رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 6th June,2000العدد:10113الطبعةالاولـيالثلاثاء 4 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

مطارحات التبعيين (1/3)
د, حسن بن فهد الهويمل
يتحفظ الأقلون عدداً ووعياً على المواجهات الفكرية والأدبية، ويرونها مخلة بحرية التعبير عن الرأي وبمشروعية التعددية الفكرية والأدبية، ويودون أن يترك الحبل على الغارب، لتحل الفوضى محل النظام والعبث محل الجد والبذاءة محل الكلم الطيب, ولما يعرفوا بعد حدود الحرية وضوابطها وأثر الآراء المنحرفة على الذهنيات الخلية, ومبدو الآراء كمن يطرق عليك بابك، فإما: أن ترد عليه بالقبول أو بالرفض، أو حين لا يعنيك أمره تدعه في سبيله, والمفكر والأديب والعالم في النهاية محصلة ما يسمعون وما يقرؤون، ومن ثم فليس هناك نص بريء، وليس هناك مبدع أو ناقد يكتبان من درجة الصفر، وإنما يكتبان كما علمهما المكتوب، وفي الذكر الحكيم (علَّم بالقلم علَّم الإنسان ما لم يعلم), وذلك مكمن الخطورة، ومن ثم فإن هناك فرقاً بين الأخذ على يد السفهاء وممارسة الوصاية والتحكم واستعباد الناس، كما أن هناك فرقاً بين سلطة الدين وسلطة المتدين، وفرقاً بين الأطر الشرعي والإلزام المذهبي, والنقاد والعلماء كحماة الثغور، والخاسر من يؤتى الإسلام من قبله، ومن متممات الحرية أن أقول رأيي فيما يقال، إذا كان هذا الرأي في إطار الخلاف الممكن والمحكوم بضوابطه الشرعية، إذ ليس كل خلاف مشروعا، وليس كل اختلاف محمدة، وليست الحرية حقا للقائل دون المتلقي، وليست الحرية الحق في مطلق التصرف، والحرية السوية منتج مواضعات وعقود يفرضها التجمع الإنساني، فالعقيدة تعني العقد الملزم، ولابد لكل خلاف من حدود وشروط ومرجعية متفق على أهليتها وحضارة تحوي كل ذلك، ويسعى الخلاف لخدمتها, وبدون ذلك تكون الفوضى، وتكون البدائية، والمتلقي تبادره آراء منكرة يمجها الذوق، أو يرفضها النص التشريعي، وليس من الحصافة ان يذعن المرء لكل ناعق, وإذ نختلف مع المرسل نجد إشكالية أخرى ناشئة من (نظرية المعرفة)، ومن (نظرية التلقي), ومن ثم فإن هناك إشكالية ثلاثية الأبعاد: المرسل والرسالة والمتلقي, والمشاهد الفكرية والأدبية تعج بالآراء والتصورات والمبادرات والتبعيات والتجاوزات الفكرية والأخلاقية، وواجب النخب التمييز بين الطيب من القول وما دونه, وبعض ما نواجهه من هذه المستويات المتعددة ما نراه وما نسمعه من بعض ناشئة الأمة ومن كهولها المتصابين، ممن أغرموا بالطارئ، وأخطره على فكر الأمة: تدنيس المقدس وأنسنة الإله وأدب الاعتراف، وما أكثر المقترفين على بصيرة أو عن جهل، ودون هذا في الخطورة بعض ما يتداول من قول لا طعم له ولا لون ولا رائحة، يقال باسم التغامض أو العامية و النثرية المشعورة أو الأسطرة المتوثنة أو التقنع الغبي, وأهون من ذلك كله ما ينسل علينا من مصطلحات: معرَّبة أو مترجمة أو منقولة بلفظها، تشد بصياغتها