| الثقافية
العلاقة الثلاثية بين أطراف المسرح يحتلها المؤلف والمخرج في زاوية، اما الزاوية الثانية فيحكمها الممثل وتبقى زاوية ثالثة عند طرفها يقبع الجمهور مكملا لمثلث المناظر,, ومنذ تاريخ بروز دور المخرج على انه ظاهرة بين الممثل والجمهور وتراجع دور المؤلف الى عمله الكتابي فقط لم يتجاوز احد من أطراف العلاقة مكانه بكثير حتى الحرب العالمية الثانية حيث اثرت المتغيرات الانسانية اثراً بالغا في اوجه العلاقة فتشابكت الادوار.
المتغيرات الجديدة اخذت صور التباعد والتقارب لكنها كانت تحت سيطرة طرف أو آخر من أطراف العرض الثلاثة بما في ذلك الجمهور المتلقي الذي يؤثر سلبا أو ايجابا في العمل نجاحا وفشلا, لكن الاطراف احيانا وجدت نفسها في دوامة لا تستقر من الدوران فقد صادف ان بدأ مكان الجمهور يتغير عندما ظهر للمدارس الشرقية بعد الحرب تحريك مسألة النفي إلى الواقعية المطلوبة في المسرح التعليمي أو على الأقل كسر الايهام، فكان على الجمهور في الملحمية ان يفيق لأن السياسة في المعسكر الشرقي كانت تفترض حضورا اعلاميا توجيهيا لاستثمار العمل المسرحي,, في وقت واجهت مسارح الغرب الموضوع بخروج على مسألة الايهام من خلال ما عرف بمذهب (اللا معقول أو العبث) وهي مناهج ابداعية عرفت فيما بعد بعكس المسرح أو المسرح المضاد.
هذه التغيرات تلازمت مع دراسات اجتماعية نفسية عن الجماهير والمتلقين انعكست بشكل أو آخر لتغيير مفاهيم حول الجمهور والتلقي لكن كبش الفداء في كثير من الاحيان الفن الاصيل او المسرح الكلاسيكي أو (الفن البروجوازي) كما أسماه الشرقيون.
هنا أدخل إلى مسألة المتغيرات الحديثة في المثلث الذي ذكرته سابقاً (الجمهور والممثل والمخرج) واترك المؤلف لانه وبالمصادفة صار المخرج مؤلف العرض كما تركت مسألة التأليف معلقة بعيدا لأهل الأدب بصفة الكلمة عنصراً أخيراً في الفعل المسرح الذي أخذ لغة من عبارات الحركة الجسدية يؤلفها الفريق المسرحي.
هذا المثلث (شرقا وغربا) وجد نفسه امام قضيتين خطيرتين تؤطرانه ويجب عليه تجاوزهما: الأولى قضية رقابة صارمة ازاء الكلمة شاعت في اوروبا والغرب فكانت تهمتا (البروجوازية) من جانب و(الشيوعية) من جانب آخر أو تهمة (اللون) بشكل عام تلاحق الناس وإن لم تثبت فإنها قد تقوم بالنوايا ولم تكن في معسكر اقل منها في الآخر وكانت رموز الفن اهم المتعرضين للتهمتين ويعرف الناس موقف المكارثيين من المسرحي الشهير بروتولد برخت الذي فر من الشرق إلى الغرب ثم من الغرب إلى الشرق ومثال القائمة السوداء عن فناني (هليود) وغير هذه المسائل.
في هذه الاجواء لم تكن المسألة عن (ستنسلافسكي ولا جروتو فسكي ولا بيرت بروك ولا قبلهم بروتولد برخت) من جانب (وصمويل بكت ويوجين يونسكو واربال من جانب آخر) لم تكن هذه مسألة يأس من فن كلاسيكي بالي الثياب يجب ان يموت كما فسرها بعض المؤرخين لهذا الفن بقدر ما كانت بحث عن نافذة مضيئة تشع الضوء في عالم تركته الحرب العالمية الثانية بائسا يبحث في سجنه الكبير عن نافذة يطل منها الضوء.
