|
| مقـالات
وَدَلَفَ الشهر السادس من الأشهر الشمسية حيث تنتهي الشمس الى أقصى مدارها شمالا، فيكون النهار في آخر طوله، وفي هذا الشهر تنشط الحركة، ويشتد الطلب على حقائب السفر، وتزدحم مكاتب الطيران، وتتهيأ المناطق السياحية في العالم لامتصاص جيوب السائحين, وقد دخلت المملكة في هذا العام مضمار السياحة، ففتحت المجال للراغبين في التعرف على ما تحويه أرض المملكة من معالم سياحية، وهي خطوة موفقة فلدينا ما لدى الآخرين، فبلادنا واسعة، مع انها من أقدم البلاد استيطانا وعمرانا، فهي جديرة بشد الرحال اليها.
واذا كانت السياحة مهيأة لمن يملك الدرهم والدينار، فماذا عن الآخر الذي أشغله عيشه عن الالتفات الى الأسفار والترحال من بلد لآخر، ففاتورة الكهرباء تلتهم ثلث المرتب، وبقية المصروفات تنتظر الثلثين، فكل ريال قد عرف موقعه، فالسياحة ليست ضمن حساباته, ان هذا وأمثاله سيجد العالم أمام عينيه في أخبار الزمان لعلي بن الحسين المسعودي 1346ه صاحب السياحات الممتدة، ما بين الصين ومصر، فقد أمضى شطرا من عمره في التنقل في بلاد ماليسية بجزرها العجيبة، وقناطرها البديعة, وبلاد الصين ذات المدن الواسعة والأرياف المترابطة، ثم بلاد الهند، وفيها من العجائب ما يغيب عن البعيد، ولا يكاد يتصوره لندرته في البلاد الأخرى, وزار المسعودي بلاد فارس وفلسطين، وحط رحله في مصر، حيث ألف مروج الذهب، والتنبيه والإشراف، وأخبار الزمان, وكتابات المسعودي جمعت بين النقل عن الطبيعة، والنقل عن الكتب، فقد رأى بعينيه، وعاش في القرن الرابع الهجري، حيث ازدهار التأليف في العراق، والشام، ومصر، والأندلس، وبلاد فارس فالعلوم مهيأة له، فقد بسط للقارئ من العجائب ما يهيء له الاستمرار في قراءة كتبه، ثم إن من لم تهيء له نقوده الانتقال الى البلاد الأخرى فانه سيجد عند المسعودي ما يعوضه عن الرحلة ويوفر له ديناره ودرهمه، فهو يعرض أمامه بلاد الإغريق بفلاسفتها وحكمائها وأطبائها: ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب والموسيقا والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل الروحانية وكل حكمة, وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم ويعرض بلاد الصين بعد زيارتها، فيصف الرجال بأنهم بيض الى صفرة، فطس، وان مدينتهم تنقسم قسمين، فالملك وحاشيته وخدمه في قسم، والعامة والرعية والأسواق في النصف الآخر، ومما ذكره عن الصين أن أبناء الزواني يخصون ويكونون خدما للملك، وان المرأة تأخذ من الميراث أكثر مما يأخذ الرجل.
ومما عرضه عن بلاد الافرنج والأندلس ان بالأندلس بيتا يقوم الملك في أول حكمه باقفاله، ولما ملك لذريق طلب ان يفتح، فحاول القائمون عليه منعه من ذلك، فلم يستجب لهم الملك، وعزم على فتحه ففتح له،فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال وعليهم العمائم الحمر وفي أيديهم الرماح الطوال والقسي، ووجد فيه كتابا يقول: اذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هؤلاء وقد فتح طارق بن زياد بلاد الأندلس في السنة التي فتح فيها البيت المذكور, ويعرض المسعودي مملكة برجان عرضا مغايرا لما عرف عنها في التاريخ من احتوائها على المكتبات التي تضاهي مكتبة الاسكندرية، فيبرزها في صورة بعيدة عن الحضارة وأما بلاد الروم فيصفها بالرقي، وان ملكها لا يأكل الا على الموسيقى والألحان والغناء، ويذكر ابداعهم في التصوير، والحذق بالصور حتى إنهم ليصورون صورا يظهر عليها الحزن، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح والسرور، ويشيد ببلاد فارس، ويصف أهلها بحسن التدبير في الحروب، والبراعة في صنع الطعام واللباس، والحذق في الطب، كما يصفهم بتمام العقول، والنظافة، وحسن الشكل والهيئة, ويذكر المسعودي ان بلاد بابل هي منطلق البشر بعد الطوفان، وان لغة البشر السريانية، وتحدث عن مصر التي أقام بها آخر حياته حديثا مسهبا، ومما قال عنها: ان بداخل الهرم أجساد الكهنة في توابيت صوان أسود، مع ان المعروف الآن ان تلك الأجساد لملوك وليست لكهنة هكذا ساح بنا المسعودي في أنحاء الدنيا بأجر زهيد.
|
|
|
|
|
