| مقـالات
كان من بين الأمور التي تناولتها القراءة في الحلقة السابقة بعض ما ذكره المؤلف عن آل سعود في عهدي الدولتين السعوديتين الأولى والثانية وبداية الدولة السعودية الثالثة، وفي هذه الحلقة مواصلة لقراءة كتابه الموسوعي وإبداء ملحوظات على بعض ما دوَّنه فيه.
قال المؤلف الكريم (ص479):
وعند نهاية القرن الثامن عشر تمّ للوهابيين احتلال نجد بأكملها، وبدأوا بالإغارة على العراق، وتوّج ذلك بنهب كربلاء، كمركز للمعتقدات الشيعية، والاستيلاء على المدن المقدسة في الحجاز وتطهيرها, وإذا كان نهب كربلاء قد ارضى العثمانيين فقد أغضبهم كل الغضب احتلال مكة، لأنه يهدم لقب خادم الحرمين الشريفين الذي يحمله السلطان سنداً روحياً له .
ماقيل سابقا عن استعمال المؤلف الكريم لكلمة التوسعية وصفاً لسياسة عبدالعزيز بن محمد بن سعود يمكن أن يقال مثله في استعماله لكلمة احتلال ، التي تحمل دلالات سلبية؛ وبخاصة في الوقت الحاضر, ذلك أن بلدان نجد وقبائلها الرحّل كانت مفككة يحارب بعضها بعضا, ولو لم يكن لأنصار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من فضل إلا توحيد المنطقة وإحلال الأمن فيها محلّ الفرقة والاضطراب لكان هذا وذاك كافيين لجعلهم محلّ تقدير واحترام, إن توحيد المنطقة يأتي في طليعة الجهود الوحدوية التي قامت في الوطن العربي في القرون المتأخرة, أفلا يستحق عمل كهذا أن يعاد النظر في وصفه بأوصاف لا تتناسب وطبيعته؟
وعبارة المؤلف الكريم وبدأوا بالاغارة على العراق قد يفهم منها بعض القراء أن السعوديين هم الذين بدأوا الحرب مع السلطات العثمانية في العراق لكن الواقع كان خلاف ذلك, لقد قام ثويني بن عبدالله، زعيم قبيلة المنتفق الساكنة جنوب العراق، بالهجوم على الأراضي السعودية عام 1201ه/1786م، فهاجم سعود بن عبدالعزيز تلك القبيلة بعد ذلك بعامين تأديباً للفئات التي انضمت إلى ثويني في هجومه على تلك الأراضي, ثم قاد ثويني حملة أخرى، بأمر والي بغداد، ضد الأراضي السعودية عام 1211ه، وقتل داخل هذه الأراضي في مستهل العام التالي, فما كان من سعود إلا أن ردّ على تلك الحملة بهجوم على الأراضي العراقية سنة 1212ه هاجم فيه فئات من القبائل التي شاركت في حملة ثويني, وفي عام 1213ه جهّز والي بغداد حملة كبيرة بقيادة علي باشا ضد السعوديين، وتوغلت الحملة في أراضيهم وحاصرت حاميتهم في منطقة الأحساء حتى اكتشف علي أن الصلح خير، فتصالح معهم، وانسحب إلى العراق, وبذلك يتّضح أن السعوديين لم يبدأوا الحرب ضد العراق التي كانت حينذاك تحت الحكم العثماني, بل كانت عملياتهم الموجهة إلى العراق رداً على هجمات سابقة عليهم,
وماذا عن حادثة كربلاء؟
لقد قامت قبيلة الخزاعل قرب النجف بقتل ثلاثمائة رجل تقريبا من أتباع الدولة السعودية الأولى, فاحتج القادة السعوديون على ذلك، وطالبوا والي العراق بدفع ديات القتلى, لكن الوالي لم يتخذ من الإجراءات ما أرضاهم، ولم يدفع إليهم الديات، ولم تنجح المفاوضات بين الطرفين حول تلك المشكلة, فقام سعود بن عبدالعزيز بهجوم خاطف على كربلاء رداً على ماحدث من قتل لأتباع الدولة السعودية قرب النجف,
ولا شك أن دخول مكة تحت الحكم السعودي كان أقسى على العثمانيين من حادثة كربلاء, لكن من غير المسلّم به أن هذه الحادثة قد أرضتهم, ذلك أنهم كانوا مسؤولين مسؤولية مباشرة عن حماية كربلاء والدفاع عنها, وكان فشلهم في حمايتها ضربة معنوية لهيبتهم داخل مناطق حكمهم، كما كان إحراجاً كبيراً لهم أمام حكومة فارس بالذات.
قال المؤلف الكريم (ص 480):
استطاع عبدالعزيز الاستيلاء على الرياض غيلة من حاكم آل رشيد سنة 1902, وفي عام 1930 توّج في مكة ملكاً على الحجاز ونجد .
إن كلمة غيلة ليست الكلمة المناسبة لوصف قتل حاكم آل رشيد على الرياض أثناء هجوم عبدالعزيز ورفاقه على ذلك الحاكم واقتحامهم لقصر المصمك، وإجبارهم المدافعين عنه على الاستسلام, ذلك أن الحاكم المشار إليه قد قتل وهو يقاوم الملك عبدالعزيز ومن معه من المهاجمين .
ولقد لقّب عبدالعزيز آل سعود ملكاً للحجاز في عام 1344ه/1925م، وبذلك اصبح لقبه ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها, وفي العام التالي غيّر لقبه، واصبح ملك الحجاز ونجد وملحقاتها, وفي عام 1932م أصبح ملك المملكة العربية السعودية,
قال المؤلف (ص484):
إن علي بن رشيد كان شيخ العشيرة الأول، وإن ابنه عبدالله تولّى الحكم سنة 1248ه تابعا لآل سعود وأعلن استقلاله عام 1252ه، وإن طلال بن عبدالله تولى سنة 1286ه وتوفي في السنة نفسها، وإن محمد بن عبدالله تولى سنة 1286ه، وإن عبدالعزيز بن متعب تولى سنة 1314 وتوفي في محرم 1323، وإن سلطان بن حمود بن عبدالله بن علي تولّى سنة 1323 وتوفي سنة 1326.
والواقع أن علي بن رشيد كان أباً لعبدالله مؤسس إمارة آل رشيد, لكنه لم يكن شيخ عشيرة, أما عبدالله فقد تولى الإمارة بتعيين الإمام فيصل بن تركي عام 1250ه, ولم يعلن استقلاله عام 1252ه، وإنما اضطر إلى مغادرة حائل سنة 1253ه أمام قوات محمد علي باشا المؤيدة لأحد أمراء حائل السابقين, ثم عاد إلى الإمارة في السنة الأخيرة ذاتها بقواته الذاتية وتأييد من خورشيد باشا قائد قوات محمد علي الجديد, وظل عبدالله أميرا لجبل شمَّر حتى وفاته سنة 1263ه, فخلفه ابنه طلال الذي انتحر عام 1283ه، ثم متعب بن عبدالله الذي قتله أبناء أخيه طلال، بندر وبدر، سنة 1285ه, وتولى بندر الإمارة حتى قتله عمّه محمد بن عبدالله سنة 1289ه, أما عبدالعزيز بن متعب فقد تولى الإمارة بعد وفاة عمّه محمد سنة 1315ه، وقد قتل في معركة روضة مهنّا سنة 1324ه, أما سلطان فهو ابن حمود بن عبيد بن علي؛ أي أنه من نسل عبيد بن رشيد، لا من ذرية عبدالله بن رشيد، وقد تولى الإمارة بعد قتله لمتعب بن عبدالعزيز سنة 1324ه، وقتله أخوه سعود بن حمود سنة 1326ه.
وبعد،
فإن ما بذله الأستاذ الدكتور شاكر مصطفى من جهود عظيمة في هذا الدليل التاريخي الشامل عمل يستحق التقدير والثناء, وهو عمل يثقل كواهل فريق من الباحثين جمع مادته فقط؛ ناهيك عن جمعها، وفحصها، وتبويبها، ثم كتابتها, لكن من يعرف هذا المؤرخ الأديب؛ عطاءً وخدمة لتاريخ أمته وحضارتها، لا يستغرب منه مثل هذه الجهود العظيمة, وما هذا التعليق إلا استجابة لدعوته الكريمة المفتوحة للجميع، التي بثها في مقدمة دليله، فرحمه الله، وجزاه على مافعل من خير خيرا.
|
|
|
|
|