| محليــات
(1)
لم يكن الإسلامُ محورَ ضد في زمنٍ دونَ زمنٍ، ولا مصدرَ قلقٍ لأمةٍ دونِ أخرى،,.
إذ منذ ظهوره وهو في لبّ كلِ ذي غرض,,.
يُشغَلُ به كلُّ مفتونٍ بسواه خارج أطره الإيمانية,,.
ذلك لأن في الإسلام السيادةَ للخالقِ، أمّا في سواه فالسيادةُ للإنسانِ، هذا المتكبرُ على ضعفِه، المغترُ بهباتِ اللهِ تعالى فيه، ومحورُ هذه السيادة الحياة الدنيا بكل نتائجِ فنائِها وطيِّها في ملكوتِ قدرةِ الذي خلقها، الذي سينهيها كيفما يشاءُ ومتى يشاءُ تعالى (ليس كمثلِه شيءُ).
ولأن الإسلامَ ليس دينَ توحيدٍ فقط ولا عبادةٍ وحدِها، وإنما هو دينٌ تكامليٌ، دينُ عقيدةٍ يندرج تحتها حاضرُ الإنسانِ ومستقبلُه في حياتِه الشاملةِ لمعاشه وعلاقاتِه ومبادلاتِه ومعاملاتِه وحواراتِه وسلوكِه العام والخاص، وكلُّ ساكنةٍ فيه ومتحركة، وكلُّ ناطقٍ فيه وصامت، وكلُّ قولٍ له وعمل ومنه,,,، فهو يشمل بذلك قلبَه الذي يؤمن، وعقلَه الذي يحكم، وجوارحَه التي تفعل،و حسَه الذي يتفاعل، إيماناً بربّه، وعملاً بما يرُيد، وانتهاءً عما أمر، وأداءً لما أوجب وأقرَّ، في غير إفراطٍ ولا تفريط، ولقد خضعَ الإنسانُ المسلمُ لما خضع له الإسلامُ من الترصُّد ، بل جُعِلَ أحدُهما سبيلاً إلى الآخر، ينفذ منه المترصِّدون كي يُوهنوه، أو يُضعفوه، أو يقوِّضوا أبنيته، وما هم بالغين,,,
ولأنه دين سماويٌّ، تعهَّد اللهُ تعالى بحماية دستوره وحفظه بعد أن أرسل به رسول البشرية وخاتم الأنبياء المُبَلِغ الذي أدى الرسالةَ وبلغ الأمانةَ محمد بن عبدالله عليه أفضلُ الصلاة والتسليم، وبعد أن ارتضاه ديناً وأتمَّه على خلقه فلقد حُفِظ بحفظ دستوره القرآن العظيم كلُّ ما فيه يؤدي إلى بقائه حياً يقظاً في نفوس المؤمنين به، المهتدين بهديه، أولئك الذين يثقون في أنهم لا يحسبون أن يقولوا آمنا ويُتركوا دون الفتن والأذى.
وفتن كثيرة تُوضَعُ في طرقِ الإسلامِ ومنافذَ الوصولِ إليه من الرأي، وأساليبِ المعاشِ، بل العناصر البشرية ذكورها وإناثها، شبابها وأطفالها وشيبها,,,، كما تُستغل دعائمُ كثيرةٌ في أبنية مجتمعه كي تكونَ منفذاً لأغراضِ المترصِّدين له ولأبنائه,,, هذا الدين القيم,,,، لكن شيئاً لن يقوِّضها، ولن يفتّّ في عزيمة المسلمين على بيِّنةٍ,,,، وليس أولئك الذين قالوا أسلمنا ولم تؤمن قلوبُهم,,, الذين هم أشد خطورةً من المترصِّدين من غير المسلمين للإسلام.
ولعل حرب الفكر يتصدى لها المفكرون، ذلك أنها لن تَغلبَ ذا الحجة والبرهان، ولا تصل إلى عامةِ الناسِ ذوي الفهمِ اليسير غير ذي العمق، فلا يتحَققُ لها معهم غرضٌ ولا ينالون معها مقصداً,,
وكذلك حرب الآلة,,,، فلها ضحاياها,, كما أن لها لُعبها وساستَها,,.
أما حربُ الإنسانِ بالإنسان، فهي فتنةٌ قد تُبقي وقد لا تذر، إذ هي تتسربُ في أبنية الجماعات والأفراد، وتهيمن بأسلحتها على معقلِ حركتهم، وبوتقة صَهرهم، ومناط مسلكهم، وبيئة تمثُّلهم وتعوُّدهم واقتدائهم,,,، وهي تستطيع أن توجِّه فكرَهم حسبَ مستواهم، وتجذب هواهم حسبَ مرتضاهم، وتُزين لهم أحلامَهم حسبَ حدودِهم في الفهمِ والانتباه والادراك بل الطموح أيضا والإنسان الذي لم يؤت سعةً في العلم، ولا بُعداً في الادراك صيدٌ سهلٌ لكلِ ذي غرض،
يُخطط له بوعي لا يقابله وعيٌ مماثلٌ لدى الصيد، ويُرسم له بأساليبَ مغريةٍ فاتنةٍ لا يستطيع أن يقاومَها ذو البناء الهش وذو الضعف النفسي,,,، ولأن الشيطانَ يترصدُ مع المترصدين، فإن ضحيةَ هؤلاء ضعفاءُ المسلمين من العناصر البشرية فهُم هدفهم.
ولأن أساليبَ الحياةِ المعاصرةِ تقوم على نهج ضاغط مؤثر بمغرياته وألوانهِ وفسحاته ومؤثراتِه ولأن المترصدين ذوو قدراتٍ مدرّبة على الإغواء والإغراء، فإن منافذ التأثير في هذه الشرائح من المسلمين بالغةٌ مداها ما لم تنشأ الحواجز، وتُقام الدعائمُ، وتُنصَب الأسيجةُ دون ولوج هذه المؤثرات في تياراتِها الشديدةِ المندفعةِ للتأثيرِ فيهم.
ولعلِ هيئةَ الأممِ معقلَ العدلِ بين الأمم أن تَدركَ أن لكلِّ أمةٍ ولكلِّ قومٍ شرعةً ومنهاجاً ما يُقرُّ لبعضها لا يُقرُّ لآخر، وما يُفسح في بعضها، لا يُفسح في الآخر، ويحكم الأمم دينهُم، والأمة الإسلامية لها حرمتها وهي دينها الذي هو مناط سعادتها أو شقائها, فلا يُفترضُ أن تسمحَ لمناهضته، ولا لتقويض دعائمه بحجة ما، هي بيت العنكبوت الذي تُرمى شباكه على أنها الساترُ والظلُ وهي لا تسترُ ولا تظللُ,.
ولقد وُضِعت الأسرة المسلمة محور الفتن التي تُرمى في طريق المسلمين قصداً دين الإسلام، ويركَّز على المرأة في ضوء معايير تنتشر في المجتمعاتِ غيرِ ذات المعايير الإسلامية، استغلالاً لقوى التحكم السائدة بها هذه المجتمعات، ولا تمثل إلا نقضاً لما هو في دين الإسلام.
ولعل الموضوعاتِ التي تُنِاقَشُ في جلسةِ هيئةِ الأمم المتحدة الثالثة والعشرين حول النساء عام 2000م القائمة في هذا الأسبوع من 59/6/2000م في مدينة نيويورك، تؤكد ما يتعرض له الإسلام من خلال عناصره البشرية، وعلى وجه الخصوص المرأة والأسرة وهما المحضن الأساس,,, من قبل المترصدين له بدعوى الحرية ، والمساواة ، والديمقراطية والله يعلم أنه ليس حقاً.
يتبع في الغد
|
|
|
|
|