هنا تعمقت من جانب خارجي دراسات النقد الفني ازاء ظاهرة عجيبة (هكذا بدت في حينها) وهي ثورة الفن على الفن ومحاولة البحث في جسد الفن عن منطلق العضل بعد ان ماتت روحه واصبحت خارج جسده وهذا استجداء للفنون الصامتة.
من كل هذه الاعمال التي تحركت خارج القيم الاصلية نستطيع تعداد عناصر هامة كانت هي عوامل التغيير في علاقة الممثل العرض المخرج:
الأول : الحرية والتي تلازمت مع تهم مثل الطابور الخامس والجاسوسية التي كانت شائعة بين المعسكرين وطالت الفن فعرض فني قد يحسب في هذه السياقات دون الاخذ بأي اعتبار لكل هذا بدت ارهاصات فنية وتفوق في جوانب الفنون الجسدية والشكلية على حساب فنون الكلمة المنطوقة مما عزز أدوار المخرج في العرض المسرحي وبالتالي صعود دور الممثل الى النجومية وبالتالي ومع تطور السينما وتقنيتها اصبح رمزا جماهيريا كما هو حال نجوم هليود وصار هناك اهتمام بالنجوم من قبل الساسة لانهم يحركون الجمهور ومن الحساب نفسه تراجع دور الفنون البطيئة التأثير أو الأقل جماهيرياً بصفتها اعمال فنون فقط ومنها المسرح والتشكيل.
الثاني : للخروج من الازمة كان على الفنون كما اشرت قبلا تفعيل دور الجسد لمواجهة عاملين اولهما السياسة التي قد لا تعمل الرقابة على عمل مرئي كما هي حال المسرح الخطابي أو الحواري اللفظي وثانيهما الادوار التي تسوقها الموسيقى والتي شهدت اكبر عوامل نموها شرقا من نفس المنطق.
الثالث : ان الفن في الحياة ومهما كان كامنا ومطيعا للتخطيط والأقلمة (التقليم) كما يحدث دائما إلا ان له جذوراً في الوجدان الشعبي يحسن عدم تجاهلها,, وكما قال احد صحافيي العصر في خطبة في بلد شرقي اثناء تجمع للنقاد والفنانين (اننا نستطيع تقليم الشجرة وجعلها جميلة كما نريدها نحن لكن الطبيعة تمنعنا من تقليم الجذور لانها تنمو تحت الارض (بإرادة الله) كما تريد شجرة الفن لا كما نريد نحن.
من هذا كانت ارهاصات الفنون المتغيرة لا تزيد الحالة إلا نموا فنيا وتجارب تفتح ثقوب جديدة في قضايا الانسان والحياة.
الرابع : التغير العلمي الكبير في العلوم المسلكية والاجتماعية ادى إلى اثر كبير في تغيير نظرة الانسان المعاصر للعالم وتمايز الفن مع جماهير لم تعد الخرافات والدجل حول المغيبات يعني لها الكثير فكان على الفن ان يتعامل مع عالم اكثر قربا للحقائق الثابتة من القيم الاصلية والدين الصحيح.
والانسان المعاصر الذي هو آلة قد يستغرب اثرا غير مادي ما لم يكن مسوقا في الفن ولذلك تغير الحال بدل (الحكي) إلى (القول) وبدل مفردة اللفظ إلى (مفردة الفعل).
لكل هذا شاعت اساليب جديدة في الفن عززت دورين اساسيين هما (السينوجرافيا) التي ألمح لها ارسطو بالمعطيات الرؤية و(الدراماتوريا) التي تتبع الخط الدرامي من الفعل المؤكد والذي يديره صراع ما كما كانت احاديث هذه الزاوية في الثلاثة اسابيع الماضية.
واختتم هذه الاطالة بالعودة الى مثلث العرض وتبادل أدواره أو امتزاجها أخيراً في الدراسات الحديثة,, وكنا سنسأل دائما عن ماذا سيحدث لولا ايديولوجيا القرن العشرين وما أضافته من تغير كبير في خارطة الفن والحياة؟.
|
|
|
|
|