| متابعة
أربعة ملايين شخص يلقون حتفهم بسبب التدخين كل عام, غير أن هذا لا يحدث فجأة في حياة المدخن، بل تأتي الوفاة نتيجة سلسلة طويلة من المعاناة والمرض فدخان التبغ يشتمل على أربعة آلاف مركب كيماوي، كلها ضارة وخمسمئة منها ضارة جداً, بل ان منها 43 مركباً تسبب السرطان وللتدخين كذلك أضرار على المدى القصير، فالمركبات المهيجة فيه تؤدي إلى زيادة البلغم والسعال، كما يحدث التدخين قصوراً في وظيفة الرئة، مما يؤدي إلى صعوبة التنفس ولا سيما عند القيام بجهد بدني مفاجئ, والمدخنون أكثر تعرضاً للالتهابات الصدرية بمختلف أنواعها لكن أشد أضرار التدخين لا يبدأ بالظهور إلا بعد سنين عديدة من التدخين، مما يجعل الشباب من المدخنين يستهينون بهذه الأخطار, لكن الحقيقة المؤكدة التي لا تدع مجالاً للشك هي أن التدخين سبب رئيسي أو كلي في عدد من الأمراض الوعائية التي تصيب مواقع حساسة، والسرطان بأنواع مختلفة, فتظهر دراسة أجرتها جميعة السرطان الإمريكية أن احتمال وفاة المدخنين بالأمراض الرئوية الانسدادية يزيد بعشرة أضعاف عن غير المدخنين، وأن ثلاثة أرباع الوفيات بهذه الأمراض إنما ترجع إلى التدخين وتتأكد هذه النتائج بدراسة تتناول الرجال من الأطباء البريطانيين، إذ تدل على أن خطر الاصابة بالأمراض الرئوية الانسدادية بين المدخنين يزيد بثلاثة عشر ضعفاً عنه بين غير المدخنين.
أما بالنسبة للأمراض القلبية الوعائية فإن أنواعها التي يسببها التدخين لا تكاد تدخل تحت حصر، منها مرض الشريان التاجي، وأزمات القلب، وأم الدم الشريانية الأبهرية التي تسبب الوفاة الفجائية ومرض الشريان السباتي الذي يؤدي إلى السكتة الدماغية ومرض الأوعية المتطرفة في الأرجل التي تسبب آلاماً رهيبة عند المشي وقد تؤدي إلى بتر الرجل.
وتشمل قائمة الأمراض التي يسببها التدخين: الساد (كاتاراكت) وتخلخل العظام، وأمراض اللثة.
أما بالنسبة للسرطان فإن التدخين هو السبب المباشر في الغالبية العظمى من الإصابات بسرطان الرئة, غير أن التدخين يعتبر أحد عاملين رئيسيين في الإصابة بسرطان الفم والبلعوم أما العامل الآخر فهو تعاطي المسكرات, ويتضاعف خطر الإصابة إذا ترافق العاملان معاً، فيزيد على حصيلة جمع ما يسببه كل منهما على حدة.
هذه خلاصة لما يسببه التدخين للمدخنين من أضرار صحية أما ما يسببه لغير المدخنين فليس بأهون شأناً ولا أقل خطراً فقد درست اللجنة العلمية البريطانية الخاصة بالتبغ والصحة المشكّلة عام 1994 آثار دخان التبغ المنتشر في البيئة على غير المدخنين وخلصت إلى النتائج التالية :
* إن التعرض لدخان التبغ في البيئة يسبب سرطان الرئة، ويزيد احتمال الإصابة بسرطان الرئة بين من يتعرضون لدخان التبغ في البيئة على مدى طويل بنسبة تتراوح بين 20% و 30%
* والتعرض لدخان التبغ في البيئة سبب في الإصابة بأمراض القلب الإقفارية.
وإذا ما تأكدت التقديرات الراهنة لمدى احتمالات هذه الإصابات فإن هذا التعرض يمثل خطراً كبيراً على الصحة العامة.
* التدخين في محيط يوجد فيه الرضع والأطفال يسبب أمراضاً تنفسية خطيرة، وأزمات الربو,
* ترتبط الوفاة الفجائية في المهد، وهي السبب الرئيسي في وفاة الأطفال في السنة الأولى من العمر، بالتعرض لدخان التبغ البيئي وتعتبر هذه العلاقة علاقة سبب ونتيجة,
* يرتبط مرض الأذن الوسطى عند الأطفال بتدخين الآباء والأمهات، ومن المرجح أن تكون هذه العلاقة علاقة سببية.
وبالإضافة إلى ذلك تتعرض النساء إلى خطر إضافي فهي مهددة بخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم, كما أن النساء المدخنات ويتعاطين أقراص منع الحمل يتعرضن لاحتمال أكبر في الإصابة بالسكتة الدماغية أو الأزمة القلبية, ويؤدي التدخين إلى مضاعفات أثناء الحمل ويضر بالجنين, والأمهات المدخنات يسببن لأنفسهن أضرارا صحية محققة، ويعرضن أطفالهن الصغار والرضع لأضرار التدخين بالإكراه.
هذه الحقائق الدامغة تصور ضخامة المشكلة التي تواجهها السلطات الصحية من جراء التدخين، وهي مشكلة تزداد تفاقما واتساعا فأعداد المدخنين في معظم بلدان العالم لاتزال في ازدياد ونسبة قليلة من المدخنين تقرر الإقلاع عن التدخين، وكثيرون من هؤلاء لا يحققون النجاح في مبتغاهم,
وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية قد اتخذت خطوات وإجراءات تهدف إلى الحد من مشكلة التدخين، غير أن المشكلة تظل مستعرة الأوار تغذيها عوامل ثلاثة مهمة أولها أن التدخين إدمان, تقول اللجنة العلمية البريطانية الخاصة بالتبغ والصحة في تقريرها الصادر عام 1998 : (لقد تبين أن للنيكوتين آثاراً على نظام إفراز مادة الدوبامين في الدماغ تماثل آثار المخدرات كالهيرويين والكوكائين,,, ويبدأ الاعتماد على النيكوتين في وقت مبكر من حياة المراهقين المدخنين، كما أن هناك أدلة دامغة تؤكد أُن قدراً كبيراً من سلوك المدخنين البالغين إنما يأتي بدافع من الحاجة إلى المحافظة على مستوى جرعة النيكوتين المعتادة,, ويؤكد الأشخاص الذين يسعون للعلاج من إدمان الهيرويين أو الكوكائين أو الكحول أن الإقلاع عن التدخين صعب مثل صعوبة الإقلاع عن العقار الذي يدمنونه, ومن أهم أسباب الفشل في محاولات كثيرة للإقلاع عن التدخين صعوبة التعامل مع آثار توقف جرعة النيكوتين).
ونقول بعد هذا أن الشخص الذي يعتاد التدخين باستمرار يضاعف احتمالات وفاته قبل بلوغه الخامسة والستين أكثر من ضعفين، وأن خير استثمار صحي يستثمره المرء هو ألا يدخن أبداً، أما للمدخن فإن الإقلاع عن التدخين هو أفضل مايقوم به في حياته لتحسين صحته.
|
|
|
|
|