| الاقتصادية
لا شك ان المتتبع لمسيرة التطور الذي تشهده مدينة الرياض عاصمة الثقافة العربية يشده درجة الإتقان التي تُدار بها هذه المدينة وتوجه التنمية فيها, ومدينة الرياض بتسارع النمو الشديد الذي تشهده إنما تمثل تحدياً كبيراً للقائمين على شؤونها، ولن يكون مستغرباً أن تظهر بعض الإفرازات السلبية لهذا النمو، فالازدحام المروري وكثرة حوادث السيارات وازدياد نسب التلوث والنقص في المرافق والخدمات والتشتت في العمران وتزايد البطالة وغير ذلك، هي وليدة شرعية للنمو الذي هو بحجم ما تشهده مدينة الرياض.
إن ما يجب وضعه في الاعتبار هو ان درجة التعامل مع تلك المشكلات وكبحها ستختلف بمقدار ما يوضع لذلك من استراتيجيات تنموية تمكن من تشخيص هذه المشكلات وتقدير ما ستؤول إليه وكيف يمكن التعامل معها, وقد سعدت حقاً وأنا ارى ما تمخض عنه اجتماع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض الذي عُقد الأسبوع الماضي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض من إقرار لخطة التطوير الاستراتيجي للمدينة، الذي يرسم مستقبلها للعقدين القادمين, وهذه الاستراتيجية كما قرأت تمثل مخططا شاملاً يعالج جميع القضايا، الاقتصادية منها والحضرية، والبيئية، وقضايا النقل والمرور والمرافق العامة إلى آخر ذلك من القضايا.
ومما لا شك فيه ان الوقت الذي تصاغ فيه الاستراتيجية هو الوقت المناسب من حيث الحاجة إلى موجه للتنمية, فالمدينة الآن تخطت حاجز الأربعة ملايين نسمة، والعدد يتضاعف كل عشر سنوات حسب تقارير الهيئة, كما ان ايام الطفرة الاقتصادية التي كانت تعالج كل شيء وقتياً قد ولت, وجاء زمن التخطيط للمستقبل وتقدير الأمور مسبقاً, والإفرازات التي تحدثت عنها في بداية المقال بدأ سكان مدينة الرياض يشعرون بها بل ويتساءلون عما يخطط لمستقبل مدينتهم.
لقد جاءت استراتيجية التطوير المستقبلي كما اطلع عليها الجميع شاملة لجميع قطاعات التنمية، فهناك استراتيجية للتنمية الاقتصادية وللمرافق العامة والبيئة السكنية وإدارة التنمية الحضرية وسياسات وضوابط للنقل واستراتيجية للحفاظ على البيئة.
وكانت سعادتي مضاعفة عندما علمت ان هذه الخطة قد صيغت بعقول سعودية من أبناء الهيئة، تلك المؤسسة العملاقة التي تمثل العقل المفكر لمدينة الرياض, والتي من خلال متابعتي لخطواتها اراها تعمل على أسس رفيعة من التخطيط السليم المبني على المعلومة الدقيقة, كما أن ما يميز منهجية المخطط الاستراتيجي هو ان القائمين عليه قد أتاحوا الفرصة لمختلف شرائح المجتمع بالإسهام في إعداد ذلك المخطط حيث يتضح ذلك من خلال ورقة العمل التي ألقاها المهندس/ عبدالعزيز بن عبدالملك آل الشيخ مدير مشروع المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض خلال ندوة استراتيجيات التنمية للمدن العربية والتي عقدت في الرياض مؤخراً والذي أكد في هذا الخصوص مشاركة شرائح مختلفة من المجتمع عند إعداد هذا المشروع سواء من القطاعات العامة أو الخاصة.
ويمكنني القول ان كثيراً من مدن العالم المشابهة لمدينة الرياض إنما تغوص في مشكلات حضرية لا حصر لها أدت في الغالب الى تداعي النواحي الاجتماعية والثقافية والأمنية, والرياض بحمد الله ظلت في منأى عن تلك الظروف والإشكاليات, اما لماذا؟ فلأنها تدار على أسس من التخطيط السليم المبني على المعلومة الدقيقة بواسطة رجال نذروا أنفسهم لخدمة هذه المدينة الغالية على الجميع يقودهم ويوجههم الجامعة الإدارية القائمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض,, الذي نقل هذه المدينة عبر اربعة عقود من مدينة صغيرة الحجم والتأثير إلى إحدى أهم المدن في هذا العالم، لنراجع سوياً بعض الأمثلة على ما أنجزته الهيئة خلال العقدين الماضيين لنرى الشاهد أمامنا فحي السفارات النموذج المثالي في التخطيط، ومنطقة قصر الحكم، وطريق الملك فهد، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، الذي لا ابالغ إذا قلت بأنه فخر العمران والتخطيط في المملكة, ناهيك عن الدراسات والبحوث، والتخطيط العمراني الذي من أمثلته ما تم في الشريط المحصور بين طريق الملك فهد وطريق العليا من تعديل للأنظمة والضوابط الخاصة بالبناء وها هي النتائج أمامنا في الفيصلية ومجمع المملكة وغيرها.
إن ما يتوجب التأكيد عليه هو ان الجانب المعلوماتي والبحثي الذي تعمل من خلاله الهيئة العليا لمدينة الرياض إنما يعد بمثابة الجانب الأميز والذي من خلاله نجحت الهيئة في العديد من المشاريع التي أنجزتها, ولذا فإنني أدعو كافة أجهزة الدولة الأخرى بان تحذو على نفس النهج الذي تسير عليه الهيئة في هذا الخصوص، فالموارد المالية المتاحة في الوقت الحاضر لم تعد كما كانت في السابق, ولذا فإن تنفيذ المشاريع بأقل التكاليف لا يمكن ان يتحقق ما لم يكن هناك معلومة دقيقة يتم استخدامها وفق نهج استراتيجي مدروس.
عبارة تهنئة لسعادة المهندس عبداللطيف بن عبدالملك آل الشيخ رئيس مركز المشاريع والتخطيط وكافة العاملين في الهيئة على إقرار خطة التطوير الاستراتيجي لعاصمتنا السعودية، حيث يعد ذلك إضافة إلى الإنجازات المتلاحقة التي يحققها مركز المشاريع والتخطيط مما يعكس قدرة منسوبي الهيئة على تنفيذ وترجمة الخطوط العريضة التي يرسمها المهندس الحقيقي لعاصمتنا السعودية صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز.
وختاماً لا يسعنا سوى القول بأنه طالما ان كافة الجهود قد أنجزت بالشكل المدروس من قبل هؤلاء الرجال المخلصين فلا يسعنا سوى أن نُطمئن كافة أهالي مدينة الرياض بأن مدينتهم هي بالفعل في أيدٍ أمينة.
|
|
|
|
|