عزيزتي الجزيرة الغراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
في مثل هذه الأيام القائظة التي ترتفع فيها درجة الحرارة إلى أعلى معدلاتها,, والرطوبة الى أعلى نسبها,, ويصبح المناخ العام لا يطاق أو يحتمل فيصاب الانسان بالارهاق,, والتوتر,, والضيق من كل شيء حتى نفسه ومن حوله الأبناء الذين هجروا مقاعدهم الدراسية بمناسبة الاجازة الصيفية,, وليزيدوا من ارتفاع حرارة الجو بمشاكلهم,, ومضايقة بعضهم البعض,, وطلباتهم التي لا تنتهي,, فالاجازة لا تأتي الا في هذا الجو الصيفي الفظيع وهي من حقهم فهم الذين عاشوا الشهور الطويلة,, على مقاعد الدراسة,, وقاعات الامتحانات,, فكان من حقهم ومن واجبنا تجاههم وتجاه انفسنا ايضاً,, ان نتمتع في الاجازة بما يناسب الجهد الذي بذل خلال العام كله,, فالنفس عندما تكل وتتعب لا بد لها ان تمل,, وتحزن,, ولابد ان تجد متسعاً من الوقت تعيشه بعيداً عن المشاكل والارتباطات اليومية بما يعود عليها بالراحة التي تجدد نشاطها,, وتدفعها لمواصلة العطاء من جديد,ولكن السؤال كيف وأين نقضي هذه الاجازة الهامة؟؟
هذا السؤال كثيراً ما نخطىء في الاجابة عليه,, عندما نفكر بأن الاجازة تعني السفر خارج البلاد نقضيها في أجواء مغايرة تماماً لعاداتنا وتقاليدنا,, مصطحبين معنا فلذات أكبادنا وأسرنا الى بلاد اجنبية ومجتمعات كرست نفسها للفساد وهيأت سبله عبر سياستها السياحية التي تهدف من ورائها للكسب المادي الرخيص,, عدا ما يواجهنا من عناء ومشاق بداية من جمع حقائبنا,, ورصد المبالغ الكبيرة,, والمقتطعة من رواتبنا طيلة شهور العام او ما نستدينه من مبالغ لتغطية رحلتنا,, لا نشعر بحجمها الا بعد عودتنا,, وتواجهه ظروفنا المادية القاسية التي صنعناها بأنفسنا,, ونعيش الندم والأسف على ما صرف,, وما يجب ان يدفع لأصحابه,, فتكون اجازتنا وبالاً اكثر مما هي في الأصل متعة,, وزيادة في اعبائنا,, وهمومنا بدلاً من ان تكون مجالا لتخفيف هذه الأعباء,, وإبعاد او تقليل تلك الهموم,, في الوقت الذي نتجاوز هذا كله ونجعلها متعة حقيقية متواصلة نعيشها ونمني النفس بها عاما بعد عام عندما نعرف كيف وأين نقضيها؟
بلادنا واسعة وغنية بأماكن السياحة والاصطياف,, ومليئة بكل ما يبهج النفس,, ويضفي الراحة والسرور عليها,, وحكومتنا الرشيدة,, قد هيأت السبل,, وجندت الامكانيات,, وأنشأت المشاريع السياحية العملاقة,, في كل مناطق البلاد,, وأسدلت عليها لباسا من الأمن والطمأنينة والاستقرار,, فلا خوف من قاطع طريق,, ولا رهبة من اشقياء ومحترفين,, تسير حيثما شئت,, وتضع رحالك حيثما اردت,, ان اردت قمم الجبال فاسكنها,, وان استهوتك السفوح فاستوطنها,, وان شدتك زرقة الشواطىء ودفئها فجاورها,, فهي بلادك ووطنك,, وأرض الاجداد التي تربيت فيها وعرفتها,, وعشقتها,, والكل فيها محب لك,, مدافع عنك,, عطوف عليك,, الطائف المأنوس بجبالها وروابيها وحدائقها,, ومناخها,, المعتدل,, منها يمكنك ان تنطلق الى عالم الروعة,, والجمال,, والابداع الإلهي,, هناك حيث بلاد الجنوب,, وعبر طريق هيأته السواعد الوطنية,, وأوجدته حكومة لا تعرف المستحيل,, ولا تقف عند حدود البذل والعطاء,, عبر هذا الطريق الذي يخترق سلسلة جبال السروات,, لا يمكن للنفس ان تمل السير ولا تواجه أبداً عناء اصطحاب المؤن,, فالخدمات على اطرافه,, والمدن,, والقرى,, لا يفصلها شيء,, وجداول تجري,, لا تعلم من اين منبعها,, ولا منتهاها,, ومياه عذبة صافية,, وجو لطيف بارد,, يضفي على أشعة الشمس جمالاً,, وترى لونها الذهبي بوضوح ولا تنكسر عيناك وانت تحملق بها,, ولا يصيبك وهجها في ساعات الظهيرة,, هناك يتحول الصيف الى ربيع جميل تفوح فيه الأزهار وهي تلامس قطرات الندى,, وتغتسل بجبات المطر,.
الباحة بضبابها,, وامطارها,, واشجارها,, وغاباتها,, وآثارها القديمة الي تعانق حضارتها الجديدة,, وكأنهما يرسمان لوحة فنية لأصالة شعب,, وحضارة أمة,, منطقة استجمام,, وراحة,, يتبدد فيها التعب كلما تجولت في غابات رغدان,, ووادي الملد,, والعقيق,, وسهول تهامة وأبها البهية,, عروس الجنوب,, التي لبست ثوبها الجديد دون ان يغطي ملامحها,, واطلالتها,, العريقة,, تقابلك,, بميادينها,, وشوارعها,, وساحاتها الكبيرة التي يتوسطها تراثها,, وبواسطة دليلها السياحي المفضل,, يمكنك الانطلاق حيث المتعة,, والجمال,, في منتزهات,, ومناطق لم تشاهد,, ولن تشاهد مثلها في بلاد العالم,, فالسودة هذا المنتزه السياحي الذي يرتفع عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر لا يمكن ان ينسى زائره,, تلك المتعة بين غاباته واشجاره ووديانه الفسيحة، فالضباب يحجب الرؤية,, والسحاب يلاقي قمم الجبال,, والخضرة تغطي حتى الصخور,, والخدمات ووسائل الراحة منتشرة,, ومتوفرة,, كما لا يفوتني ان اتحدث عن منطقة القرعة التي لا تقل جمالاً عن منطقة السودة, هذه أمثلة فقط فالمنطقة الغربية والشرقية,, والشمالية,, والوسطى,, ومدينة حائل,, مليئة بما يبهج العين,, ويدخل السرور على النفس,, ويكفي انها لا تحتاج,, لجوازات,, ولا لتأشيرات,, ولا للوقوف ساعات طويلة,, في الجمارك,, ولا خوف ولا جزع,, ولا غربة موحشة,, قلّما تجدها إلا في بلدك,,, والله المعين.
مالك ناصر درار المدينة المنورة
|