| مقـالات
قال أبو عبدالرحمن: لا بدَّ من أكثر من استراحة روحية أَفصِل بها الجولة مع كامو، وهاملت، وتولستوي، وغيرهم من الوجوه الغبِرة,, وخير ما أستريح به تحقيقاتٌ عن الذكر وأهله,, ولا سيما ذكر الله طرفي الليل والنهار، وقد ورد النص بذلك في الدعاء والتسبيح والتحميد والذكر عموماً؛ فمن ذلك توجيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تجاه قوم مؤمنين استضعفهم طغاة الكفار,, ومن صفاتهم ذكر الله طرفي الليل والنهار,, أمره ربه أن يقربهم، وأن يصبر نفسه معهم: لأجل عبودية الذكر، ولا يرمق المنتفخة آنافهم عن العبودية لله من أجل مراكزهم ونفوذهم وغناهم,, وقد عاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الموضع بسورة عبس,, ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هداية البشر، وأنه يستألف الأقوياء 1 ممن يرجو بإسلامهم عز الإسلام؛ لما سلف من صفات الزعامة والجاه,, إلا أنه سبحانه لم يجعل هذا الهدف النبيل ملغياً أدنى رعاية لعباده المؤمنين السابقين الذين يستكبر عليهم أولئك الكفرة,, قال تعالى: (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون * ولا تطرُد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ماعليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطرُدهم فتكون من الظالمين{ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهاؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام علكيم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) ]سورة الأنعام/ 51 54[.
قال أبو عبدالرحمن: وردت هذه الآيات الكريمات في سياق محاورة الكفار، وإقامة الحجة عليهم,, واستغرابهم بقولهم الذي قصّه الله عنهم: (أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا): دليل على أنهم مستقلَون للمؤمنين، مستكثرون لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بدليل قوله تعالى: (ولا تطرد,) الآيات,, وقوله تعالى: وأنذر به الذين يخافون,,,),, وكل هذا يعني خصوصية الاهتمام بهم، وأن الكفار قد قامت عليهم الحجة، وحصل لهم البلاغ الكامل؛ فليسوا أهلاً لأن يخصهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاهتمام، أو يحزن عليهم وتذهب نفسه عليهم حسرات كما في سورة فاطر,, إذن السياق عن كافر مستكبر، ومؤمن سابق مستضعف، وأمر لاتقى الخلق وأخشاهم لله عليه الصلاة والسلام أن يهتم بالمؤمنين أهل الذكر، وأن يصبر نفسه معهم في هذه العبادة,, ثم جاء خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد دلالة السياق هذه,, قال الحاكم: أخبرني أبو علي الحافظ: أنبأنا إبراهيم بن أبي طالب: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا مؤمل بن سفيان: حدثنا إسماعيل بن المقدام: عن المقدام بن شريح: عن أبيه: عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنهم) في هذه الآية: }ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه سورة الأنعام/52{ قال: نزلت في خمس من قريش أنا، وابن مسعود فيهم ,, فقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: لو طردتَ هؤلاء عنك جالسناك,, تدني هؤلاء دوننا,, فنزلت: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) إلى قوله: (بالشاكرين),, هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه 2 ,
قال أبو عبدالرحمن: وأيده الذهبي في التلخيص يدل على أن مسلماً أخرجه بما هو أتم,, وصححه ابن حبان، وله شاهد يأتي من صحيح مسلم, ويدل على كل ماسبق آية في سورة كريمة أخرى، وهي قوله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) }سورة الكهف/28 { فهذه الأية شاهدة للآية من سورة الأنعام بأن لا يطردهم بقوله تعالى: (ولاتعد,,,)، وقوله: (ولا تطع)، ثم بتوجيه الله له بأن يقول للمستكبرين: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر,,) }سورة الكهف/ 29{,, وهي مكملة لها بقوله تعالى: (واصبر نفسك).
والله سبحانه لا يُغفل قلبَ أحد ابتداأً 3 ، وإنما يكون ذلك عقوبة على كفر وإصرار ومحادة؛ إذن هؤلاء الكفار بلغت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم غايتها، وقامت عليهم الحجة بالبراهين، وكفروا عن عناد، وساوموا على الحق بطلبهم طرد المؤمنين: فلم يبق إلا الاحتفاء بالمؤمنين السابقين.
وكل ما سبق أيضاً دل عليه خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام مسلم، فقال: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن عبدالله الأسدي: عن إسرائيل: عن المقدام بن شريح: عن أبيه: عن سعد (هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر؛ فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لايجترأن 4 علينا,, قال: وكنت أنا، وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أُسمِّيهما 5 ؛ فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاأ 6 الله أن يقع، فحدَّث نفسه؛ فأنزل الله عز وجل: }ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه{ 7 .
وقال مسلم: حدثنا زهير بن حرب: حدثنا عبدالرحمن: عن سفيان: عن المقدام بن شريح: عن أبيه: عن سعد: فيَّ نزلت: }ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي{,, قال: نزلت في ستة: أنا، وابن مسعود منهم,, وكان المشركون قالوا له: تدني هؤلاء؟ 8 .
قال أبو عبدالرحمن: لست أدري كيف فات الحافظ الذهبي التنبيه على وهم الحاكم في دعواه أن الحديث لم يخرجاه,, مع أنه في صحيح مسلم بمتن أوفى,, وقد مرّت رواية الحاكم، وفي مقارنتها بروايتي مسلم نجد الآتي:
1 مدار الحديث على المقدام بن شريح: عن أبيه.
2 رواه عن المقدام: إسماعيل، وإسرائيل، وسفيان.
3 في رواية إسماعيل عند الحاكم أنها نزلت في خمس 9 من قريش فيهم سعد وابن مسعود رضي الله عنهما، وأن الكفار اشترطوا لمجالستهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد من استضعفوهم من المؤمنين، وأنهم قالوا مستغربين: تدني هؤلاء دوننا؟.
4 في رواية إسرائيل 10 عند مسلم: أنهم ستة نفر,, وحري أن سعداً رضي الله عنه لم يضبط العدد بدليل قوله: ورجلان لست أُسمِّيهما ,, أي أنه لم يتذكر من هما، فأصل الشك موجود، ويحتمل أن يكونوا خمسة، وأن الذي لم يُسَمِّه واحد لا اثنان,, ويُحتمل أن يكون ضابطاً لأصل العدد، وأنهم ستة، وأنه غاب عنه اسم رجلين,, وعلى أي حال فغياب واحد أو اثنين عن الذاكرة يُحتمل منه صحة العدد ستة، وصحة غياب اثنين,, ويحتمل منه خطأ العدد ستة، وخطأ غياب اثنين، وأن العدد خمسة والغائب واحد,, وهذا يرد كثيراً في حياة الناس اليومية,, على أن رواية سفيان عند مسلم أكَّدت أن العدد ستة؛ فيكون الوهم من إسماعيل عند الحاكم.
5 في رواية إسرائيل عند مسلم إضافة قول الكفار: لا يجترأُون علينا ، ولم يذكر المجالسة؛ فصارت كل رواية مكملة للأخرى,, وليس كل من شهد حدثاً يحصي تفاصيله، وإنما يذكر كل واحد من أرباب المجلس ما أغفله الآخر، أو يكون شاهد الحدث ذكر جزئية وغفل عن أخرى، ثم حدّث ثانية فذكر ما أغفله وأغفل ماذكره,, وكل ذلك بلا تناقض، وهذا عادي في حياة الناس ما لم يكن ثم تناقض.
6 أضافت رواية إسرائيل وهي الأصل المعتمد ذكر بلال ورجل من هذيل، فَتُرَدُّ رواية إسماعيل وسفيان إلى رواية إسرائيل.
7 وهكذا كل التفاصيل التي لم تَرِد عند إسماعيل وسفيان,, ومن كل هذه التفاصيل يظهر العجب من قول الحاكم: ولم يخرجاه,, وهو لم يأت إلا بمتن مختصر!!.
8 أضافت رواية سفيان تدني هؤلاء ، وأضافت رواية إسماعيل دوننا ؛ فعلمنا أن رواية إسرائيل مختصرة في هذه الجزئية.
قال أبو عبدالرحمن: لم يُرِد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي زينة الحياة الدنيا كما يتبادر إلى الذهن من عتاب الله له في سورة الكهف، وإنما كان ربنا سبحانه يُغّلِّظ على صفيه وخيرته من خلقه في العتاب والنهي كما في سورة يونس، وسورة الإسراء؛ ليجرده للعبودية,, إذن قوله تعالى: (تريد زينة الحياة الدنيا) قيد لما لم يحصل من المنهي عنه فيما لو حصل,, والتقدير: ولا تعد عيناك عنهم وأنت تريد زينة الحياة.
أما الذي وقع في نفس محمد صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: فيقول أبو عبدالرحمن ابن عقيل: والله الذي لا إله إلا هو لا رب غيره، ولا يستحق أن يقسم به إلا هو: إنه لم يقع في نفس محمد صلى الله عليه وسلم ألبتة أنه يريد زينة الحياة الدنيا,, هذا محال من شهادة الله، وتفضيله إياه,, ومن حلف على القطعي من دين ربه فيمينه منتهى البر والصدق,, وإنما وقع في نفسه عليه الصلاة والسلام فعل المنهي عنه بدون قيده، وذلك قبل ورود النهي,, أي وقع في نفسه أن يقرِّب الكفار، ويبعد المؤمنين إلى أجل,, لا لإرادة زينة الحياة الدنيا، بل لاستئلاف الكفار مع ثقته بالمؤمنين,, إلا أن الله لم يُمضِ اجتهاده، فنزلت الآية الكريمة.
وأما الآية من سورة الحجر فهي نهي له عليه الصلاة والسلام أن ينظر إلى إمتاع الله لهم,, 11 لا لأنه يريد زينة الحياة الدنيا لذاتها، بل لأنها ذات أثر في تقوية المسلمين إذا حصل استئلافهم 12 وتقديمهم,, فأمره ربه أن يقدم المؤمنين، ولا يعبأ بمتاع الكفار، ولا يجرن عليهم لكفرهم، فتذهب نفسه عليهم حسرات، لأنه قد بلَّغ غاية البلاغ,, قال تعالى: (لا تمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين( }سورة الحجر/88{.
قال أبو عبدالرحمن: وربما قال قائل: كيف يلغي أبو عبدالرحمن ما أثبته الله من قيدٍ، وهو إرادة زينة الحياة الدنيا؟,, والجواب: أن الذي ألغيته غير الذي أثبته ربنا سبحانه,, أي أنني ألغيت أن محمداً صلى الله عليه وسلم يريد زينة الحياة الدنيا، والله سبحانه لم يخبر عن صفيِّه بذلك، وإنما نهاه أن يريد,, وليس كل منهيٍّ واقعا فيما نُهي عنه، والله سبحانه نهى صفيّه عليه الصلاة والسلام عن الشرك وهو سيِّد الموحِّدين!,
قال أبو عبدالرحمن: وربما قال قائل: مافائدة نهي من لم يقع في قلبه إرادة ذلك,, والجواب من وجوه:
أولها: حصول اليقين في لغة العرب، ولغة الشرع، والمعقول: أنه ليس كل منهيٍّ يكون واقعاً في المنهي عنه؛ فالنهي لمحمد صلى الله عليه وسلم تأكيد لتجريده للعبودية، وتعليم لأمته.
وثانيها: أن الذي وقع في خاطر محمد صلى الله عليه وسلم تقريب ذوي زينة الحياة الدنيا,, لا إرادة الزينة نفسها,, وهذه الإرادة لاستئلافهم وتقوية الإسلام بهم؛ لأنهم ذوو زينة متبوعون,, مع ثقته بمن استضعفه الكفار من المؤمنين إذا أبعدهم.
وثالثها: جعل الله إدناأَ ذوي الزينة في حكم إرادة الزينة: إما لأن الناس لا يعلمون ما في القلوب؛ فيظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد الزينة,, وإما لأن إدناأهم ومآنستهم يفضي ولو بعد حين إلى مؤانستهم ومشاركتهم في الزينة,, والرسول صلى الله عليه وسلم مضمون له أن لا يفعل ذلك، فكان قطع الذريعة تعليماً لأمته.
قال أبو عبدالرحمن والاستئلاف الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروع، ولكن الله ألغى مشروعيته في هذا الموضع، ولم يمض اجتهاد عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم لسببين:
أولهما: ما مضى في علم الله من استمرار ضلالهم، وما ظهر في الواقع من بلوغ رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الإبلاغ لهم، وقيام تمام الحجة عليهم.
وثانيهما: أنه لا كرامة للكفار؛ فلا يُبعد المؤمنون ولو إلى حين من أجلهم,
وبإيجاز فسياق الآية من سورة الحجر موافق لسياق الآيتين من سورتي الأنعام والكهف، وكل ذلك شاهد لصحة حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهكذا يوافقهن السياق من سورة طه؛ إذ أمره ربه بسيما الذاكرين لله طرفي الليل والنهار، المعرضين عن استكبار الكفار,, قال تعالى (فاصبر على مايقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى* ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير، وأبقى) }سورة طه/130131{.
قال أبو عبدالرحمن: كل هذه الآيات عن فضل ذكر الله طرفي الليل والنهار,, والرسول صلى الله عليه وسلم متبوع لا تابع ومع هذا أمره ربه أن يكون مع هؤلاء الذاكرين وهو خيرهم؛ لأنه أتقى الخلق لربه، وأخشاهم له؛ ليؤكد له ربه عظم شأن هذه الوظيفة وأن لايشغله عن ذلك (إذ هو ولي أمر المسلمين) مطلب مصلحي كبير وهو مايرجوه من وراءِ استئلاف الكفار ,, وأكَّد عليه ربه ضرورة هذه الوظيفة والقيام بها (وهي وظيفة الملائكة الكرام عليهم السلام)؛ فقال تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين* إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) }سورة الأعراف/ 205206{.
وهذا الذكر لم يُنسخ بالصلوات الخمس، وغاية ما في الأمر أن هذه الآية الكريمة مكية نزلت قبل فرض الصلاة، ثم زاد فرض الصلاة وبقي الذكر على عموم الأمر، بل جاء تأكيده في سورتين مدنيتين؛ فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً* وسبحوه بكرة وأصيلاً) }سورة الأحزاب/ 4142{، وقال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يُسبِّح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة,) }سورة النور/3637{.
قال أبو عبدالرحمن: إذن ذكر الله زائد على الصلاة، ولكن يجمعهما مَعَّيةُ المكان في المساجد، ومعية الزمان أطراف الليل والنهار,, ووردت نصوص صريحة متواترة صحيحة عن صيغٍ لذكر الله ليست من أعمال الصلاة تُقال طرفي الليل والنهار, ومن النصوص الآمرة بالذكر قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) }سورة غافر/55{، وقال تعالى: (فاصبر على مايقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب* ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) }سورة ق/ 3940{.
قال أبو عبدالرحمن: ذكر الله مشروع لذاته، ومن لم يذكر الله إلا في حالة وُظِّف فيها الذكر: فلم يذكر الله إلا بالمناسبة!!,, قال حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: لم يفرض الله فريضة إلا عذر أهلها في حالِ عذرٍ غير الذكر؛ فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه؛ فقال: (فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم) }سورة النساء/103{, (13)
ومثل ذلك قوله تعالى عن مدح ذوي الألباب: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم,,,) }سورة آل عمران/191{ ومثله قوله تعالى معلماً عباده: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون* وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون }سورة الروم/1718{,, والتسبيح والتحميد من ذكر الله.
ويظهر أن ذكر الله أطراف الليل والنهار من شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال تعالى عن زكريا عليه الصلاة والسلام وقومه: ,,, فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشياً سورة مريم/11 ، وقال له ربه: واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار سورة آل عمران/41 ,, وأمر نبيه داود عليه السلام، فقال: إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق }سورة ص/18{,, وإنما وظف داود عليه السلام العشي والإشراق للتسبيح بأمر شرعي، والإبكار ما بين صلاة الفجر إلى الزوال، والعشي مابين زوال الشمس وغروبها، والآصال ما بعد العصر إلى المغرب 14 .
***
الحواشي:
(1) بينت كثيراً أن إفراد رأس الألف وسط السطر لا مسوِّغ له، وأن الأولى رسم صورة الألف، وأن توالي ألفين ليس أشنع من تغيير صورة الحرف.
قال أبو عبدالرحمن: وقد أجري مع الرسم المعتاد في مكاتباتي وبعض الدوريات؛ حتى لا أُتهم بجهل القاعدة، ولأن تغيير الإلف عسير,, وهكذا تعاملي مع رسم الآيات الكريمات.
(2) المستدرك 3/361 في مناقب ابن مسعود من كتاب الصحابة رضي الله عنهم/ توزيع عباس الباز بمكة المكرمة/ دار الكتب العلمية/ طبعتهم الأولى عام 1411ه.
(3) انظر التعليقة رقم 1 .
(4) رسمها هكذا يجترؤون صحيح، وما أثبته أصح وأرجح.
(5) أي لنسياني من هما.
(6) انظر التعليقة رقم 1 .
(7) صحيح مسلم بشرح النووي 15/196 في مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم/ دار القلم.
(8) المصدر السابق، والحديثان برقم 2413.
(9) والصواب لغة: خمسة.
(10) هو ابن يونس بن أبي اسحاق السبيعي.
(11) تقدير الكلام قبل ذلك: ليس نهي الله له من أجل إنه يريد,, فناسب وضع النقطتين الأفقيتين مكان الكلام المقدر؛ لأنهما أقل علامة للحذف، وهي علامة لانقطاع الكلام واستئناف غيره مغنية عن وضع نقطة ثم ابتدإٍ من أول السطر.
(12) ها هنا تترجح النبرة مكان الألف؛ لأن الهمزة ساكنة، ولا صورة للساكن من حروف الإعراب؛ ولأن اتصال حروف الكلمة خير من فصلها.
(13) تفسير ابن كثير 3/609 في تفسير الآية 41 من سورة الأحزاب.
(14) قال أبو عبدالرحمن: لعلك لا تجد مثل هذا التحقيق في كتاب، والله المستعان.
|
|
|
|
|