| مقـالات
لعله من أهم المشكلات التي تلح علينا في الوقت الراهن هي مشكلة التجدد في وظيفة المدرسة لتساير التغير الحادث في مجتمعنا, ويثور لدينا تساؤل: ما هي مشكلات الوظيفة؟ وما هي أسباب المشكلات؟ وكيف نريد ان تكون عليه وظيفة المدرسة؟ وما هي متطلبات تحقيق الوظيفة؟ وماذا نريد في المستقبل؟
نثير هذه التساؤلات بمناسبة ما طلعناه اخيرا في جريدة الرياض العدد الصادر في 15/1 عن تعدي احدى المعلمات على طالبة بالضرب المبرح غير التأديبي التربوي، ثم اكملت مديرة المدرسة العقاب بصلب الطالبة في الشمس لمدة ساعة نتج عنها اصابتها بحالة إغماء نقلت في إثره الى المستشفى وتوفيت هناك.
فإذا كان ذلك كذلك فهل يمكننا قبول هذا التصرف؟ وهل لنا ان نتصور ان مدرسة المفروض انها نسق تربوي بديل عن الأسرة في تربية النشء يصدر عنها هذا التصرف غير المسؤول: وهل لنا ان نتخيل ان المدرسة التي يتوجب عليها تزويد تلاميذها الصغار مبادىء وأساسيات القيم الخلقية التي يصدر عنها اكتساب المثل العليا والقدوة الحسنة والنموذج الأوفى فيلقى التلميذ عطف المعلم الذي يمثل دور الأب، وحنان المعلمة التي تمثل دور الأم, فما الحال إذا غاب عن هذا الأب وهذه الأم ما يعتبر حراما في سلوك الدور وما هو حلال؟
إن القسوة والشدة المبالغ فيها من قبل المعلم او المعلمة التي لاقتها هذه الطالبة لا شك انها تدخل في عداد الحرام لأنها لا تشكل أساسا تربويا حكيما بل أغلب الظن انها تفريغ لشحنات انفعالية مكبوتة صبتها المعلمة على رأس هذه الطفلة المسكينة, والآن ماذا علينا ان نفعل هل نجنب اطفالنا ام نجنب معلمينا تلك الانحرافات السلوكية؟ هل نبحث عن مشكلات اطفالنا السلوكية كي نجنبهم التردي فيها أم أننا نتقصى ما لدى المعلمين من مشكلات؟ هل العقاب يمثل هذه الصورة التي تؤدي الى الوفاة يمكن ان نعتبره ركنا تربويا حصينا في اتجاهات مدارسنا المعاصرة؟ هل ندرك مدى تأثيره في شخصية اطفالنا وما سيكونون عليه في المستقبل متى استدمجوا داخلهم هذا الاتجاه العدواني؟ لمَ نمهد الطريق امام ابنائنا الى أنواع مقيتة من الاصطرابات النفسية في مستقبل حياتهم؟ فنواة بناء الشخصية توضع في هذه المرحلة,, ولقد عرفوا لنا المدرسة بأنها الهيكل المخطط والمرسوم في عملية التربية للطفل عونا بل وترشيدا لما يتلقاه من تربية في بيئته الطبيعية، وساعدت هذه البيئة في حقل تربية النشء, ولقد تعلمنا كذلك ان المدرسة هي الأداة التي تكمل دور الأسرة في تربية الطفل نظرا لأنه من الثابت والمتيقن في عصرنا الحديث ان الأسرة ليس في مكنتها القيام وحدها بعملية التربية الشاملة حيث ان ظروف الأسرة المعاصرة لا تسمح لها بالاشراف الكامل والمتواصل طوال مراحل سني الطفل.
ولقد استدخل في ذواتنا ان المدرسة المربية تجعل من معلميها مربين وليسوا ملقنين لما يحملونه من معارف لهم خبرتهم ووعيهم بخصائص نمو الطفل، ومن خلال هذا الوعي يمكنهم تهيئة المحيط والمناخ المناسب، وطرق التدريس، وتكنولوجيا التعليم، والمعلومات والظروف المواتية لاستثارة واقعية الطالب للاستزادة العلمية والنشاط الهادف والرغبة في الاستمرار في العمل والتعلم.
