أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th June,2000العدد:10117الطبعةالاولـيالسبت 8 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

همزة ، عين، قاف ، تاء
أعباء الصيدليات الأهلية!!
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
كنت اقرب ما يكون عبدٌ آبق إلى ربه؛ لمخاوف من وُرَيمة في القولون ظننتها من الورم الخبيث، فانتابتني وساوس خلال ثلاثة أسابيع، ولم أذكر إلا ذنوبي؛ فلطف الله إذ كانت من الورم الحميد، وأزيلت بالمنظار، وكانت سلوتي بأمرين:
أولهما: رقيتي لنفسي مرارا، والإكثار من قراأة سورة الفاتحة على ماإ زمزم والعسل والحبة السوداأ، والاكثار من قراأة (إياك نعبد وإياك نستعين) والدعاأ بدعاإ أيوب وذي النون ونوح عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام، والابتهال دبر كل صلاة لا سيما بعد الفجر، والمغرب بكل دعاإ مأثور صحيح عن الشفاإ وذهاب الغم,, لا أزال على هذا الوضع حتى ينشرح صدري مع الإكثار من الاستعاذة بكل صيغها الثابتة شرعا، وكلما عادت اليّ المخاوف والوساوس عاودت الذكر والرقية والفرار الى الله.
وثانيهما: الاحسان الكبير الذي يرفع الله به الدرجات من قبل سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وحرمه أم نواف متع الله بهم، فبالمصادفة دلاَّني على انجح دكتور في امراض القولون وهو الدكتور طه عبدالقادر فرح وزميلاه حنفي مصطفى حنفي وحامد السباعي,, مع مواساتي بين الفينة والفينة، وتشجيعي، وتقوية ايماني، وتطميني بنتائج الكشف والزراعة التي اسفرت عن السلامة من المرض الخبيث ؛ فلله الحمد كثيرا، وسبحانه جل وعلا وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشة، ومداد كلماته,, وبهذه المصادفة السعيدة تخلَّصت من نير المستوصفات الاهلية طيلة ربع قرن؛ فكنت لا امشي الا بسكر النبات في جيبي من يبوسة الريق بسبب كثرة العلاجات، واسود ما تحت جفنيَّ، وغزتني تجاعيد في الوجه على عجلٍ، وكنت معمل تجارب لكل الادوية، وما منهم من قال: اكشف بمنظارين قبلا ودبرا,, وفي المرة الاخيرة اطلتُ الجدل مع الطبيبة التي اعتاد عيادتها عن كثرة العلاجات وتنويعها، وعدم معرفة الداإ بتشخيص سليم؟,, فكان الجواب: الصحة سليمة بحمد الله زي الفل,, بس شويَّة طفيليات، والأمعاأُ بعيد عنك عيَّانة ,, وبفضل الله ثم بفضل المصادفة السعيدة والتوجيه الغالي، والرعاية الكريمة من حرم سموه جزاها الله عني خير الجزاإ : اتضح انه لا طفيليات، ولا أمعاأُ عيانة ، ولا علاجات مضاعفة، بل وريمة حميدة زالت فزال الداأُ ولله الحمد كثيرا، وجزى الله المحسنين خير الجزاإ.
***
على الرغم منها عادت حليمة:
خلال الاسابيع الثلاثة التي ذكرتها آنفا كان وقتي كله مصروفا للعبادة والدعاإ والقراأة والبحث والكتابة,, وكنت سئمت (1) من الشاشات الفضية بما فيها من سخف فني يعتمد على الصور والمناظر التافهة، والاصباغ، والعناق المفتعل، واللحن القرقاعة، والكلمة المجدبة، والاداإ الشبيه بالمواإ تارة والبعبعة تارة,, إلا انني مرة لمستُ الزر فوجدت وصلة من حفلة قرطاج يتفنن شاديها ويتهدج بمقطع من الطير المسافر على النهج المملوإ كلاسيكية ورومانسية معاً بلحن عبقري؛ وأداإٍ يأخذ بتلابيب القلوب؛ فأصغيت مجبرا مستمتعا، وعاودني منسي الهوى، ومكتوم الصبابة!!,,, ولقد قلت لكم: ان ظرفي في هذه الاسابيع ظرف أقرب العبيد الآباقين الى ربهم، وما يخزني الضمير بأدنى تأنيب على هذا الاستماع الاريحي، وان ذكرى اقل ذنوبي لينغص عليَّ!!
ستقولون: عادت حليمة الى عادتها القديمة,, وأقول: إنما كان الانقطاع على فترات، وليس هذا هو المهم,, المهم أنني لم أحس أنني عملت معصية على انني لم أكن ممن قل احساسه لكثرة امساسه، فهل هذا الوجدان النفسي (من رجل مُأمنٍ طالب علم شرعي لم يمت قلبه) دليل على صحة ما ذهب اليه الامام ابن حزم رحمه الله وجماهير من العلماإ في الغناإ؟,, الذي اعتقد ان سماعه اذا تجرد من المحرمات مباح ، وترك سماعه افضل، وأنه لحظة علاج للتقوِّي، وانه لايسرق المؤمن عبادته وعلمه وتلاوته,, وليس بصحيح أبدا ان السماع والتلاوة وذكر الله لا يجتمعن، بل يجتمعن كما تجتمع التلاوة والذكر والعبادة وقرض الشعر وروايته والتفنن في العلم او الحرفة,, ولقد صدر هذا العام كتاب ضخم للاستاذ الدكتور سالم بن علي الثقفي المدرس بجامعة أم القرى في اباحة الغناإ، ولم يعجبني منهجه وان كان فيه حق كثير ؛ لأن محب السماع في دور المعتذر المتعلل، وليس في دور المهاجم لمن أنس بالطاعات دون المباحات، وليس في دور من يدافع عن حكم كأنه مستحب.
***
قُل: عيد الأضحى,, ولا حرج:
سمعت بعض طلبة العلم يتجانف عن النطق بعيد الاضحى، ويقول: عيد الضحية,, ومثل هذه البدوات تحصل عند طلبة العلم قبل ان يكِّلفوا انفسهم بالمراجعة، ولا خير في احكام بادإ (2) الرأي ,, ان العيد سواأً أضيف إلى الضحية أو الأضحية (وهي ما يذبح في أيام النحر، أو الإضحاإ من الضحى) كل ذلك جارٍ على وجه اشتقاقي صحيح ,, ولا ريب ان الاشتقاق من الضحى وهو من طلوع الشمس الى أن يرتفع النهار وتبيضُّ الشمس جداً ,, نص على ذلك ابن سيده في المحكم؛ سميت بذلك لأن أول وقت لذبحها ببداية الضحى، ثم تُوُسِّع بها عُرفاً على ما يذبح في جميع الأوقات المشروعة للذبح من أيام النحر.
قال أبو عبدالرحمن: ووقت الأضحية مشتق من المعنى المشتق وهو الضحية والأضحية كما انه مشتق من المعنى المشتق منه وهو الضحى.
قال ابن السِّكيت عن يوم النحر: سمي اليوم أضحى بجمع الأضحاة التي هي الشاة .
***
تفريع معاني ذكر الله، ومنهج التصنيف:
الدعاأُ من ذكر الله سبحانه وتعالى,, وذكر الله سبحانه يكون بحمد الله الذي هو ثناأٌ عليه بصفات الكمال، وشكر له على نعمه ,, ويدخل في الحمد تسبيح الله، وهو تنزيهه اعتقادا وقولا عن كل نقص,, أما هو سبحانه فمقدس غني عن تقديس غيره، وإنما جعل الله تسبيح الخلق وحمدهم من افضل العبادات؛ لينالوا ثواب ذلك: من أجر مضاعف ، وحط سيِّآت,, ويدخل في الحمد التهليل والتكبير؛ لأن ذنيك اعتراف بكماله؛ فذلك حمد له,, كما أنهما تسبيح لله؛ لأن الحمد يعني نفي النقص ضمناً كالتكبير، أو نصا كالتهليل؛ لأن نفي مستحق للعبادة غير الله تسبيح لله عن الند والشريك.
