المستشار مؤتمن,, قاعدة ثابتة,, يجب ألا يخرج من إطارها أي مسلم وضعت الثقة فيه، وسُمي المستشار مستشاراً لأنه تشرب بكثير من صعاب الحياة,, واحتسى من كؤوسها المرة ما جعله ذا قوة عقلية، وبصيرة نافذة, والمستشار الصادق هو من يعين على الحق ويضع الأمور في أنصبتها, ويساعد على كشف الضر والخطأ ولا يحمل من ائتمنه من الذنوب والخطايا ما هو غني عنه، وقد يشير على المستشار من هو أقل منه قدرة عقلية وإدراكاً, لكونه نظر للموضوع من زاوية لم يرها غيره, ولا أروع من رأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه في غزوة بدر عندما استعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعركة، فقال يا رسول الله؛ أمنزل أنزلكه الله؟ أم هو الرأي والمكيدة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والمكيدة.
قال: لدي رأي,, نحول بين العدو وبين الماء,, وننزل عند آخر بئر ونعمل حوضاً نملأه, نشرب منه، ونتلف بقية الآبار,, جاء في الحديث أن ملكاً نزل لحظتها من السماء, فقال,, يا محمد يقرؤك ربك السلام ويقول الرأي ما قال الحباب.
وهناك مستشارون يتعجلون في اعطاء الرأي,, فإذا وقعت الواقعة بدأوا في خلق الأعذار وإبداء الأسباب,, ولكن بعدما خربت مالطة كما يقولون , ومن ألطف القصص في هذا الباب ما ذكره صاحب ذيل الآمال البغدادي عن المرأة الخارجية المسماة بالشيماء, عندما أتى بها إلى زياد فسألها في أمر الخلافة, وأبيه, قالت: ماذا أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه, فقال بعض جلسائه, أيها الأمير أحرقها بالنار,, وقال بعضهم اقطع لسانها, وقال آخر اسمل عينيها, لكنها ضحكت حتى استلقت وقالت,, عليكم,, كذا وكذا,, فقال لها زياد لَِم تضحكين؟ قالت: كان جلساء فرعون خير من هؤلاء,, قال كيف؟! قالت سألهم عن موسى عليه السلام, فقالوا أرجه وأخاه,, وهؤلاء يقولون اقطع لسانها واسمل عينيها, فضحك وتعجب منها وسامحها.
قلت هذه حكمة من زياد, لأنه غلب الخير على الشر, وحاول كسب الخصم بثاقب رأيه,, ولأنه أثبت أن أمر كل فرد من الأمة يهمه على اختلاف مذهبهم أما هؤلاء المستشارون, فقد أدلوا بآراء لا تؤدي إلا إلى الشر.
وزياد في حاجة لتثبيت أركان دولته وسد أبواب الشر، ونشر الأمن.
إن المستشار رجل مؤتمن,, والاستشارة تكون ذات تأثير عندما يغلب صاحبها جانب الخير لدرء جانب الشر، وهذه حقيقة الرأي سواء للحاكم أو الرجل البسيط عندما يطلب رأياً.
|