| الثقافية
يرافق التحولات الكبرى التي تجري في العالم، وعلى مختلف الصعد والمستويات، الكثير من التساؤلات والاستفسارات, وقد أغرت هذه التحولات الجميع بممارسة السؤال والتساؤل، ومواجهة اليقينيات المختلفة بالمزيد من أسئلة الشك والنقد والتقويم.
فالعالم اليوم يمتلىء باليقينيات على مختلف الصعد، كما يمتلىء بأسئلة الشك على مختلف المستويات, لذلك لا يمكن أن تموت الأسئلة في عالم يموج بالمتناقضات والتعقيد، فكل شيء في هذا العالم المعاصر، يؤسس على الدوام للاسئلة، ويستدعي الإثارة والبحث، فلامناص من السؤال والتساؤل، مهما بدا العالم متقدماً ومتطوراً.
فالتساؤل هو تقوى الفكر على حد تعبير (هايدغر)، وهو سبيل الكشف عما تحجبه القوة أو المادة من حقائق ووقائع, والخطاب الغربي المعاصر، الذي يؤسس للتواريخ بعد موتها لا يلغي التساؤلات، ولا ينفي الدهشة، بل يؤكدها ويحفز على تأسيسها في كل المواقع والحالات، لأنه لا يمكن أن تمرر عناصر هذا الخطاب بدون نقد ومساءلة وتمحيص, ولا ريب أن كل تساؤل ينطوي على نقد، كما ان كل نقد يثير العديد من الأسئلة والتأويلات المتعددة, لهذا فإن إثارة الأسئلة على مسارات الواقع المختلفة من ضرورات الحياة والوجود، لأنه لا حقيقة ناصعة، إذا لم تسبقها اسئلة الشك والنقد ورفع الحجب والأوهام, ففي رحاب السؤال والمساءلة، تتولد عناصر الحقيقة، واستمرار النقد يعني فيما يعني نمو الحقائق والأفكار والقناعات داخل المحيط الاجتماعي.
من هنا قيل ان العلم عبارة عن خطأ مصحح, فلا بد من توسل السؤال والنقد، حتى ننحو من الزور والرياء والمخاتلة وخطاب المطلق الذي يخفي الكثير، ولا يظهر إلا القليل والنادر,, وكل منظومة فكرية لا تقبل السؤال وتقمع النقد والمساءلة فان مآلها السكون والموت.
نحن هنا لا ندعو إلى التشكيك في نوايا السائلين، وإنما نؤسس لمواقع السؤال والنقد في مسار الحقيقة وإثراء الفكر والمعرفة.
لأن الكائن المتلقي دائما، بلا أسئلة وشروط ونقد، نساهم معه أو نساعده على انتزاع عقلانيته، ونذوبه في أوعية متماهية ومتطابقة تقتل كل حس حيوي فيه وإرادته الإنسانية, فالكائن الإنساني، لا يمكنه أن يمارس إنسانيته وعقلانيته وشهوده، إذا لم يمارس السؤال والبحث المضني عن الأفكار والحقائق, ولا يوجد على صعيد الأفكار البشرية من يتصف بالكمال والشمول، لأن الأفكار دائما بحاجة إلى التطوير والتراكم، والسؤال مدخل من مداخل تطوير نظام المعرفة والتفكير والتأويل.
ونحن لا نعني بهذا، أن الناس مفطورون على السؤال والتساؤل، ولكن ما نريد قوله، أن حياة الإنسان الحقيقية مرهونة بقدرته على استعمال عقله، لكي يكتشف الحقائق، ويعرف الحدود الفاصلة بين القضايا والأمور، بين الوسائل والغايات، بين ما هو كائن وماينبغي ان يكون.
وكلما ارتفعت حقيقة استخدام العقل لدى المجتمعات الإنسانية، كانوا هم أقرب إلى النجاح والسعادة, فلا تنمو المجتمعات حضارياً إلا بالمزيد من استخدام العقل، لأنه وسيلة النمو، وهو الذي يمنح المجتمعات ماء الحضارة وعصب التقدم.
ولا شك بأن السؤال، ومواجهة بديهيات الحياة الاجتماعية بالنقد والمساءلة، هما جزء من منظومة استخدام العقل,, وبهذا المعنى يكون (السؤال بالمعنى العام والحضاري) هو عصب الحياة والأفكار, فلا حياة بلا تساؤل، كما أنه لا أفكار ناضجة وحيوية بدون نقد وتقويم وتطوير,.
|
|
|
|
|