أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th June,2000العدد:10117الطبعةالاولـيالسبت 8 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

مع الشيخ عبدالعزيز التويجري في كتابه
ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن 6
وفي الختام
وفي الختام أكتفي بما سبق في المقالات، وهي نموذج لما يمكن أن يسير عليه الفكر في بقية الكتاب، ولو وجدت الوقت لتتبعتُ الأبواب بابا بابا، ولكن خوفي (أستعير الخوف هنا من معالي الشيخ عبدالعزيز) ألا أجد الوقت سريعا وهذا ما جعلني أكتفي بما فكرت فيه بصوت مسموع، وحسبي أني أبنت مجرى فكري فيما قرأت في هذا الكتاب الذي أعدت قراءة بعض أبوابه أكثر من مرة، واخترت أوقات السفر التي أجد أن لا يقطع عليّ تفكيري أحد، وهي ميزة يعرفها كل من نهج هذا النهج.
والكتاب الذي نتحدث عنه كما جاء في عنوانه ذكريات من الماضي تصحبها أحاسيس، وكل ذلك صيغ بثوب من الاستعارة قشيب, لم يكتب هذا الكتاب للإنسان المعتاد، ولو كان الأمر كذلك لما اختير هذا الأسلوب البياني الجذاب, يحتاج القارىء إلى التأني في القراءة، وإعادة الجملة مرة، أو مرتين، أو أكثر أحيانا، ليتمتع بها، أو ليحيط بمراميها، القريبة والبعيدة، وليفكَّ الاشتباك بين بعض المعاني والجمل، لما فيها من تداخل سببه تزاحم المعاني ومحاولة كل معنى أن يسبق الثاني، والمؤلف المسكين صار في بعض المواقف مثل خراش الذي تكالبت عليه الظباء، فلا يدري أيها يصيد.
وأحيانا يحتاج القارىء أن يعيد قراءة المقطع من المقالة ليعرف مؤدى مجمل القول، وأحيانا يضطر إلى العودة لعنوان المقال ليعرف موقع المقطع أو الفصل منه، وهذه سمة الكتب الجادة، ذات المادة المهمة.
أعطى المؤلف مجملا لصورة الذكريات حتى أصبحت وكأنها لا تخص المؤلف، وإنما تخص جيله، وأحاسيس جيله، وهذا موطن من مواطن قبول الكتاب قبولا حسنا، لأن الحديث عن النفس أحياناً ينفر، ولكن الحديث عن الجيل كله حديث جذاب من أول وهلة، لأنه صورة لحقبة، والشيخ عبدالعزيز عندما تحاول نفسه أن تخدعه ليتكلم عنها ينفر نفور الطير، ويلقمها مبدأً عاماً، أو تصرفاً عاماً، لمجتمع عاش فيه هو وغيره.
لا يستطيع قارىء أن يخرج بالفائدة المطلوبة إذا ما اكتفى بقراءة مقال من الكتاب أو بعض الكتاب، لأن الكتاب صورة واحدة، لا تقبل التجزئة، خاصة وأن الأبواب كل باب يسلّم القادم إليه الى ما بعده، فأنت في يدٍ أمينة من أول مدخل إلى خاتمة المطاف؛ وليس للقارىء عذر، فالطباعة جميلة، والحرف ليس صغيرا، ولون الورق مختار، وحجم الكتاب سهل الحمل والتناول.
في الكتاب علامات على الطريق يراها القارىء طوال الرحلة: فالصحراء والخيمة والبعير والماعز والضأن والإبل والخيل، والشمس والقمر والرياح والمطر، والوديان والرياض، لا تفارق الملتفت أثناء الرحلة يمينا أو يسارا، والراحل سوف تجده في حالة من الصدق مع النفس ومع الناس، فهو في حيرة تجاه بعض ما لا يستطيع سبر غوره، لغموضه، وعسرته على التفسير ذي النتيجة الجازمة، ولهذا فالخوف ملازم له، ويضطر في محاولته لفهم ما عليه أستار أن يلجأ إلى السؤال، ولكن السؤال قد يأتي بسؤال، وقلّما في هذه الرحلة أن جاء الجواب قاطعا شافيا.
أعظم خوف احتلَّ نفس المؤلف الخوف من المستقبل لشباب البلاد، ومن الزحف الحضاري في العالم، وهو زحف سريع، ومخالف لما عرفه المؤلف في حياته الطويلة.
فصور هذا العصر في عينه معتمة، ويخشى ويخاف أن تزيد العتمة فتنمحي المعالم المعروفة، وتختفي الصورة، وهذا أمر مرعب.
وسيرى القارىء أن من أساليب المؤلف التجسيد، وجعل الأمور المعنوية كأنها كائن حي يمشي على قدمين، فيجعل هذا الكائن يتحدث بلسان يعتقد المؤلف أنه أفصح من أن يُتكلم باسمه، واختيار الصورة الخيالية التي بهذه الصفة يحتاج إلى مقدرة في الإلباس وفي الاستنطاق.
سيجد القارىء أن المؤلف استطاع التعبير عن بعض جوانب الحياة التي قد لا يستطيع أحدنا أن يتقن الحديث فيها، إما لعجز مفرداتنا أو أسلوبنا، أو لعدم تكامل الصورة في ذهننا، ولكن المؤلف استطاع أن يقول ما كنا نريد قوله فأجاد وأحسن، وفي الكتاب عدة لمحات من هذا ، وأقربها إلى ذهني الآن حديثه عن طفولته التي لم تكبر رغم احديداب ظهره، وليس هو وحده في هذا كما ذكر ولاحظ، ويتبع هذا تعبيره عمّا ترميه سنو الطفولة على سني الكهولة والشيخوخة.
أما التعابير البديعية، فالكتاب يكاد في كل جملة أن يحويها، وهذا مثل منها: نامت على عضد الزمن في العنوان، نرعى مواشينا الذهنية في هوامش التاريخ في فصل: ذكريات لا أملُّ من تداعيها, أتوق الآن أن أزرع على ورقي شيئاً من أشجار الطريق في فصل: لا أزرع شجرة لا تظلل متعبا.
سأبقى طفلا أحاول أن أرضع العبر من ثدي الحياة فصل: لا أزرع شجرة لا تظلل متعبا, وأخذها رديفة له على جمل العلم ، فصل: ألا تعودين بي يا راعية الغنم، وأخاف عليها عضلات العصر ، فصل: ألا تعودين يا راعية الغنم، وليتني أحلب من ضرع ذهني ، فصل : ألا تعودين يا راعية الغنم.
هذا قليل من كثير من صور مضيئة بالبديع ومحسناته، سوف تفتح لك بابا إن كنت ممن قد ولع بهذا الفن في إحدى دراساتك أو قراءاتك.
وبعد:
الكتاب سوف يملأ فراغا في رف المكتبة السعودية، وسوف يكون إضافة، مُرحبا بها في رف المكتبة العربية، ولا يوفيه حقه كما قلت إلا قراءة متأنية، لتتم بها الفائدة، والله المستعان.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved