| مقـالات
السياحة صناعة متخصصة لها كما لكل الصناعات أسس وقواعد، متطلبات وشروط ومهنية عالية.
فليس يكفي مثلا أن تقدم للسائح شاطئاً بكراً جميلاً بدون خدمة دورات المياه مثلا، أو خدمة فندقية عالية المستوى بسعر يتجاوز إمكانياته، وليس من المنطق أن توفر كل المواصفات المغرية في منطقة ثم تفشل في أن توفر خدمة حيوية مثل المواصلات الميسرة، أو الأمان، أو المعاملة الحسنة.
لقد جاءت الأنظمة والتنظيمات الأخيرة للسياحة الداخلية لتوفر المناخ الصحي المناسب للسياحة أملا في استقطاب مليارات الدولارات وآلاف الوظائف التي ينفقها ويجلبها السائح الى البلدان المحظية باهتمامه، خصوصا إذا علمنا أن أكثر سياح العالم إنفاقا هم سياح الخليج.
والفائدة في السياحة تعم ولاتخص, فمبدأ المصلحة المشتركة الذي كتب عنه الدكتور سعد بن مارق، عضو لجنة التنشيط السياحي في عسير، يوضح أن السائح الذي ينفق في أبها، مثلا ، إنما يشتري خدمات وبضائع مصدرها في أكثر الأحيان من مدن ومناطق أخرى, فالفواكه قد تأتي من مزارع تبوك والطائف، والخبز من غلال القصيم وحائل، والحليب من مصنع في جدة أو ينبع، والهدايا من مستوردين ومصنعين في الرياض والدمام, كما أن الفندق الذي يسكنه وشركة الليموزين الذي أستأجر منه والمرافق السياحية التي زارها عادة ماتكون ملكية مشتركة بين مستثمرين ومساهمين في مناطق متعددة من المملكة, والأرباح التي تعود على هذه الشركات من فروعها في أبها تطور خدماتها وتوسع شبكاتها في المدن الأخرى, أضف الى ذلك أن السائح القادم من الخليج أو الأردن أو الرياض مرّ في طريقه البري أو الجوي بمدن ومطارات عديدة قبل أن يصل الى ابها ونجران، الطائف والباحة، مكة المكرمة والمدينة المنورة.
الفرص التنموية والمصالح المباشرة وغير المباشرة كثيرة ولكن المعوقات عديدة أيضا, فمقابل كل فرصة متاحة لتنشيط السياحة هناك الكثير من الإشكاليات التي لم توضع حلول لها بعد, فكيف تقنع سائحا سعوديا أن يقضي شهرا في الباحة مثلا إذا كانت تكلفة السكن وحدها تكفي لمصاريف إقامة شهرين في ماليزيا أو تونس؟ وكيف تستعيده إذا كانت الخدمة الفندقية والخدمات الترفيهية مكررة ومملة ولاترقى بحال الى نظيراتها في دبي والبحرين، القاهرة ودمشق، تونس واسطنبول؟ هل تكفي المسابقات الرياضية والمهرجانات التسويقية في شدّ سائح ملول يطمح في كل صباح ومساء الى شيء جديد؟
متى سيقتنع السائح الأجنبي بزيارة المملكة إذا كانت المهنية العالية التي يجدها في بيروت أو الدار البيضاء تفوق بكثير ما سيحظى به في الدمام أو جدة؟ ماهي البرامج الترفيهية والزيارات الثقافية التي نوفرها لسائح محترف كي نتميز بها عن غيرنا من البلاد المتمرسة؟ كيف نستغل الهبات الربانية من شواطىء تهامية بكر ومياه حساوية حارة وآثار نادرة في أخدود نجران ومدائن صالح بتقديم الخدمات المساندة من فنادق ومواصلات ومشاريع ترفيهية؟ وما مدى استعداد التاجر وسائق التاكسي وموظف الجوازات والخطوط السعودية وصراف البنك للتعامل مع سائح طالما دلّله الآخرون؟ ماهي الفرص التدريبية المتاحة لشبابنا في مجال الخدمات السياحية؟ هل تجاوز مجتمعنا عقدة الأجنبي بعد ليحسن الترحيب بالضيف الغريب؟
كل هذه أسئلة ساخنة على طاولة الهيئة العامة للسياحة لا أشك بأنها تشغل بال أعضائها وأمينها الشاب الأمير سلطان بن سلمان بالقدر نفسه الذي تشغل كل المشتغلين بالسياحة والمراهنين على مستقبلها من امراء المناطق والمستثمرين واصحاب المصالح في تحريك بركة الأسواق والوظائف الراكدة, والإجابة الصحيحة عليها لن تتحقق الا بتعاون الجميع بدءاً بمضيف الخطوط ومفتش الجمارك وضابط الجوازات وموظف استقبال الفندق وسائق الحافلة والأجرة ومطوف الحاج والمعتمر وبائع المساويك وانتهاء بهم.
* رئيس الشئون المحلية، جريدة الوطن، أبها
|
|
|
|
|