وذكر الله وان لم يتضمن اي صيغة دعاإ هو دعاأٌ في ذاته بالنص والاستنباط ,, واما النص فوارد فيمن شغله ذكر الله عن مسألته، وأما الاستنباط فآت من ذكر الله بأسماإٍ وصفات بذكرها يكون العبد في بركات مدلولها إنعاماً واستعاذة واتكالا كالرحمن الرحيم الحي القيوم القادر الجبار,, الخ، وآت بمعونة نصوص اخرى كذكر الله الذي يستشفى به من داإ أو أدواإ أو يُتحصن به من الشيطان والهوى,, إلخ ، فورود النص بتوظيف الذكر لهذا هو دعاأٌ في النتيجة,, ومثله شكر الله فقد ورد النص بزيادة الشاكر؛ فالشكر متضمن لطلب المزيد ,, ومن ذكر الله ما هو دعاأٌ نصا بمدلول الصيغة كصيغة اللهم وياحي ياقيوم، ويدخل في ذلك الاستعاذة والاستغفار؛ لانه طلب للاقالة من الذنب ، ويشفع به اعلان التوبة دليلا على صدق العبودية في الاستغفار,, ويدخل في ذلك السلام ورده فهما دعاأٌ، وكذلك الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم,, وذكر الله بأنواعه منه ما هو مطلق، ومعنى اطلاقه انه غير مقيد بوقت ولا حالة ولا مكان,, ومنه الذكر غير المطلق، وهو الموظف في اوقات واحوال,, ومن الذكر غير المطلق ما هو دائم متكرر وهو الدعاأ الموظف في أوقات متكررة من الليل والنهار، وفي احوال متكررة من يقظة ونوم وصلوات ودخول وخروج وجماع,, الى آخر ما هو دائر في العادة من الحياة اليومية,, ومنه ما يكون تكرره كل شهر كالدعاإ عند رؤية الهلال، ومنه ما يكون تكرره كل عام كذكر في ليلة القدر ويوم عرفة والأيام المعدودات من شهر الحج,, ومنه أحوال موسمية كالدعاإ عند رؤية البشرة وسماع الرعد,, ومنه حالات متكررة عند فرد دون آخر كالذكر الموظف عند سماع الديك ونهيق الحمار.
ومن ذكر الله المقيد ما وُظِّف للنوازل سواأً أكان عاما كالدعاإ على الكافر الغاشم في القنوات، أم خاصا بالفرد أو من يتعلق به من أهل وولد كالدعاإ للولد الفاسق، والدعاإ الموظف لداإ أو أدواإ نازلة.
وذكر الله بكل انواعه وقاية وعلاج، ويكون وقاية في الذكر المطلق، وفي ذكر مقيد بأوقات وبأحوال كبعض الادعية في الصلوات ، ومنه علاجي وهو ما كان للنوازل.
وذكر الله يكون علاجا ووقاية ,, يكون من الفرد لنفسه تعبدا محضا، ودعاأً واستعاذة في امور الدنيا والآخرة,, ويكون من الفرد لأقاربه وأصدقائه وإخوانه المسلمين,, ويكون لإمام المسلمين؛ لأن نفع الدعاء له إذا استجيب عام المصلحة.
قال أبو عبدالرحمن: على المرإِ أن يقسِّم دعاأه لكل هذه الأمور.
واذا كان ذكر الله دعاأً فمن آدابه التقديم بذكر الله حمدا وتسبيحا؛ فإن المرأ اذا طلب حاجته من مخلوق ولله المثل الأعلى قدَّم لحاجته بالثناإ الحسن والتحية.
وقد كثرت المصنفات في ذكر الله مطولة ومختصرة، وفي هذه الكثرة تكرار وتراكم، وعامة الناس غير قادرين على استيعاب الادعية لكثرتها؛ فهم بحاجة الى اختيار عالم محقق يقصرهم على الصحيح الجامع في مختصراته,, فإن اراد نفع الخاصة ومعاونتهم بتأليف مطوَّل فلا بد ان يكون عمله متميزا عن عمل من سبقه مكملا له او مستدركا أو مصححا أو معارضا مع تفسير الغامض، ورفع إشكال المشكل، ورد أخبار الآحاد والحالات الاستثنائية الى الاصول والنصوص الصحيحة العامة أو ذات الثبات الأكثر ,, ويقدم بالتحقيق الفقهي الاصولي لآداب الدعاإ وما يُفضي الى قبوله، ويثني بالمختار الصحيح من الذكر المطلق، ثم يوالي هذا الاختيار مقدما ما تعم به الحاجة كالأدعية الموظفة لأوقات معينة في اليوم والليلة، أو أحوال متكررة في اليوم والليلة كالنوم واليقظة، ثم ذكر الله في النوازل الفردية,, ويترك الذكر الموظف في العبادات كالصلاة والصوم والحج في آخر الأذكار الموظفة؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، ومن أوائل التعليم، ومراعىً في كتب الفقه، والله المستعان.
***
الحواشي:
(1) الرسم القديم: سإمت,, وما أثبته وهو المعتاد هو الأرجح من اجل اتصال حروف الكلمة.
(2) بينت كثيرا ان المراعى حركة الحرف لا حركة ما قبله، وأن الاحتفاظ بصورة الحرف أولى من كتابة رأسه على نَبرَة الا لمسوغ,, ولا مسوغ هنا.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved