| الاقتصادية
الاقتصاد قوة الدول والشعوب، ولاسيما في هذا العصر الذي اضحت فيه بعض الأمم رهينة المادة، بل تعتبرها الحد الفاصل بين التقدم والتخلف، فلا ترى صلاحا ولا فسادا إلا فيها، ولا ترى سبيلا لنهضتها ومناعتها إلا بها.
ومن هنا، احتلت الدراسات الاقتصادية مركز الصدارة، وشغلت اهتمام رجال السياسة والمال، وعلماء الاجتماع والاقتصاد.
والاسلام في مجال المعاملات الاقتصادية حافل بالوصايا والتوجيهات الأخلاقية التي ترشد إلى أسباب السلامة والاستقامة, ولا نستطيع استقراء توجيهاته في كل قطاع، ولكن الجدير بالاعتبار، أن دراسة هذه النصوص تمكن الدارس والباحث من معرفة الإسلام في مجال المعاملات، وما يمتاز به من ربطها بحسن النية وسمو الوجهة ونبل الهدف، لتحقيق ازدهار الأمة وتقدمها.
وفي بيان تعاليم الإسلام الاقتصادية ينبغي أن ندرك من البداية، أن الإسلام لم يأت بها منعزلة عن غيرها من التعاليم بل كان دائما يربط بينها وبين تعاليم خلقية عقائدية، تستقر في وجدان المسلم وتجعله يذعن لها اذعانا منبعثا من ضميره عن طواعية واختيار.
إن كلمة اقتصاد تحوي عدة معان موضوعية في كتاب الله عز وجل فهي تأخذ معنى التوازن، ومعنى الاعتدال، ومعنى التوسط في الأمور أي الاختيار الأمثل بين البدائل,.
فالعدل بين الناس وتوزيع الحقوق والتزام القول الحق، كل تلك الأمور هي من سبيل التوازن بين الاشياء والاعتدال والاقتصاد في الأشياء, يقول سبحانه: وإذا قلتم فاعدلوا الانعام 152, ويقول عز وجل:
وأوفوا الكيل والميزان بالقسط الانعام 152,, ويقول تعالى: واقصد في مشيك لقمان:19, ويقول سبحانه: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الاعراف:31، ويقول عز وجل: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان:67، ويقول تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط الإسراء: 29، ويقول عز وجل: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا القصص:77.
ان الاقتصاد إذا أفرغ من معاني الاعتدال والعدل والقسط والتوسط في الامور يصبح استغلالا ماديا للإنسان أو للسلع التي يتعامل معها, إذ العدل هو الركيزة الأساسية للاقتصاد ، لأن الاقتصاد يعني اختيار البدائل المثالية.
وللأسف، فإن من أبرز اخطائنا المنهجية في البحث والدراسة والتفكير، ان نحاول وضع نظام اقتصادي لأنفسنا من خلال الاسس الاقتصادية المعاصرة.
وقد نسمح لأنفسنا بإدخال تعديلات طفيفة على تلك الأسس او ترقيعها، رغم معرفتنا بأن تلك الأسس نشأت في ظل ظروف اجتماعية ونفسية واقتصادية خاصة ومغايرة لظروف مجتمعاتنا,.
ومن ثم، ينبغي ان نأخذ في الاعتبار ان كل نظام من النظم القائمة هو جزء من المجتمع الذي نشأ فيه، وان النظام الاقتصادي الذي يثبت جدارته ونجاحه في مجتمع من المجتمعات قد لا ينجح في مجتمع آخر، لاختلاف ظروف المجتمع الثاني عن المجتمع الاول, وعليه، فإن من واجب علماء الاقتصاد في بلادنا ان يتخلوا عن عقدة آدم سميث وكارل ماكس وان يبتعدوا عن الأسس التي قامت عليها النظم الفردية او الجماعية، بحيث يستقل مجتمعنا بنظام اقتصادي إسلامي، رباني المنهج والهدف، اخلاقي الخصائص والصفات نموذحي الواقع والتطبيق، مثالي الاهداف والغايات، أي نظام اقتصادي اسلامي فريد.
إذ من الخطأ أن نعتقد ان النظم الاقتصادية القائمة فردية كانت ام جماعية هي القدر الذي يجب علينا ان نختاره، ومن ثم، فعلينا ان نقلب ابصارنا لنختار احدى التجربتين.
وللأسف، فعندما فعلنا ذلك حالفنا الفشل الذريع.
إننا أمة لها كيانها وشخصيتها المتميزة ونحن مجتمع له معتقداته وظروفه وتقاليده الخاصة.
وان من الخطأ، أن يحاول بعض الاقتصاديين ممن تأثر بالعقلية الأجنبية ان يقرب اقتصادنا الاسلامي لأحد النظامين الاقتصاديين العالميين الرأسمالي أو الاشتراكي, على أساس ان في اقتصادنا الاسلامي ما يقر الملكية ويبيح الغنى ويمنح الحرية، فهو رأسمالي الوجهة,, كما ان في اقتصادنا الاسلامي ما يدعو الى توزيع الثروات وعدم حصرها بأيدي الاغنياء والمصلحة الجماعية معتبرة فيه، فهو اشتراكي الوجهة, ونسوا أو تناسوا ان الملكية مقيدة والغنى المحمود مشروط والحرية منضبطة، والتوزيع للثروات والدخول عادل، وليس كما هو الامر في تلك النظم الاقتصادية, ومن هنا، فإنني اطالب بإلحاح أن يكون لنا نظام اقتصادي إسلامي متميز في مصادره وفي أحكامه وفي أهدافه وفي خصائصه عن النظم القائمة، يستمد منهجه من تعاليمنا الإسلامية ومقاصد ديننا الحنيف.
وتراثنا الاقتصادي الإسلامي نبراس عدل وشاهد حق على السبق في الميدان الاقتصادي.
د, زيد بن محمد الرماني
|
|
|
|
|