| محليــات
لعل الحصانة الأولى التي يمكن أن تقام لحماية المحاضن من تأثير ولوج الصيَّادين المتصيدين فيها هو البناء المعرفي لقيم الدين الإسلامي من لدن الأفراد المسلمين عامتهم مع خاصتهم، ونسائهم مع رجالهم، وصغارهم مع كبارهم، إذ لم يكن في الوجود أقوى من المسلمين الأوائل الذين خرجوا من صلابة الجاهلية إلى متانة الإسلام ونزل الدين منهم منزلة فهم ووعي واعتقاد وتمثّل وتطبيق,,,، وما كان منهم إلا أن يستبدلوه شريعةً ومنهاجَ حياةٍ، فتكوَّن المجتمعُ المسلم بدعائمه، وقواه، وتأثيره، الذي امتد من اليابسة للبحر، ومن الأقصى للأقصى، ومن القريب للبعيد، حتى استوى شوكةً به وبأبنائه في ظهور الأشاوس من عظماء الفرس والروم وذوي العبادات والديانات ليكون الامتثال لله وحده لا شريك له.
ولم يضعف الإسلام بفعل محاربيه بأكثر مما ضعف بأبنائه المنتشرين في الأرض يلهثون وراء كلِّ غربي، وشرقي ملوّن، ذي أوجهٍ، ومساربَ تنأى بهم عن الجادة، ولا تعتقلهم عند ضمير,, من هنا تسلل إليهم في شتاتهم، وخورهم وعدم ثقتهم في أنفسهم، وتفككهم وضعفهم وانهزامهم أمام الآخر كلُّ ذي غرض,, أفلا يجترىء عليهم وعلى محاضنهم التي بقي لها شيء من الوقار كلُّ ذي غرض كي يقضي على ما بقي؟!
أفلا يجترىء على دعائمه، ويقتحم أسيجة نظامه كلُّ جبار متكبرٍ ذي ضلالة؟,.
فهل لو كان المسلمون على كلمةٍ واحدةٍ سواء، يُحَكِّمون بما أمر الله، ويتَّقون ربهم في أمورهم العامة والخاصة، ويُقيمون شريعة الله في كامل جزئيات حياتهم، شرَّقوا أم غرَّبوا، أخذوا من حضارات الأمم أم لم يفعلوا، جدَّدوا وابتكروا وعملوا بما عرفوا من عطاء الله المكنون ليخرجوه وليتنعَّموا به، وليعمِّروا الدنيا كما هي رسالتهم دون أن يعيشوا على أمجاد الماضي، ونماذج الذين سبقوا، أكان أن يتحقق للأقوام الآخرين القيام بذلك، وهم متخلِّفون عن المراكب,,,، سائرون في أذيال الطوابير؟,,, يتلاعب بهم، وبدينهم، وبقيمهم المتسيِّدون على الأرض، المسيِّرون لدفَّات الدَّواليب؟,,.
إن ما حدث ويحدث من تفريط من قبل المسلمين لهو الرافد الأول لتحريض كل المغرضين للإسلام أن يقفوا ضدَّه وضدَّ أبنائه، لأنهم يدركون أن لا حيلة لمن لا قوة له إلا الكلام,,, فالله الله في بناء المسلمين على الإسلام في نقائه، وقوته، وقواعده، وأسسه,,, بدءاً بالفرد والآخر، ومروراً بأنظمة حياته ومعاشه، ووصولاً إلى أساليب حكمه ورعايته، وانتهاءً إلى واجباته نحو أمته ومن ثم تحديد أدواره في ضوء متطلبات عصره دون تفريط، ولا خور، دون تردد أو وهن، دون تراخٍ أو عدم ثقة,,,، فمن ينصر الله سوف ينصره، ومن يجعل الله أمام عينيه، يكون له تعالى فيما لايُدركه,,,، فَمَن أقوى ممّن يكونُ مع الله فيكون اللّهُ معه؟,,,, تعالى الله عما يصفون.
إن أول مايُنظر إلى المنافذ التي يضعها المترصِّدون للدين فوق طاولات بحثهم، وتحتضنها هيئةٌ تُفترض عدالتها، وتجرُّد طروحاتها، هي تلك القضايا التي تتعلّق ببناء الإنسان السلوكي، وهدم حدود، وقيود، وضوابط دينه التي تحكم هذا السلوك، وتشكِّل حوافز بنائه نحو الإيجاب منها، أو الرفض لها.
فخروج الأبناء عن مظلة رعاية الأسرة الوالدين فيه ما يمنحهم سعة الانفلات عن الضابط، بما يهيىء لهم فرحة الإحساس بالانطلاق الذاتي، بينما يوردهم إلى الضياع، ذلك الذي يتحقق في مجتمع يبيح لهم الممارسة الخاطئة لغرائز ربّاها الإسلام وفق معايير، وثوابت تعتقلها دون الشتات، مما يؤدي بذلك إلى قيام الأسر المفككة، الهشّة، التي لا تعتمد في روابطها على العلاقة المباحة ، بل على تلك المحرّمة ، وحرمتها تكمن في أنَّ لا ضابط قرارٍ أو عَقدٍ تقوم عليه، ثم مايُنتج عنها من الولد لا انتماء له، في ضوء عدم قيام علائقها الدقيقة على حصرٍ يحدد انتسابه إلى أبيه، وإن كانت تُعرف أمه، فهي يمكن ألا تكون، في ضوء الأساليب الحديثة المبتكرة في الاجتراء على التلقيح غير المباح,, كل ذلك بدعوى الحياة الحديثة، وحرية الفرد فيها، واستقلاليته، وامتلاكه لناصية القرار الذي يخصُّه,.
والإسلام جعل لكل ذلك ضوابط حكيمة، ولم يحرم الإنسان من امتلاكه لناصية القرار فيما يخصُّه، ولكن بعد مراحل من التربية مع التنشئة التي تعنى به روحاً وخلقاً ومسلكاً، يعرف خلالها ما له وما عليه,,,، ويملك من هذه المعرفة ما يجعله مسؤولاً عمّا له وعمّا عليه، فيأخذ مثوبات ما يكون منه كما تكون عليه عقوبات ما يكون عنه,,, في الأوجه المباحة وفي الأوجه المرفوضة مما له أو عليه,,.
وفي ظل ذلك يمضي المجتمع المسلم، فهو لكي يتحقق للفرد فيه أن يكون على هدى، فإن شريعة الله هي مناط كل مسيرات ومسيرات أموره المعاشية، وضواط النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه تحت مظلة قواعد وأنظمة هي ضوابط الربط التي تقوم بها أنظمة مجتمعة.
فماذا تفعل المجتمعات المسلمة أسَفاً كي تحافظ على ثوابت الدين وأصوله في الحياة فيها؟! أليس هناك اجتراءات على الدين الإسلامي داخل أنظمة المجتمعات المسلمة؟,,, فكم دولة مسلمة تُحكِّم شرعَ الله فيها نظامَ سياسةٍ وعلائق وتعاملاً ومبادلات وحدوداً وفكراً و,,, إلخ,,,؟!، أليست تفرط فتعمل بأنظمة القوانين الوضعية؟,,, أليس في ذلك انتهاك لدينها الذي تدين به، فكيف يفعل الآخرون من المترصّدين به في مثل هذه الحال؟,,.
وهل جهد دولة إسلامية واحدة هي المملكة العربية السعودية في الدعوة، وتطبيق الشريعة، والتصدي مع الجماعات المسلمة المتناثرة في الأرض لكل منتهكٍ لدين الله يمكن أن يحقق بها وحدها سيادة الإسلام بين أهله أولاً ومن ثمَّ في العالم؟,,.
أيمكن أن يتحقق اجتراءٌ على المسلمين سافرٌ كما هو في المحافل الرسمية وعلى طاولات الهيئات العالمية وفي قرارات الدول المتسيِّدة لو كانت هناك قوة إسلامية موحَّدة تبدأ بالإنسان وتصل بالجماعة في كل العالم الإسلامي، لا يُرتضى فيها بغير شريعة الله؟,,.
إننا هنا، نهيب بالمسلمين أولاً أن يكونوا مسلمين، أن يحافظوا على معرفة دينهم معرفة اقتناع وحب وتمثّل وسلوك وعمل، ومن ثمَّ إشاعة أحكامه وتطبيقها كما كانت ببناء المجتمعات المسلمة على بيِّنة من خلال الاقتداء بأمة الإسلام في صدر الإسلام، ثم الترابط مع الدول القائمة على شريعة الله والعمل معها على توطين الثوابت وعدم قبول أية مساومات فيها.
وضرب أسيجة محكمة بوعي دون ولوج الأغراض وذوي الأغراض لتفتيت هذه الثوابت أو خدشها والتعايش مع العصر بروحه، علماً وعملاً وأخذاً وعطاءً في غير انغلاق، وفي غير تزمّت وفي غير جهل,, فالإسلام في ثوابته لا تفريط فيه، وفي مرونته قابل لكل زمان ومكان,, فهو يعطي من مساحة التفاعل مع الآخر ما يجعل الفرد فيه لين الجانب واسع الصدر، رحب التفكير، لا ينفضّ الناس من حوله,,.
إن ما أراه موجباً لكبح محاولات بائسة نحو المساس بالإسلام عن طريق أنظمة الحياة وحريات الأفراد وانتهاك المحاضن، يبدأ من إعادة تشكيل المجتمعات المسلمة التي تنطلق من قواعد الإسلام الصحيحة، وتتمثل دينها في سلوك أفرادها وأنظمة حياتها وذلك هو السلاح,, وليس غيرهحفظ الله لهذه الأمة وعليها دينها,,, ومنحها قوةً وقدرةً كي تحافظ على ثوابته ولا تفرّط في أصوله,,, وجعلها قدوةً، وأثاب كلَّ عاملٍ فيها لذلك.
|
|
|
|
|