق في امريكا الجنوبية,, مرورا بمطابخ وطنية هزيلة لا سمعة ولا طعم ولا رائحة لها، مثل المطبخ البريطاني والألماني والنمساوي.
ولا أريد أن أتوسع هنا خوفا من الاساءة الى العلاقات العربية الاوروبية خصوصا ان الملوخية بأرانب,, وبغير أرانب,, لم يرد لها ذكر إطلاقا,.
وكذلك الكُبة,, اقراصا أو صينية، دمشقية وموصلية.
مما قد يشير الى وجود مؤامرة صهيونية امبريالية للالتفات الحلزوني على مقدرات الأمة العربية وقضاياها المصيرية، والانقلاب التحتاني المنبعج على علاقاتها الهضمية التاريخية.
* وأقول: لعل في هذا المرور العابر على مطبخنا خيرا كثيرا.
وجود الحنيني ,, والكبسة ,, وامثالهما بعيدا عن الاهتمام، هو الذي وفر لها الحماية من عبث التطوير الذي قد يؤدي بخصوصياتها,, وبفقدها,, أصالتها المعتقة,, وبخاصة تحت ضغط الترويج التجاري,, وحمى المطاعم ذات الوجبات السريعة.
فكم عانت طبخات أصيلة,, جميلة من محاولات التجميل المتعسف، والموضة السخيفة,, ففقدت ملامحها,, وعلاقتها بماضيها الجميل.
* ان خير طعام العرب الثريد ، يجمعهم حول إناء واحد,, وهم أحوج الى أن يجتمعوا عليه بعد أن فرقتهم آنية شتى من أطعمة الشرق والغرب.
ولعل قائلا يقول بعد ان تعددت المذاهب والسياسات والافكار، وتفرقت الطرق ان الطريق الى الوحدة العربية يمر من المعدة العربية، عبر استعادة الأصالة الى المطبخ العربي، وإراحة المعدة العربية من تلبكات الاطعمة المستوردة.
* وربما إذا استرجعنا,, واستعدنا مذاهب طبخ ثريدنا وأفكارنا,, وسياساتنا,, سنريح العقل العربي من تشوشات الاغتراب,, والانفصام,, والاستلاب.
* لعل حنطة ,, وتمرا,, وسمنا,, ونيران موقد دافئ,, هي الوصفة ,, المناسبة لأمراض سياسية,, وفكرية حار فيها الطب,, السياسي,, والاجتماعي.
أو لعلها تخريصات,, كهل,, يريد العودة الى طفولته,,بعد أن مل وضجر من المارون جلاسييه والشاتو بريان والسكوب بانييه يعلل النفس بالآمال,, حتى لو كانت رغيف ,, خبز,, بر,, ساخن,.
أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved