أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 1st June,2000العدد:10108الطبعةالاولـيالخميس 28 ,صفر 1421

الاخيــرة

عرس الجنوب
فوزية أبو خالد
لأول مرة في تاريخ جيلي من الكُتاب يحق لنا أن نكتب في واقع الحال العربي العسكري وفي المجال السياسي بغير سواد الدموع.
لأول مرة في الصراع العربي مع العدو الإسرائيلي يحق لنا أن نكتب خارج موازين القوى العالمية وبغير حسابات الأنظمة.
لأول مرة يحق للكاتب العربي أن يكتب دون أن يتنازل عن زهو الأجنحة ورغوة اللغة.
لأول مرة يحق للكاتب العربي ألّا يتجنب الكتابة بالتظاهر بالموت لئلا يشارك في فرفطة ريش الكتابة أو ينزلق في مزاد بيع الأحلام.
لأول مرة يجرؤ الكاتب العربي على الخوض في السياسة دون أن يتحسب لتهمة التدخل في الشأن الكهنوتي العام أو الخيانة العظمى لذهب السكوت.
مثل عاشق عتيق متقاعد يعالج صمامات القلب من صدأ السنين بعد تحريم الحب على الأحباء عدة أجيال,, يجد الكاتب العربي اليوم أن عليه أن يغسل روحه من فيروسات مفردات الاستسلام والصمت علنا نستحق الكتابة عن عرس الجنوب.
لأول مرة يحق للمواطن العربي أن يخرج لمعانقة الشمس على رؤوس الأشهاد دون أن يخشى حراب الاتهام بالاعتداء على هيبة الظلام.
لأول مرة ينتزع المواطن العربي حق إقامة أعراسه وسط الشارع دون أن يحاذر رعب الملاحقة بدعوى التجمهر وتحريض الرأي العام على الفرح.
لأول مرة يشهر المواطن العربي حبه للحرية ومعاداة الخنوع دون أن يأبه بحراس الخضوع وأبطال التذلل.
لأول مرة من اثنين وعشرين عاماً لأمهات الشهداء ألّا ينزوين حزناً في انتظار معونة الشتاء.
لأول مرة من قبل قانا ومن بعد لأمهات الشهداء أن يجدلن سنابل شعرهن بغير بياض الأعلام وشحوب الأكفان وسواد الاستسلام.
في عرس الجنوب
علينا أن نعي ونعتز جميعا ولا نبيع قناعاتنا بأن انسحاب العدو الإسرائيلي من تراب جنوب لبنان لم يخرج من مسودة اتفاقيات الاستسلام السرية أو المعلنة لم يصنعه تفاهم نيسان 96م أو قرار الأمم المتحدة رقم 425 ولكنه نصر كان له طلاب وله أصحاب حقيقيون غزلوه بحرير الروح وحراشف الجسد.
إنه نصر صنعته مقاومة أهالي الجنوب، نصر كتبته الكاتيوشا ضد الدبابة والمدرعة, نصر صنعه الصمود المنظم ضد القصف اليومي العشوائي للقرى والمدنيين للمسنين والأطفال على حد سواء، نصر حقيقي حاكته سناء المحيدلي، أحمد قصير وعدد لا يحصى من شابات وشباب الجنوب بأجسادهم وأرواحهم المفخخة فداء على مذبح حدود لبنان.
وإذا كانت حرب رمضان اكتوبر 73م هي رد اعتبار للجيوش العربية في قهر أسطورة جيش العدو,, وإذا كانت السياسة قد جيّرت ذلك النصر لصالح مشاريع سلمية لم يستشر المواطن العربي في مساراتها فإن تحرير الجنوب اللبناني ربيع 2000م هو رد اعتبار للمقاومة الشعبية، إنه رد اعتبار للشمعة في مواجهة الليل، لقطرة المطر في مواجهة جنون الجفاف ، للحجر في مواجهة الطلقات المطاطية والحية، لرعب الأمل في مواجهة لشجاعة الأمل في مواجهة جبن اليأس, إنه رد اعتبار للاستشهاد ضد سطوة الاستسلام.
إن عرس الجنوب هو الدرس الذي علينا أن نعلمه عصافير الطفولة التي فتحت عيونها إما على لعنة الاحتلال أو على ذل القبول بالأمر الواقع.
لقد مضى وقت طويل كانت فيه المقاومة الشعبية بالجنوب اللبناني تعاني من التستر الإعلامي لئلا يفتضح عجز الأنظمة السياسي وينكشف مزيد من سواءات استسلامها وسعيها لهذا الاستسلام عن سبق عمد وإصرار وترصد.
فإذا بتحرير الجنوب يشهر ملكات المقاومة الشعبية وطاقاتها التحريرية الجارفة.
إننا اذ نحتفل بتحرير الجنوب اللبناني من بعيد ونقطف مع الشهداء والمقاومين رمّان صبرهم ورحيق صمودهم علينا أن نصبر ألا يكون هذا النصر نهاية المطاف بل أنه البوابة لنستعيد الثقة بأن أقدار الشعوب لا تكتب بغير الإرادة والتضحيات هذا العرس الجنوبي لا ينتهي.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved