| الاقتصادية
دلت الحوادث االأخيرة في عام 1999م على انتشار ظاهرة سرقة البضائع واغراق السفن، وكانت هذه العمليات قد توقفت في أوائل الثمانينات ويكمن أساس المشكلة في ان ملاك البضائع لا يحاولون التحري عن الناقلين البحريين الذين يتعاقدون معهم لنقل البضائع، وكثيرا ما يترك المستورد للمصدر الخارجي اختيار الناقل البحري لنقل البضاعة، وكل ما يعني المستورد هو ان يكون أجر الشحن رخيصا، دون أن يفهم ان هذا الأجر الرخيص تكون وراؤه المخاطر والخسائر، ودون أن يهتم، إذ ان هذا الناقل البحري يدير سفنا قديمة مستهلكة غير مسجلة دوليا وغير صالحة للملاحة البحرية في أعالي البحار، أم أنه ناقل يملك سفنا ذات خطوط ملاحية منتظمة مسجلة دوليا وصالحة للملاحة.
والنوع الأول من السفن يجوب البحار وينتقل بين الموانئ لالتقاط البضائع، فيتكرر التحميل والتفريغ، ولا تكون له مواعيد إقلاع ولا وصول،و فضلا عن اطقم بحارة على مستوى رديء من الخبرة، ومرئياتهم متدنية، ولا يتورعون عن ارتكاب جرائم السرقة ليحصلوا على المال.
عرض لحوادث سرقة البضائع وإغراق السفن
تسمي التقارير الدولية هذه العمليات سفن الأشباح : Phantom Ships، بتشبيه هذه السفن بالأشباح، حيث تختفي بعد نهب البضائع، إما ببيع البضاعة في ميناء ما، ثم تغيير اسم السفينة ولونها والعلم الذي ترفعه، ثم تندفع الى البحار لارتكاب نفس الجرائم وامابإغراق السفينة وضرب حجرين في آن واحد: ثمن البضائع المسروقة، وقيمة التأمين على السفينة.
ومن الحوادث التي وقت في عام 1999م، سفينة شحن كانت تنقل بضاعة عادية مع شحنة من الصلب من البحر الأسود الى منطقة الشرق الأوسط والهند، وكانت مملوكة لشركة رومانية، وتم تأجيرها لشركة رومانية أخرى، حيث قامت الاخيرة بتحميل البضائع، وحصلت على اجور الشحن، ويعتقد أن اموال لشركة مستأجرة السفينة نفدت بعد ذلك، ونتيجة لذلك، تأخرت السفينة في ميناء بورسعيد المصري لعدة أشهر، بزعم إجراء اصلاحات في آلاتها، ثم اختفت فجأة من المنطقة التي كانت راسية فيها، ولا زالت لم يظهر لها أثر حتى شهر نوفمبر 1999م، وربما حتى الآن.
وقد اكتشف محققو المكتب البحري الدولي IMB بعد ذلك ان عقد إيجار السفينة كانت قد انتهت مدته خلال وجود السفينة في بورسعيد، واعيدت الى الشركة مالكة السفينة الأصلية، ثم بيعت الى شركة اخرى في جزر البهاما، ويعتقد ان مالك السفينة الجديد قد تعمد الهرب بالسفينة وبما كانت تحمله من البضائع.
ويرى المحققون ان السبب في هذه الجريمة يرجع الى تدني أسعار الشحن، وتراخي الرقابة في الموانئ، ووجود سوق يقبل على شراء البضائع المسروقة في منطقة شرق البحر المتوسط.
وقد اتضح ان الشركة مالكة السفينة الاخيرة في حالة تصفية تشبه الإفلاس، ومن ثم فإن ملاك البضائع لم يجدوا أموالا ليحجزوا عليها ليحصلوا على قيمة بضائعهم التي سرقت.
وقد وقع حادث آخر مماثل، حيث كانت سفينة تحمل شحنة من السمسم من ميناء بورتسودان الى سوريا في شهر يوليو 1999م، وفي طريق الرحلة انحرفت عن مسارها الى قبرص، بزعم إصلاح محركاتها، ثم ابلغ عن غرقها بعد اقلاعها من ميناء ليماسول، القبرصي، وتم انقاذ جميع بحارتها، وقد دلت التحقيقات فيما بعد ان شحنة السمسم لم تكن بالسفينة عند غرقها، وان السفينة بعد ابحارها من بورسودان اتجهت الى ميناء السويس، حيث تم تفريغ شحنة السمسم في الصنادل، وتم وضع الرمال في عبوات البضاعة، وفي نفس الوقت، دخلت سفينة اخرى مشتركة معها في الجريمة إلى ميناء السويس حيث تم تحميل السمسم فيها، وتوجهت الى ميناء ليماسول حيث تم القبض عليها بعد اكتشاف اجولة فيها عليها ماركات الشحنة الاصلية من السمسم، واكتشف الغواصون في السفينة الغارقة اجولة مليئة بالرمال.
(نشرة مكتب مكافحة الجريمة التجارية الدولية CCB نوفمبر 1999م المقال الافتتاحي).
وتنتشر ظاهرة سفن الاشباح في سواحل جنوب شرق آسيا وفي بحر الصين الجنوبي، حيث تغير السفن شخصيتها في كل رحلة لتجنب القبض عليها، ويقوم مالك السفينة او المستأجر ببيع البضاعة لآخرين بعد تفريغها في ميناء آخر خلاف ميناء الوصول، ويقوم بإصدار بوالص شحن جديدة باسم المشتري الجديد، وتعود السفينة بعد ذلك للابحار باسم مختلف وعلم آخر.
وهناك مناطق في سواحل جنوب شرق آسيا، وفي سواحل بحر الصين اشتهرت منذ مدد طويلة باستخدامها في تهريب البضائع المسروقة.
(تقرير خاص عن مخاطر التجارة من سفن الاشباح IMB يونيو 1996م ص8 ، 9).
العوامل المساعدة لظاهرة سفن الأشباح
من أهم العوامل التي تساعد على نجاح عمليات سفن الأشباح قانون التسجيل المفتوح للسفن : Open Registry ويطلق عليه كذلك قانون أعلام الملاءمة Flags of Convenience تتبعه اعداد كبيرة من الدول النامية، حيث يمكن تسجيل السفينة او تغيير ملكيتها بمستند عرفي، دون التحقق من تسلسل توثيق سندات الملكية، ودون فحص السفينة لمعرفة مدى صلاحيتها للملاحة الدولية، وذلك مقابل رسوم يسيرة، ودون توجيه اسئلة.
وبالتالي فسفن الأشباح بعد تفريغ شحنتها وبيعا لبضاعة توجه الى احد الموانئ التي تطبق هذا النظام مثل جزر بهاما او دويلة بليز او مالطة، حيث تغير اسم السفينة واسم مالكها، ولونها وترفع علم دولة التسجيل المفتوح، وبذلك يتعذر تتبعها وضبطها.
ومن العوامل الهامة في مساعدة هذا النوع من الغش الدولي، تلهف اصحاب البصائع على سعر الشحن الرخيص الذي لا يتناسب مع الاسعار العالمية، وعدم المبالاة بالتحري عن الناقل البحري ولا عن نوع السفينة التي سيتم نقل البضاعة فيها، وذلك رغبة في الاقتصاد في تكاليف البضاعة، ويترتب على ذلك أن ما يقتصده صاحب البضاعة في أجر الشحن يتحول الى خسائر فادحة، حيث لا تصل البضاعة على الاطلاق، بعد ان قدم البائع مستندات الشحن الى البنك المراسل في بلده، ووجدت مطابقة وبالتالي، صرف البنك قيمة الاعتماد للبائع، والنتيجة هي فقد قيمة البضاعة، وفوات فرصة البيع في السوق، وحدوث مشاكل للمستورد مع عملائه الذين تعاقد معهم على بيعه هذه البضائع لهم، وقد يكون قد قبض ثمنها مقدما أو حصل على عربون من كل عميل، ويضاف الى ذلك وقوع المستورد في مشكلة مع البنك الذي فتح الاعتماد، فالمعروف ان المستورد يغطي نسبة من الاعتماد قد تكون 20 أو 40% مثلا، ويتحمل البنك الباقي, ولما كان البائع قد حصل على قيمة الاعتماد من البنك بعد تقديمه مستندات الشحن في الميعاد وبمطابقة شروط الاعتماد ولم تصل البضاعة، فيترتب على ذلك مطالبة البنك للمستورد بدفع القيمة التي تحملها البنك، فيحجز على أرصدته أو على بضائعه وفاء للمديونية المستحقة على المستورد مضافا لها عمولة البنك.
وتتلخص الوقاية من عمليات سفن الاشباح، باشتراط المستورد الشحن على السفن ذات الخطوط الملاحية المنتظمة Liners المسجلة دوليا في هيئة اللويدز البحرية في لندن، ويشترك ذلك في عقد البيع والاعتماد والتأمين، مع اشتراط تقديم شهادة من هيئة اللويدز تفيد ذلك ضمن مستندات الاعتماد، ففي هذه الحالة إذا لم تقدم هذه الشهادة، فسيمتنع البنك عن صرف قيمة الاعتماد وتظل أموال المستورد في أمان.
* مجلس الغرف السعودية
|
|
|
|
|