| الاخيــرة
وجعل من حروف اسمك منطلق عتقك من النار، وفوزك بالجنة.
والموت نقاد على كفه
دراهم يختار منها الجياد
الموت حق، وكل حي سيموت، ولن يبقى إلا وجه الله سبحانه وتعالى.
وفقد الأحبة فقد حقيق، حرمان الحبيب من الحبيب، وانفراط عقد منتظم، يصاحب ذلك لوعة، ويسايره حزن، ومظهر ذلك دمعة حرّى على الخد، ولهب ممض في الصدر، وتنهد عميق فيه فوح الألم، وتنفيس الكلوم، وتخفيف الضيق المتراكم، واللهدة الجاثمة.
وليس للمؤمن بالله الا أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون , جملة فيها اللجوء الى الله، والأمل في لطفه واحسانه، والمنة بالصبر، والمساعدة على التقوى لمقابلة المصيبة، وتحمل وقعها، وأثرها.
ويزيد الألم اذا ما أتى خبر الوفاة مفاجئاً، في وقت لم يكن القريب أو الصديق مهيأ لسماع الخبر المؤلم، كما حدث لي اليوم عندما سمعت بوفاة الصديق الحميم، والأخ العزيز معتوق محمد جاوه، فقد عرفته منذ الصغر، عندما كانت القلوب مزرعة للمحبة، والصدور أصفى زهور وورود، كنا معا في المرحلة التحضيرية، قبل المرحلة الابتدائية، في المدرسة السعودية، في المعلاة، في مكة المكرمة، ودامت الصلة بيننا مع مرور الزمن، وقويت، وكانت الفرص أحيانا تسنح فتسمع لنا باللقيا بين حين وآخر، ولوجوده في مكة المكرمة ووجودي في الرياض كنا نكتفي باللقيا عبر الهاتف، وتشح الفرص أحيانا فلا تعطينا من نفسها الا في الأعياد.
أخبرني أخ قابلته في الطائرة عن وفاته عندما سألته عنه، وقال انه انتقل الى رحمة الله منذ أشهر، فصدمت بهذا النبأ، وتراكمت طبقات الألم في صدري، أولا لأني لم أعلم بذلك وقت وفاته، وثانيا لأني أدركت أني منقطع عن مواصلته في الأشهر الأخيرة، وكنت كلما جئت الى جدة أنوي مفاجأة بزيارة، ففاجأني الموت باختياره من بين صحبه ومعزيه ومحبيه.
فمن هو معتوق جاوه في نظري، هو ذلك التلميذ المحبوب من جميع زملائه وأساتذته، لما يتمتع به من حسن خلق، وما يشيعه حوله من بهجة في أي مكان يكون فيه، وفي أي مجلس يجلسه، لم يكن يضيق صدره بمداعبة زملائه الصغار مثله، وما يأتي عادة منهم في مثل هذه السن، وكلهم يغضبون الا هو واذا ما حاول أن يجرب الغضب غلبه الضحك فانفجر به مجلجلا، فوجهه لم يكن يكاسمه الا الابتسام، مثل حياته لا تعرف الا الخير.
كان يتيما، ولهذا كان يحظى بالعطف من الأساتذة ومن عم سلطان رحمه الله ، بواب المدرسة، وكان أهلا لهذا العطف، لأنه يستحقه، لما كان يتمتع به من طاعة لمدرسيه، وحسن صلة بزملائه.
وبقي حسن الخلق يكبر معه، ويزيد عمقا وسعة مع الأيام، فزاد عدد أصحابه، وأصبحوا في كل مكان، وكان بهم حفيا، فعل ذي النفس الزكية، والأدب الجم,لا يزال وجهه الباسم أمامي، وضحكته العميقة في أذني، والمواقف الحانية، والمواقف الطريفة، تعرض نفسها كأنها تحدث الآن.
كان ابتسامة عابرة في هذه الدنيا، وفي حياة من عرفوه وأحبوه، والابتسامات الصادقة لندرتها ثمينة في الواقع وفي الذكرى، وهي بلسم عندما تمر سحابة من سحب الزمن الداكنة، كان معتوق رمزاً في أذهان محبيه للنظرة الجميلة الى الحياة, رحمك الله يا أبا محمد رحمة الأبرار، وجعل ابتسامتك رفيقا لك في دار الخلود، ان فقدك كبير، وموتك ممض، وماذا يمكن الكلمات ان تصوره أو ترسمه مما تشعر به، وماذا تستطيع الكلمات ان تنفس به عن صدر يرزح تحت ثقل نبأ المفاجئة، وسعير وخز الألم,أعظم الله الأجر والعزاء لابنك محمد وأهلك واخوانك وأصدقائك واحبائك، وأسكنك فسيح جنته، وإنا لله وإنا إليه راجعون
|
|
|
|
|