هكذا فإن المعلم القاسي غليظ القلب صلب المشاعر أعمى البصيرة هو الذي يستخدم العنف في معاملته مع الطالب فلا شك انه في مثل هذه الحالة قد تجرد من الرحمة بالصغار والشفقة عليهم وكأنه بفعلته هذه يحث الطفل على الجنوح على خط السواء وارتكاب الأخطاء والسلوك الشاذ، والعبث والتهوين في علاقته مع الآخرين.
ان المعلم القاسي يشكل أزمة في التوافق مع الذات والتكيف مع المدسة وبالتالي في شخصية الطفل وانعكاس ذلك عند تفاعله مع المجتمع الكبير,
ولعلنا نلحظ ان ثمة مواقف لبعض المعلمين والمعلمات تنأى بالمدرسة عن وظيفتها الأساسية التي تتمثل في تهيئة المناخ المدرسي المناسب للطفل وهو جانب هام في مهام وأغراض المدرسة، فبقدر ما تكون المدرسة مستعدة للقيام بهذا الدور بقدر ما تحقق للطالب تقدما ونجاحا في البرامج الدراسية.
وإذ لم تؤد المدرسة هذا الدور لكان قصورا في أداء الدور الأساسي وعدم الترابط بين اهداف المدرسة واهداف المجتمع مما يؤدي الى طمس الفروق الفردية وعدم الرفق في معاملة الطلاب او الصبر عليهم، او الاهتمام بارشادهم وتوجيههم وتقديم العون لهم مما يسهم في تهيئة المناخ الذي بدوره يساعد في تحقيق الصحة النفسية السليمة.
وإننا نهيب بالمعلم والمعلمة النابه ان يعرف مواطن القوة والضعف في شخصية الطفل والطفلة والذي في ضوئه يتحدد المدخل التربوي المناسب الذي يرسم صورة محببة في ذهن الطفل عن المدرسة حتى يستقر نفسيا لجو المدرسة التي تعمل على تعرف استعداداته وإشباع ميوله وجاجاته منطلقة في ذلك من حياته في بيئته الطبيعية وما ألفه ليشعر بالراحة، وان المدرسة امتداد لحنان ودفء المجتمع الذي يعيش فيه مما يزيد ثقته بنفسه حيث يشارك في نظام المدرسة الذي يتسم بالواقعية ويستمد وجوده من المجتمع ويهدف الى التعامل مع مواهب الطفل وإعداده للحياة الاجتماعية.
إن من وظيفة المدرسة الأساسية عدم اللجوء في تصحيح السلوك اللاسوي الى الضرب، او حتى التقريظ او التشهير وإنما عليها ان تعالج المواقف بأساليب علمية تبدأ من ملاحظة السلوك ثم دراسة خلفياته ثم رسم خطة العلاج المناسبة لهذا السلوك, وبعدها يتم التنفيذ التدريجي لخطة العلاج وعلى المعلم المربي عدم التسرع في مثل هذه المواقف, فالتوجيه والارشاد والاقناع أساسي في العلاج الصحيح, وهذا يعد أساسيا في حب المدرسة وتقبل اجوائها والاقبال عليها, ولكن عزيزي القارىء هيا بنا نسأل ابناءنا عن اثر المدرسة في نفوسهم, سوف نجد الاجابة ان المدرسة ليس لها اثر بالغ الأهمية في نفوسهم، فهل هذا راجع لشخصية المعلم والتأفف من طريقته، والتضجر من أسلوبه في المعاملة ام لعلاقته بأقرانه غير المستقرة ام لعلاقته بالكتاب وطريقة التدريس غير المناسبة، ام لشيء آخر يستدعي البحث عنه والتعرف عليه لتسنى تحليله وتفسيره ورسم خطط العلاج المناسبة.
وفي هذه الحال المدرسة عليها دور كبير في استقرار علاقة الطالب الاجتماعية فتعمل جاهدة على تنمية شخصيته جسميا وروحيا ووجدانيا واجتماعيا وتغرس فيه روح المحبة والتعاون والتفاعل وتعالج مشكلاته المدرسية والمنزلية كذلك.
واخيرا نرى ان العقاب البدني والنفسي مرفوض بالنسبة للمدرسة التي عليها ان تهتم بالمناشط المختلفة للطالب واستثارة دافعيته للمشاركات الإيجابية فيها ليعبروا عن ميولهم ودوافعهم وإشباع حاجاتهم النفسية وأهمها الحاجة الى الأمن والتقدير والمحبة والحرية والنظام والمعرفة.
|
|
|
|
|