الانتباه، وتثير بطرافتها كوامن الرغبات وخوامد الشهوات، مع انحيازها لحضارتها وإطغائها, وشهوة الصياغة والنحت استأثرت بالجهد والوقت عند الأخرسين أعمالاً من براقشيين جنوا على أهلهم، حتى لقد اسرف البعض في صياغات مصطلحية أو تعبيرية تعد غاية في الغرابة والنكارة دونما حاجة ملحة، نجد ذلك بشكل ملفت للنظر عند الأدباء والمفكرين المستغربين متجلياً في الكلمة والجملة والعبارة والأسلوب، وفي الموضوعات والمعاني، وقد يكون في بعض ذلك محمدة، غير أن شهوة الإغراب ألهت البعض عن كل مكرمة تعبيرية، وكأن الصياغة على غير مثال دليل نباهة وتميز، وما هي إلا حاجة تفرضها النوازل ولا تنشئها الرغبات, ومما يعمق الألم أن في تراثنا ما يغني عن كثير مما جد، ومع هذا فلسنا ممن يرفض التقارض ولا ممن يمنع التأثير والتأثر، وإنما نريد تفاعلاً واعياً مع منجز الآخر، وتفعيلاً للتراث وتوجيه التفاعل والتفعيل لتحقيق تميزنا وشخصنة هويتنا، وليس هذا الهم من شرعنة الفوات الحضاري كما يدعي البعض، ولغتنا طيعة ولود، وتراثنا غني بالمصطلحات التي استبدلت بالمعرب والمترجم والمنحوت والمنقول، والمشاهد الفكرية والأدبية تمر بإشكالية المصطلحات وفوضويتها وتعددها، إذ ليس هناك مؤسسات يعول عليها، والمجامع العربية في معزل عن المترجمين والدارسين ممن عدت عيونهم إلى الأدنى مما عند الآخرين، تاركة الأفضل، ومن لا يتصور فداحة الإشكالية المصطلحية لا يعيش حضوراً سوياً، والسبب ناشىء من تهافت النخب على المستجد الغربي دون وعي ودون تأصيل: شرعي وتراثي، والذين ارتدوا إلى التراث من الحداثيين نبشوا مجونه وانحرافه وخرافته وترفه، بحيث استعيد الصعاليك والمجان والباطنيون والمتصوفة الاتحاديون والخرافيون والقرمطيون والعاميون، حتى لقد واطأنا المستشرقين في الرفع من شأن (ألف ليلة وليلة) لتكون رسولنا إلى الحضارات موافقين على اختصار حضورنا بهذا العمل العامي الخرافي، واقرؤوا إن شئتم الاحتفالية الغربية بهذا العمل من خلال دراسة (محسن الموسوي) عن الدراسات الإنجليزية لحكايات (ألف ليلة وليلة), تلك مكيدة ومكر، وأين هؤلاء من جهابذة العلماء وأساطين الفكر وعمالقة الأدب وفحول الشعراء وأمراء البيان, لقد بدأ تعالقنا مع الفكر والفن الغربيين منذ حملة (نابليون)، ولم يكن هذا التعالق على مداه الطويل وتحرفاته المتنوعة مجدياً، لخطئنا في فهم حوار الحضارات، ولاشتغالنا بما لا حاجة لنا به، وجاء تصدير الفكر والفن وأنماط السلوك وألوان المدنية مع الاستعمار بكل أشكاله، وتبدى هذا التعالق بشكل واضح في مناطق الاستعمار الفرنسي لصبغته الثقافية، حتى لقد جاء ابداع بعض الأفارقة العرب باللغة الفرنسية، وجاء على لسان إحدى شخصيات الرواية المشبوهة المثيرة (وليمة لأعشاب البحر) قولها للبطل جواد مهدي:- (أنا حزينة لأنني أجهل لغتي, أنت تعرف أنهم نفونا عنها منذ الطفولة) (ص22),
ويقول الدكتور إبراهيم الكيلاني مترجم كتاب (الأدب الجزائري المعاصر المكتوب بالفرنسية):- (الأدب الجزائري حتى استقلال الجزائر 62م يكاد يكون كله أوجله مكتوباً بالفرنسية)، ومرد ذلك التواصل والخلطة مع الآداب الغربية، والأقوى سبباً قابليتنا للاستعمار كما يقول المفكر الجزائري (مالك بن نبي),
هذه القابلية حملتنا على التفريخ والتسمين الكيماوي للمصطلحات والمذاهب والاتجاهات والنزعات, مما جعل المشاهد كالأرض الموات تتصدع عن نوابت سوء، غرسها غزاة الفكر، وغذاها المداهنون، وسيجها المستغربون، ورعاها السذج، واستهلكها المغفلون، فآتت أكلها ضعفين من خداج وزبد وحشف وسوء كيل, واختل التوازن حين نفت طوائف من المفكرين الخادعين أو المخدوعين دعوى (الغزو والتآمر) وحين أقرته بإطلاق طوائف أخرى، وضاعت مصلحة الأمة أو كادت بين الإفراط والتفريط، وأقيمت على تلك المفاهيم المزعجة في تناقضها رؤى وتصورات في غاية الغرابة, والحق أن هناك صراع أيديولوجيات وصدام مصالح، وهناك تدافع وتمانع وتداول، وفي المقابل هناك تفاعلٌ مشروع وتبادل منافع ممكن، ومن تشابهت عليه البقر ضاع وأضاع.
وفي ظل الغباء أو التغابي ألقى المستعمرون والمستشرقون طعم الاصطياد للسذج والمبهورين، حتى إذا تهافتوا عليه وأحدث عندهم ضراوة الأحمرين، تحولوا إلى مستغربين، ينوبون عن غيرهم في ترويج الأفكار وطمس الهوية، وللمتابع أن يستعيد قضايا شغلت الرأي في وقتها، وأحدثت تصدعات في وحدة الفكر، من مثل قضية علي عبدالرزاق، ومنصور وعبدالعزيز فهمي، وطه حسين، ومحمد احمد خلف الله، ومن قبلهم قاسم أمين، وجرجي زيدان، وشلبي شميل، وإسماعيل مظهر, لقد تشكل المواطنون ممن رضعوا لبان الحضارة المادية على خواء معرفي ومن نصارى عرب رضاهم في اتباع ملتهم ومن مستعربين حرصوا على إحياء الرابطة القومية، وممن رضوا بالعلمانية الشاملة بديلاً عن منهج الباري، يؤزهم المناديب والمستشرقون والمبشرون، وتدعمهم الجمعيات والمنظمات، ومن ثم جاء طرحهم استفزازياً متعدد المواقع, جاء في الإبداع: سرداً وشعراً، وللمتابع أن يقرأ الاختراقات الفكرية والأخلاقية عند عدد من الروائيين في (زمن الرواية) كما يقول الظلاميون ليرى مواطأة مكشوفة للإفساد الفكري باسم الحرية والإفساد الأخلاقي باسم أدب الاعتراف، وتدنيس أبطال المقاومة، وما انتصر جرير على الأخطل والفرزدق إلا بكفر الأول وفسق الثاني، فعندما قال الفرزدق يحكي مساعدة محبوبتيه على الوصول إليهما:- (هما دلتاني من ثمانين قامة) قال له جرير:- (تدليت تزني من ثمانين قامة)، والحق أن المبدعين:- شعراء وروائيين ممن تهتكوا أو انحرفوا، قصد جرير كل واحد منهم بقوله:- (وقصَّرت عن باع العلا والمكارم) لقد قصروا جميعاً, ومع الإبداع جاء النقد: تنظيراً وتطبيقاً ظهيراً للمنحرفين، وللمتابع أن يقرأ أساليب التعذير والمجادلة عنهم,وقد وفينا المواطأة المشبوهة بدراسات أرجو أن ترى النور قريباً إن شاء الله.


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved