أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th June,2000العدد:10117الطبعةالاولـيالسبت 8 ,ربيع الاول 1421

محليــات

لما هو آتٍ
التفاهم: ضالتهم
د,خيرية إبراهيم السقاف
جلس إليَّ يتحدث عن شيء من هموم يعيشها أصحابه وهم في مقتبل العمر، يشعرون بأن السنوات قد تكوّمت فوق كتوفهم، ولما بعد يتحقق لهم الشيء القليل من أحلامهم، أكبرهم لا يتخطى الثامنة عشرة وأصغرهم أقل منه بعامين أو ثلاثة، وملخص همومهم: تعامل الأسرة، العلاقة في المدرسة بينهم وبين معلميهم، أو في الجامعة وهم في أولى خطوات تجربتهم مع نظام تعليمي لم يعتده أحدهم من قبل.
فجأة قال: لماذا لا تكتبين عن التفاهم,, إذ يبدو لي يتم حديثه أنه محور هذه الهموم,, وعليه تقوم أو عنه تذوب,.
التفاهم، ذلك الشاب فقد علاقة التفاهم مع والديه، ذلك لأنه لم يجد أحداً يقف معه طيلة مرحلة دراسته منذ بدأ في المرحلة المتوسطة، توقف إشراف أسرته على دراسته بحجة أنه كبر، وأنه غدا رجلاً يستطيع أن يؤدي واجباته، ويشرف على أموره,.
وهو في تلك المرحلة، كان يعاني مواجهة خصائص كثيرة تدخل في مرحلة النمو النفسي، والعقلي، والوجداني، والجسمي، إلى جانب حاجته إلى نمو مداركه ومعارفه واتساع خبراته,, ومواجهة كل خبرة بما يليق بها من الرعاية والعناية,,، وهو لم يجد أحداً، وكان كلما لجأ إلى أحد والديه وجده يتوقع منه ما لا طاقة له به، فيذهب هارباً إلى الصحب، وعندما يخفق في درس، أو في تبديد وقت، أو في تحقيق رغبة لهما، تنهال عليه قائمة الكلمات التقريعية ذات اللوم الشديد، والأذى الأشدّ مما يقع على نفسه في مواقع الحزن والألم,, فيزداد هروباً، فانطواء,, ففقد ثقة,,، ويعجز أن يواجه الدراسة في الثانوية، وهو بكل ما أوتي من عزيمة يجتهد حتى يحقق مستوى، ولكنه متدنٍّ لا يستطيع أن يواجه به متطلبات الجامعة، وعندما يعود إلى التفكير في الأسباب، يرمي باللائمة على والديه اللذين وضعا حدّاً بينهما وبينه، وهما يظنان فيه ما ليس فيه، إذ لا يمكن أن يكبر الإنسان فجأة بين إجازة صيف حصل فيه على شهادة الابتدائية، وبدء فصل دراسي يبدأ فيه دراسته في الصف الأول المتوسط، فستون يوماً ليست ستين عاماً كي يحسب الأبوان أن ابنهما شبَّ ولم يعد بحاجة إليهما, ويدخل الجامعة، ولكنه يفشل لأن نظاماً جديداً لم يألفه، وأسلوب تعامل أجدّ لم يتعود عليه، وطريقة دراسة لم يكن لها أي مقدمات سابقة,.
ولشدة انطوائه وخجله، لا يذهب لمدرِّسيه، ولا يلتقي بموجِّهيه,,، فيفشل في دراسته، ليزداد بُعدُ والديه عنه، ولتتسع الشقّة، وتعمق الفجوة، ويُمعنان في التخلي عنه.
ومحور كل ذلك فَقدُ اسلوبِ التفاهم الذي أشار إليه الشاب النابه وهو يطرح هموم رفقائه,.
فالناشئة تحتاج إلى برامج تربوية لا تقف عند حدود المدرسة، ولا المنزل، ولا المجتمع، كلّ على حدة، بل يحتاجون إلى برامج توعية شاملة للوالدين، وللمعلمين، وللمراهقين أنفسهم: كيف يمكن أن تقوم العلاقات التفاهمية والتبادلية بين هذه الفئات وبينهم؟ في محاولة جادة لأن تناسب هذه البرامج خصائص مراحلهم، وتحقق الوصول إليهم في شيء من الثقة، وبناء جسورها، على وعي بما تتطلبه حاجاتهم ويناسب مداركهم، فمخاطبة كلٍّ على قدر إدراكه من أوَّليَّات قواعد التعامل في التربية الإسلامية, إذ لا يفوت على الجميع أنَّ مناط النجاح في تربية الأبناء والتعامل معهم هو الاعتماد على التربية الإسلامية، لأنها نابعة عن توجيه الخالق للإنسان بما يَخبُرُه عنه ربه تعالى الذي خلقه، والذي وحده تعالى من بيده هدايته وتوفيقه وعصمته وتربيته.
إن الوالدين عليهما العودة إلى أبنائهما لاستدراك ما غاب وما تم التفريط فيه,.
ولعل فترة الإجازة تكون زمناً كافياً لهما كي يلفَّا الحضن حول أبنائهما سياجاً يمنحهم الاطمئنان والسكينة، ويقرِّبهم منهما كي تبدأ خطوة جديدة في طريق التفاهم,,، وليس أحبّ ولا أحنّ على الأبناء من والديهما,,، فهم بحاجة إلى الراعي، وإلى الموجِّه، وإلى السَّند في شتاتٍ عامٍ يحيط بالشباب، ويستنفرهم للهروب من محاضن الوالدين، فكيف إن هم وجدوا آباءهم وأمهاتهم يدفعونهم إلى ذلك دفعاً؟ أليس في ذلك تخلٍّ عن الأمانة وأداء الواجب والرسالة؟!
إنني أكتب هذا,.
بلسان فئة من الشباب,.
حالهم يقول: أينكم عنا أيها الآباء؟,.
ألا تعلمون أننا زوَّار لديكم ما نلبث أن نغادركم ونمضي؟
فكيف هو احتفاؤكم بضيوفكم؟!,.
فعلى قدر إحساسكم تكون ضيافتكم,,، قبل أن يمر الزمن بكم,,، ويذهب فيه المرء منكم إلى استعادة الأحلام، وطرح الأمنيات، والتباكي على ما فات، والوقوف على الأطلال.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved