| تحقيقات
حوار : منصور البراك
يقوم مستشفى الملك خالد الجامعي هذه الايام بحملة للفحص المبكر للراغبين في الزواج تزامنا مع الأنشطة العالمية لمشاكل الأمراض الوراثية والتي تسعى للحد منها نظرا لما تحدثه من معاناة وأضرار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة بسبب عدم توفر العلاج المناسب لتلك الأمراض والتكاليف الباهظة لرعاية المرضى إضافة الى ما يتكبده المجتمع من خسارة لطاقات بشرية كان يمكن أن تكون لها إسهامات وعطاءات لخدمة الأمة ومن هذا المنطلق وحرصا على عدم استفحال هذه المشكلة تأتي هذه الحملة أو المشروع لتوعية المجتمع وارشاده، وفي هذا الإطار يسعد الجزيرة ان تلتقي بالمسؤول الأول عن تنفيذ المشروع الأستاذ الدكتور محسن بن علي الحازمي رئيس قسم الكيمياء الحيوية الطبية بكلية الطب بجامعة الملك سعود ليحدثنا بشكل مفصل عن هذا المشروع وأهميته والمردود المنتظر من تطبيقه والطموحات المؤملة لمكافحة تلك الأمراض الخطيرة فإلى نص الحوار:
* أعلنتم مؤخرا عن قيام مشروع الفحص المبكر قبل الزواج, هل هذا المشروع تجربة جديدة لدينا؟ وما الذي دعاكم للقيام به؟
مشروع الفحص المبكر قبل الزواج ليس جديدا ونحن نقوم بإجراء هذه الفحوصات تقريبا على مدى العام ولكن موضوع التوعية والإرشاد ومحاولة التركيز على هذا الموضوع يتم في الفترات ذات العلاقة بالأنشطة العالمية لمشاكل الأمراض الوراثية وضرورة التوعية بها وإلقاء الأضواء عليها كجزء من خدمة المجتمع فيما يتعلق بالأمراض الوراثية وضرورة الحد منها ومكافحتها عن طريق الفحص قبل الزواج, وتنبع هذه الفكرة من كون الأمراض الوراثية لأمراض الدم صفة متنحية فأحيانا الشخص الحامل لها لا يظهر عليه المرض ولكن عند اقتران الحامل لهذه الأمراض الوراثية بامرأة حاملة ايضا لهذه الأمراض الوراثية وكلاهما يبدو صحيحا فإن بعض أولادهم يرثون هذه الأمراض وهذه الاعتلالات كونهم يأخذون هذه المورثات المعتلة من كلا الأبوين ونحن نركز في حملتنا أولا على فحص الرجل فإن وجد سليما نتوقف عند هذه المرحلة حيث لا توجد ضرورة لفحص المرأة أو الخطيبة أما إذا كان حاملا لأمراض الدم الوراثية فإن ذلك يستلزم أن نفحص ايضا الخطيبة أو المرأة التي يرغب الاقتران بها لئلا تكون حاملا كذلك وهذا في الحقيقة هدف الفحص وهو استبعاد ان يكون كلا الأبوين الرجل والمرأة حاملين لأمراض وراثية معتلة.
* اين يتم تقديم هذه الخدمة؟ وهل الحملة تشمل جميع الراغبين بالزواج؟
نحن نقدم هذه الخدمة في كلية الطب وفي مستشفى الملك خالد الجامعي من خلال المركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية كوننا مركزا مرجعيا لهذه الأمراض وبود اللجنة الوطنية للأمراض الوراثية التابعة لوزراة الصحة أن تقوم كل المستشفيات بإجراء هذه الفحوصات على الأقل في فترة التوعية هذه التي نحاول قدر الإمكان التركيز عليها ولكن لا تقدمها كل المستشفيات في الوقت الحاضر وليس هناك التزام بها في كل المستشفيات ولكن يتم التنسيق عادة مع بعض المستشفيات في القطاع الحكومي والقطاع الخاص بشكل تعاوني وتطوعي واختياري.
ونرحب بالراغبين في الزواج ممن لديهم في اسرهم بعض الافراد مصابين أو هم من الذين نطلق عليهم الاكثر عرضة للإصابة إذا كان لهم أقارب أو لهم أولاد مصابون بهذه الأمراض.
* هل هناك طرق أخرى للحد من انتشار تلك الامراض؟
بالنسبة لمجتمعاتنا على مدى السنوات الماضية أجريت دراسات ووجدت طبعا طرق المكافحة متعددة لهذه الأمراض لكن أنجعها هو الفحص قبل الزواج لأن هناك طرقا اخرى مثل الفحص اثناء الحمل لكن عادة يتم الفحص في مرحلة متأخرة من الحمل فإذا وجد انه مصاب فإن الإجهاض لايتناسب مع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا فنحن نقول إن الوقاية خير من العلاج فنبدأ بمرحلة منع اقتران رجل بامرأة حاملين للمورثات وذلك عن طريق إجراء الفحص وتقديم الاستشارة الوراثية الوقائية نحن لا نمنعهم ولكن ننصحهم في ضوء نتائج التحاليل بما هي الاحتمالات التي يجب ان يأخذوها في الاعتبار وكيفية الوقاية منها.
* ما أهمية الفحص المبكر قبل الزواج؟
كما أسلفت انه إذا اقترن رجل حامل بامرأة حاملة فإن بعض الأولاد يصابون نتيجة التوارث من هذه القاعدة العلمية نشأت فكرة منع استفحال هذه المشكلة عن طريق زواج رجل مصاب بامرأة مصابة فنحن نحاول قدر الإمكان الحد من نسبة حدوث هذه الأمراض عن طريق التوعية والإرشاد بأنماط الوراثة وكيف يتم توارثها وكيف نستطيع ان نتجنبها.
* ما الإجراءات التي تقومون بها للراغب في الفحص المبكر قبل الزواج؟
نحن نركز في المرحلة الأولى على الرجل لأنه في مجتمعنا فحص الرجل سهل وميسور أكثر من المرأة وتحنبا لإحراج الأسرة فيما بعد فلو وجد ان المرأة مصابة أوحاملة ربما يعرف عن هذه العائلة انها مصابة ببعض الامراض وبالتالي تنشأ مشكلة الإقبال على الزواج من هذه العائلة لأسباب طبية أو اجتماعية أو نفسية فنحن نقدم الخدمة للرجل في المرحلة الأولى ثم إذا دعت الضرورة نعمل فحصا ايضا على دم المرأة لكن أحب ان اركز على ان المعلومات ونتائج التحليل ومناقشة نتائج التحليل ومدلولاتها تتم لكل فرد على حدة وبكامل السرية بحيث لا يعرف الشخص الآخر ماهي التحاليل وما نتائجها لأننا نعطي المعلومة للشخص المعني دون غيره.
* لماذا لا يتم تعميم الفحص المبكر على جميع المستشفيات؟
هذه هي الطريقة المثلى فإن استطعنا أن نعممها على جميع المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة والعسكري والمستشفيات الخاصة والأهلية فإن هذا الجهد يكون كاملا ومتكاملا.
* كيف ترون الطريقة المثلى للحد من آثار الأمراض الوراثية؟ والأسلوب الصحيح للقضاء على الكثير منها؟
الأمراض الوراثية بصفة عامة لا نعرف عنها كثيرا هناك حوالي 80 ألف مورثة في جسم الإنسان لا نعرف منها إلا العدد اليسير جدا ومن ناحية عملية واقتصادية وحتى تطبيقية قد لا تستطيع ان تفحص كل آلاف الأمراض ولكن يمكن ان تختار الأمراض الشائعة والأمراض الشائعة بعضها سهل تشخيصه وبعضها يتطلب استخدام الهندسة الوراثية لتشخيصه فربما لو بدأنا بمرحلة الفحص قبل الزواج لأمراض الدم الوراثية والمنتشرة في بعض مناطق المملكة بصورة عالية فإن لها فائدة اقتصادية وجدوى عظيمة الفائدة في الواقع ثم الاختبارات التخصصية يمكن ايجاد مركز لها وهناك الآن دعوات لفحص المواليد وهناك فائدة طبية واجتماعية واقتصادية من هذه البرامج في الحقيقة وهناك اتجاه على مستوى العالم للتركيز على الجوانب الوقائية لأنه كما تعلمون العلاج ليس ميسورا ثم إن تيسر فهناك تكلفة اقتصادية وعلاجية كبيرة التكلفة,
* الفحص المبكر قد يكون سبباً في إفشال الكثير من الزيجات؟ مارأيكم؟
لا أعتقد أن هذا صحيح لأنه لم تتم الزيجة لأن الفحص يكون قبل الزواج فإن وجد أن هناك مانعا صحيا أو ربما يكون واجبا ألا تتم هذه الزيجة نظراً للأضرار الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تترتب عليها أقول هنا إنه يجب مقارنة السلبيات بالإيجابيات وكما أسلفت نحن ليس لدينا سلطة لمنعها ولا نملك منعها ولا ننصح بمنعها ولكن نضع الحقائق العلمية أمام الأشخاص ذوي العلاقة والأشخاص المعنيين بالأمر ولهم اتخاذ القرار.
* هل توجد نسب للأمراض الوراثية الموجودة بالمملكة؟
الإعاقة كما تعلم عدة أنواع وعدة مستويات تختلف شدتها من مجتمع إلى آخر لكن هناك جانب كبير من الإعاقة ناتج من الأمراض الوراثية فمثلا صبغة الدم المنجلية أو فقر الدم الثلاسيمي الذي يحتاج فيه الشخص الى نقل دم كل ثلاثة الى أربعة اسابيع وبصفة مستمرة ويحتاج إلى علاج لإخراج عنصر الحديد عن طريق مضخات لحقن الدواء على مدى ساعات كل يوم هذه معوقات وإعاقات مادية واقتصادية وجسدية ووطأتها شديدة ومستمرة كونها أمراضاً مستعصية على العلاج الذي يشفي منها وهو غير متوفر الآن وهذه الأمراض مشكلتها ليست فقط اقتصادية أو اجتماعية او صحية بل تتعدى كل هذه الجوانب لأن الشخص المريض يضطر للغياب عن المدرسة اذا كان طالبا او العمل إذا كان موظفا ثم ينعكس ذلك ايضا على الحياة الاجتماعية في المنزل والعمل والشارع ومع الاصدقاء وبين الأقارب وفي كل المجتمع فهي في الحقيقة متعددة الجوانب وانعكاساتها السلبية تنال كل افراد المجتمع ونسبة الإصابات من مجمل الإعاقات نتيجة عدم الفحص المبكر تصل إلى 10%في بعض المجتمعات فمثلا في المنطقة الشرقية ومنطقة جيزان وتهامة عسير ومنطقة خير شمال المدينة تكثر فيها هذه الأمراض لأنها كانت موبوءة بالملاريا ثم ايضا العوامل الاجتماعية بزواج الاقارب على مدى حقب طويلة أدت إلى حدوث هذه الامراض بنسب أعلى من غيرها لكن الآن بدأ الناس يتحركون من منطقة لأخرى والهجرة الى المدن فالصورة متغيرة من وقت لآخر لكنها تنال مثلا الشخص الحامل في بعض المناطق قد يصل إلى واحد من خمسة حامل لهذه المورثات والمريض حوالي 2% من الأطفال.
* ما أبرز الأمراض التي تنتج عن عدم القيام بالفحص المبكر قبل الزواج؟
هناك اختبارات لبعض الامراض ولا توجد اختبارات للبعض الآخر فيما يتعلق بالفحص قبل الزواج والحالات الوراثية لكن صبغة الدم المنجلية وفقر الدم الثلاسيمي سهل الكشف عنه وكذلك قصور الغدة الدرقية ومتوفر في كل المستشفيات وايضا بعض القصور في عمليات الأيض في جسم الإنسان بها اعتلالات والحصول على اختباراتها ميسور ولكن يبقى جانب الإرشاد الوقائي الذي يحتاج إلى متخصصين لشرح دلائل هذه الاعتلالات وايضا التشوهات الخلقية والجسدية بعض الأطفال الذين يولدون متوفين او بعض الإسقاطات التي تتم نتيجة الإصابة بالأشعة أو تناول الأدوية أو بعضها أمراض وراثية ايضا فهناك اسباب عدة وفي مراحل مختلفة من العمر.
* يقال إن أغلب الأمراض التي تنشأ هي نتيجة الزواج من الأقارب فقط، فعل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحا فهل يمكن قصر الفحص على الأزواج من الأقارب؟
هذه الجملة ليست صحيحة في مجملها هناك إيجابيات لزواج الأقارب وهناك سلبيات كذلك فهناك حالات يكون الأقارب لديهم موهبة أو ذكاء غير عادي او لديهم قوة عضلية متميزة وهذه تورث بين الأقارب أو حسب المورثات تنتقل من شخص لآخر ثم هناك اعتلالات مرضية تورث ايضا بنفس الطريقة وبنفس السبب ولذلك نحن لا نأخذ زواج الاقارب على علاته ونقول كله خير او كله شر ولكن يعتمد على البيئة التي يعيش فيها الإنسان على الأمراض السائدة في تلك المجتمعات البشرية أو القبائل أو السكان في تلك المنطقة فمثلا سكان المنطقة الوسطى ليس لديهم ملاريا وأمراض الدم الوراثية (صبغة الدم المنجلية وفقر الدم الثلاسيمي) نادرة لكن إذا أتيت للمنطقة الشرقية الهفوف أو القطيف أو منطقة جيزان وكل تهامة عسير ومنطقة خيبر هذه الأماكن التي كانت موبوءة بملاريا وهي مناطق زراعية يكثر فيها الماء الراكد الذي يشجع الملاريا على البقاء عندما كان لايوجد علاج للملاريا ولم يكن هناك حبوب كما هو الآن كان الشخص الحامل لهذه الاعتلالات لديه فرصة ان يعيش ويقاوم الملاريا أكثر من الشخص العادي كان الشخص العادي أكثر عرضة للوفاة من الشخص الحامل لهذه الاعتلالات اي لديه مناعة أكبر فمن هنا جاء التركيز وارتفاع النسبة كأحد العوامل التي تقاوم الملاريا ثم جاء ايضا زواج الاقارب فزاد من نسبة الحدوث فأنا أقول إن زواج الأقارب يعتمد على أن يكون في أي منطقة وما الأمراض السائدة في تلك المنطقة وما البيئة المرضية في ذلك المحيط الصحي.
ونوجه دعوة لمن لديه أقارب مصابون بأمراض الدم الوراثية فإن هذه الأسر تحتاج إلى إجراء الفحص ثم هي دعوة للجميع بصفة عامة ولكن الأكثر عرضة هم من لديهم بعض الأمراض الوراثية في العائلة أو بعض الأقارب.
* ما الوقت المناسب الذي تنصحون به لإجراء الفحص؟
كلما كان وقت الفحص مبكرا كان ذلك أفضل ونحن نأمل أن يكون هذا مشروعا وطنيا وان تتبناه وزارة الصحة على مستوى المملكة وان يكون الفحص للمواليد وللناس الذين لا يمكن فحصهم عند الولادة يكون عند الالتحاق بالمدارس وإذا لم يمكن ذلك يكون عند الالتحاق بالجامعة هذه مراحل ربما لو ركزنا عليها وحاولنا استكمال البطاقة الصحية بإجراء هذه الفحوصات لهذه الأمراض الوراثية تدخل في نفس البطاقة الصحية ربما لا يحتاج قبل الزواج للفحص إذا كان قد عملها قبل ذلك.
* كلمتكم الأخيرة في ختام هذا اللقاء؟
أرجو أن تستمروا معنا في المساهمة وأنتم تساهمون جزاكم الله خيرا في رفع المستوى الصحي، فرفع الوعي الثقافي والإرشاد فيما يتعلق بالأمراض الوراثية نظرا لأهميتها كما أنه كما أسلفت لا يوجد لها علاج طبي ناجع وهي مستعصية على العلاج وبالتالي فهي تحدث مشاكل اجتماعية ونفسية واقتصادية وإسهامكم في هذا مشكور ونأمل ان يستمر هذا التعاون؟
|
|
|
|
|